22 ديسمبر، 2024 2:01 م

” الخوف… لا حدود.. له !!!”
الحياة في الدول العربية ذات الوان عاطفية متأرجحة كتدحرج ايقونات لعبة الدومينو بين الوقوف والوقوع، تتنوع لوحة المشاعر فيها ودرجة تجليها ليتلاعب الخوف بها صعودا ونزولا ويمينا وشمالا، وفيها لا تتحدد سلوك الشعوب وردود أفعالها على تصرفات السلطات عبر المصالح والتوجهات والقيم والمعايير السياسية والقانونية فقط، وإنما أيضا كفعل ورد فعل لتصرفات ممثلي السلطات الحكومية والتي مضامينها قد لا تكون معتمدة على نوع النظام السياسي والحس السليم والأهداف السياسية للدولة ولا حتى على المصالح الشخصية في نظم العلاقات بين السلطات والمجموعات الاجتماعية المختلفة والمجتمع ككل، لدرجة إن العواطف الاجتماعية قد تؤدي دورًا مهمًا في مناحي الثقة في المستقبل والخوف والثقة بالحب وعدم الكره، فخوف الشعوب العربية من السلطة يأتي من الخوف الوجودي من فقدان الأب الذي تندمج صورته في الثقافة العربية مع صورة القوة وان غضب الأب وفقدانه أو العقاب المنبثق عنه يُنظر إليهما على أنهما لا ينفصلان وحادان للغاية، وبما أن الخوف هو سمة القوة والعلاقات السياسية في جميع أنحاء العالم فلذلك يتمثل في الاغتراب عن العديد من الأشياء الحيوية لأنه يكمن في عدم القدرة على التحكم في النفس والثقة في أن الحياة تخضع لسيطرة قوى وظروف خارجية، وقد تمت ملاحظة الاغتراب عن الحكومات ذاتها والفجوة العميقة بينها وبين المجتمعات مع ملاحظة ممثليها وكأنهم أجانب.
يمكننا تعريف المخاوف العامة التي تعمل كنوع من العاطفة على شكل طريقة للتكيف مع الوضع أو البيئة الاجتماعية التي تمتلك درجة من عدم اليقين وتتجلى بالقلق والرهبة والذعر والشائعات والمخاوف مما تتسبب في عواقب وخيمة على الفرد والمجتمع، ومن الطبيعي السعي إلى الانسحاب من حالة الخوف أو على الأقل التقليل من خلل وظيفتها وهذه الرغبة تستخدم للتحكم والتعامل مع وعي وسلوك الشعوب العربية وبحسب أنواع المخاوف العامة كالبيئية والطبيعية والتكنولوجية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والنفسية والغير عقلانية وغيرها. ويمكن للخوف أن يكبح الحركات الاجتماعية لكنه لن يمنع الأفعال أو ظواهر الوعي غير الملائمة أو الخطيرة للسلطات ويوجهها نحو الاتجاهات التي تتوافق مع مصالح السلطات العربية عبر تعبئة السكان من خلال تركيز الموارد الفكرية والنفسية والثقافية وغيرها واتجاههم لحل مشاكل السلطة الفعلية. وان المشاكل الاجتماعية والسياسية الفعلية قد لا تكون فقط مشاكل مجتمعية إنما قد تكون مشاكل الحكومات ذاتها كالثقة وولاء الشعب تجاهها إضافة إلى أساسيات الأيديولوجية، ولذلك فربما يمكن أن يكون الخوف أساسًا للتضامن الداخلي عبر البحث عن العدو الخطير الذي يشكل وجوده تهديدًا لجميع أعضاء المجتمع مما سيشكل أكثر أدوات استخدامًا لحشد الشعوب وتبرير الإخفاقات المتعلقة بعدم الكفاءة الإدارية وهو بذات الوقت طريقة مثلى لنقل العواطف السلبية والتوترات الاجتماعية من السلطة إلى أشياء اجتماعية أخرى.
ببلادنا العربية مع الخوف تتشكل صورة القوة على أنها الأساس وتصاحب فكرتها الحكمة التقليدية في أن القوة الجبارة والتي يُخشى منها تعكس الجانب الوظيفي لاستخدام الخوف كطريقة لصنع وتوظيف صورتها، ومن ذلك نلمس أن المفردات المستخدمة من قبل ممثلي السلطات تؤدي وظائف بناء الصور لبناء الخوف فيمتلئ الخطاب بمعسكر الاعتداء العدواني والمفردات النفسية القاهرة، ولذا تهدف جميع احتمالات استخدام وتوظيف المخاوف العامة إلى توسيع السلطات وتعزيزها والاحتفاظ بها مما يمكن من بناء تقنيات استخدام المخاوف العامة باستخدام الموجود منها بالفعل في الوعي الجماعي أو بمساعدة تصميمها، والشعور بالخوف امر طبيعي تماما للإنسان وهو رفيقه في الحياة اليومية الحديثة, ولذلك فأن السؤال الرئيسي لا يتعلق بكيفية التعامل مع المخاوف الجماعية المختلفة؟ وإنما بالتحديد لماذا مثل هذا الخوف والتهديدات التي تنشأ وتنتشر في ظروف عصيبة وفي الأوضاع الغريبة ؟؟
لا يفوتنا إن نبين إن السلطات العربية أيضا تتشكل لديها مخاوف وهمية أو خادعة أو عصبية، ولذلك نرى إن المخاوف الخيالية هي مجرد قوة اجتماعية حقيقية مثل ردود الفعل تجاه المخاوف التهديدات الموجودة بالفعل، لكن المخاوف الخيالية لربما هي أقوى لأنها كامنة فتصبح أداة للتلاعب في الوعي العام ومن الصعب إصلاح ووصف عواقبها فهي ليست واضحة ويتم تحديدها من قبل الصور النمطية أو الذاتية. فجراء ذلك يتم بناء المواقف المجهدة بسهولة من خلال الخطب الرسمية ووسائل الإعلام كما في الخوف من الإرهاب والذي نتفق جميعا على إن له أساس حقيقي غير إن الأفكار حول نطاقه الحقيقي وعواقبه لا تبدو كخطر وهجوم حقيقي واضح ومع ذلك فإن الخوف منه هو سبب ملائم للغاية للتلاعب على أساس تقليص الحريات الديمقراطية وتقييد الحقوق الفردية. ومن المهم أيضا ملاحظة أن آلية الترهيب تكمن في صميم الإرهاب نفسه وإن الهدف من الأعمال الإرهابية ليس فقط التدمير الحقيقي للناس أو الأهداف الإستراتيجية إنما يتمركز بتشكيل الخوف الكامل منه لأنه لا يمكن لأحد أن يعرف أين ومتى يمكن له أن يظهر، فالسلطات العربية لا تستخدم فقط الخوف ولكنها أيضا تبنيه بقوة مستندة على عدم القدرة على التنبؤ بأثاره وإجراءاته وتعتمده في تشكيل وتنفيذ سياسة الترهيب كالخوف من الزمن وتطوره كمنظم للحياة الاجتماعية باستخدام الأشكال العدوانية وتفعيل التقنيات المتلاعبة ووضع توقعات زائفة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ليتنامى عبرها الخوف عبر القفز في مستوياته وايصاله الى الخوف من الموت للعمل عبره لتنظيم سلوك الناس في المجتمعات العلمانية والدينية على حد سواء مما يجعل الوعي المروع متمكن من تشكيل إيديولوجية مسيطرة على الشعوب العربية باعتماد الخوف من الموت في شكل الحرمان من الحياة كوسيلة للرقابة والترهيب. ولن تكون مفاجأة لاحد إن اوضحنا إنه وفي عالمنا العربي نجد الأستجابة لسياسة الخوف تسجل انقسامًا على طول خط الاعتماد السلطوي كما نجد زيادة ملحوظة في الشعور بعدم الرغبة في فعل أي شيء للتكيف بطريقة ما مع واقع جديد وبذات الوقت نجد ارتفاع عدد الذين ايقنوا بأنهم لن يفعلوا أي شيء حتى لو كانت الظروف محبطة والأوقات العصيبة بينما فضل آخرين عدم التفكير في الأمر على الإطلاق وتبعا لذلك تجلت الاستجابة للخوف في نمو المزاج والخطب الاحتجاجية بالإضافة إلى المظاهرات الواسعة النطاق ومع ذلك فإن استراتيجية الاستجابة لها أساس عاطفي مختلف تظهر بوضوح فاضح زيادة في عدد الذين يدعمون احتجاجًا اجتماعيًا وسياسيًا على المستوى اللفظي وزيادة في عدد الذين لا يشاركون فيه فعليًا، مما يعني نتكلم بأعلى الصوت ونحن مرتعبين خوفا !!!