كانت مجتمعاتنا في دولة الأمة قبل معاهدة سايكس بيكو (1916) , وفي الحرب العالمية الأولى الذين حاربوا الأتراك فيها هم العرب , إذوعدهم الإنكليز والفرنسيون بإقامة دولة الأمة بعد طردهم للأتراك من أراضيها , فقام العرب بثورتهم الكبرى (1916) بقيادة شريف مكةالحسين بن علي (1853 – 1921) , وعندما تم إجلاء الأتراك من أراضي الأمة , غدروا بقائد الثورة ونفوه إلى قبرص , ودفنوه في القدس , وبعثروا أبناءه وقتلوهم , والذي نجا منهم هو عبد الله ملك الأردن.
ومنذ ذلك الحين إنطلقت دولة الوطن , فصارت الأمة أكثر من عشرين دولة , حاولت نيل إستقلالها من قيضة القوى المنتصرة في الحرب العالمية الأولى , وتمكنت أكثرها من التحرر الصوري , ودخلت في مراحل التفتيت المبرمج لدولة الوطن.
أي أن دولة الأمة تقسمت إلى دول وطنية , وجرى العمل على تقسيم المقسم بإرادة حكوماتها , المجردة من الرؤية الصالحة للحياة الحرة الكريمة.
ودخلت دول الوطن في صراعات وتناحرات خسرانية مع بعضها , وإستعانت بتلك القوى للنيل من أخواتها , ومنها تحولت إلى محميات للقوى الطامعة في البلاد والعباد.
وأكثر دول الوطن بلا سيادة حقيقية , ولا قدرة على إتخاذ القرارت بنفسها , وإنما تنفذ إملاءات , فحرية تقرير مصيرها ليست بيدها.
وفي البداية تأسست أنظمة حكم دستورية سميت بالملكية , لكنها لم ترق للطامعين , فدخلت دول الوطن في سلسلة من الإنقلابات الدامية بقيادة العسكر , الذين أوهموهم بأنهم قادة أفذاذ ونوابغ سياسة , وينابيع فكر وتتجسد فيهم الروح الوطنية المطلقة.
وتولى قيادتها أسافلها , فتدحرجت دول الأوطان , وكأنها كرات بليارد تتناطح وتستنزف طاقاتها , وأبناؤها المغفلون يتحركون وفقا لمشاريع الراغبين بإفتراسها آحادا.
وتجدنا اليوم في محنة الحفاظ على دولة الوطن , التي تتحرك بإتجاه دويلات الوطن , لكي يتواصل الإستنزاف والإستضعاف , والإنطمار في حفر المكان والزمان.
وصار نور الدين نارا , فالطائفية والمذهبية لها شأن فاعل في عدد من دولها , فاحترق وجود الأمة , والقول بدولتها أشبه بالنكتة , والخاسر أمة بكل ما فيها , والرابح أعدؤها الذي يشعرون بالسعادة , لأنهم يكتفون بغيرهم لتحقيق مشاريعهم.
وعاشت دولة الوطن المعوقة , ورحم الله دولة الأمة الغابرة!!