23 ديسمبر، 2024 3:33 ص

الأرض ومنذ فجر التأريخ تكون محكومة بقوة مهيمنة تخضع لإرادتها القوى الأخرى وتدور في فلكها إلى حين , وتأتي بعدها قوة نمت في رحمها وإستثمرت في أخطائها وعثراتها , فابتلعتها وأسست وجودها على ركامها.
وقد مرت الأرض بموجات متلاحقة من الهيمنة المطلقة لقوة ما على ما فيها من الموجودات , وجميعها ذات أعمار معينة وقدرات محدودة تستنفذها وتغيب بعدها , وهذه المتوالية التفاعلية إستمرت وتأججت إلى ذروتها في القرن العشرين , وتواصلت في سعيها في القرن الحادي والعشرين الذي يتميز عن غيره من القرون , بالثورة المعلوماتية والإتصالية الهائلة المتسارعة التطورات , والتي حولت الوجود البشري إلى وحدة متكاملة ومتفاعلة لا تعرف الحدود.
وفي هذا القرن نهضت قوى ذات قدرات متقاربة وطاقات هائلة وإمكانيات إختراعية مذهلة , فأصبحت البشرية أمام إمتحان صعب عليها أن تنجح فيه , وتتخطى رؤية الهيمنة والإنفراد بالسيادة الأرضية , وهذا يعني أن البشرية على مفترق طرق , فأما أن تختار طريقا لم تسلكه من قبل , أو أنها ستمضي في الطرقات المسلوكة سابقا , والتي لا تتوافق وإرادة العصر ومقتضيات المكان والزمان الأرضي , مما قد يدفعها نحو الهاوية المريرة.
لكن الخيار الأمثل الذي على البشرية أن تتخذه هو التفاعل الإيجابي الذي يقضي بضرورة بناء الدولة الإنسانية , ذات القدرة على تسيير أمور البشرية بما يحقق المصالح المشتركة , فما عاد مقبولا ولا صائبا أن تتعرى الحياة أمام البشر ليرى الفوارق الكبيرة والتفاوتات المروعة ما بين سكان الأرض في بقاعها المختلفة.
أي أن مفهوم الدولة الصغيرة ما عاد نافعا للبشرية , وعليها أن تسير نحو الدولة العالمية الإنسانية , التي يكون فيها الإنسان قيمة عليا , وتدين بالإنسانية ولا دين سواها في عرفها الجمعي , أما المعتقدات والتصورات والرؤى والإنتماءات فهذه من شأن البشر أيا كانت , ولا علاقة لها بالدولة الإنسانية التي ستتحقق رغما عن القوى المعاكسة لها.
فالدولة الإنسانية حتمية وليست خيارا , لأن البشرية لا يمكنها أن تتواصل وتحافظ على وجودها فوق الأرض إلا بها , أما بدونها فأن الصراعات ستنهك الأرض وتصيبها بإضطرابات دورانية تمحق ما عليها من الموجودات.
فهل أن الدولة الإنسانية الأرضية ستتحقق في القرن الحادي والعشرين , أما أن الحياة ستنتفي فيه؟!!