وعلى الصعيد نفسه فقد تم افتتاح مقر لمنظمة يسنا للديانة الزرادشتية في مدينة دهوك في 2/9/2020م، وهو أشبه بمعبد للزرادشتيين، واكدت ممثلة منظمة يسنا في دهوك هيلان جيا، ان الهدف من افتتاح المعبد جاء لاحياء ثقافة وفلسفة الزرادشتية وخدمة خطاب زرادشت، واشارت الى ان اتباع الديانية الزرادشتية في دهوك تعرضوا الى العديد من التهديدات المباشرة وغير المباشرة، وخصوصا في مواقع التواصل الاجتماعي.
وبعدها بعدة أيام أي في يوم الاثنين 7/9/2020م تم لأول مرة افتتاح معبد للديانة الزرادشتية في أربيل عاصمة إقليم كوردستان والذي احتضن مراسم خاصة لاعتناق أكاديمي عراقي وزوجته للديانة، وقالت آوات حسام الدين ‘ طيب أحد مؤسسي منظمة يسنا وممثلة الديانة الزرادشتية في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بحكومة إقليم كردستان العراق:”افتتحنا معبد أربيل بحضور مسؤولين من وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في إقليم كوردستان وعدد من المسؤولين وأبناء الديانة الزرادشتية، حيث تم استئجار منزل لهذا الغرض لحين بناء معبد خاص بنا”.
وأشارت آوات حسام الدين في حديثها لوكالة شفق نيوز، إلى أهمية افتتاح المعبد الزردشتي الذي يسمونه بـAteshga) – المعبد) في أربيل، قائلة: “افتتاح المعبد له أهمية كبيرة في أربيل، حيث توجد البعثات الدبلوماسية الأجنبية ومقرات منظمات الأمم المتحدة ووزارات حكومة إقليم كوردستان”. واستطردت بالقول: “نحن الزرادشتيون في كردستان عازمون على المضي قدمًا، وهذا يتطلب جرأة وجهودًا لدفع النهضة الزرادشتية”.
كما أعلنت عن إقامة حفل الصدر الزرادشتي البوشي (اي اعتناق الديانة) للدكتور حيدر عصفور وزوجته ضحى، وجدير بالذكر أن الدكتور حيدر وزوجته ضحى من الشيعة العرب ومن مدينة بغداد، وهما من عائلة معروفة في بغداد (عائلة العصفور)، وأن حيدر باحث اقتصادي عراقي لديه أبحاث اقتصادية ومقابلات منشورة على الانترنت.
وذكرت آوات حسام الدين، المؤسسة المشاركة لمنظمة يسنا التي تروج لنشر الزرادشتية في كردستان منذ عام 2014م، إلى أن زهاء 15 ألفا سجلوا أنفسهم في المنظمة حتى الآن(= عدد مبالغ فيه)، وقالت إن معظم هؤلاء من الكُرد، لكن هناك عربا ًومسيحيين أيضا بين المنضوين تحت لوائها.
وعلى الرغم من اعتراف الحكومة الإقليمية في كردستان العراق رسميا بالزرادشتية منذ عام 2015م، فإن المتحولين من الإسلام لتلك الديانة ما زالوا مسجلين كمسلمين في سجلات الحكومة العراقية المركزية، وهو أمر لا تتوقع آوات حسام الدين أن يتغير في وقت قريب.
ومن جانب آخر فقد نشرت الاكاديمية الامريكية (إديث سزانتو) المحاضرة السابقة في الجامعة الامريكية في مدينة السليمانية والمحاضرة حالياً في جامعة ألباما Albama الامريكية بحثاً تحت عنوان:” كان زرادشت كرديًا! موجة الزرادشتية الجديدة بين الكورد في العراق”، واستهلته بمقدمة جاء فيها:” إشمئز الكورد من تصرفات وجرائم داعش، فقد تحول بعضهم عن الالتزام بمباديء الدين الاسلامي والبعض الاخر قد اختاروا الالحاد ، وبخاصة بعد سقوط مدينة الموصل في سنة 2014، وقد رأوا الجرائم التي ارتكبتها عصائب داعش. وهناك من قرر ان يختار العقيدة الزرادشتية. واستنادا الى اقوالهم فان الزرادشتية كان الدين اوالمعتقد القديم والاصيل للاكراد قبل الاسلام، لذا فقد رجعوا الى إعتناق دينهم القديم”.
وبخصوص افتتاح بعض المراكز الزرادشتية في إقليم كردستان، ومحاولة النخبة الكردية العلمانية الالتحاق بركب مرحلة ما بعد الحداثة، قالت :” في عام 2015 تم افتتاح مركزين للزرادشتية في السليمانية، بشكل رسمي ومعترف بها من قبل حكومة اقليم كوردستان. علما انهم يحاولون نشر الزرادشتية من خلال اصدارمطبوعات واصدارات دورية حول المباديء الموجودة في العقيدة الزرادشتية، بعيدا عن الطقوس التي كانت تمارس من قبل الزرادشتيين عبر العصور في إيران القديمة وفي جنوب آسيا(= الهند). وحسب اقوالهم فإن هذا النمط الجديد من الزردشتية تجسد مرحلة ما بعد التوجهات القومية والليبرالية ومرحلة ما بعد الحداثة. وكما يصرحون بان سبب تخلف المجتمع الكوردي هو الاسلام وانهم يسعون بجهودهم من اجل تصحيح الاخطاء واعادة نهضة هذه الامة من خلال الرجوع الى الزرادشتية العقيدة الاصلية والعريقة للكورد!.
وقد قامت الباحثة بدراسة ميدانية في مدينة السليمانية بحكم تواجدها هناك كمحاضرة في الجامعة الامريكية، بقولها:”وقد قمنا بدراسة المهام والنشاطات لهذان المركزان في السليمانية بشكل ميداني لغرض الدراسة والتحليل، وان هذه الدراسة تتناول حركة الزرادشتية الجديدة في السليمانية، وهي مدينة مهمة في اقليم كوردستان في العراق. وان هذه الدراسة تحلل وجهة نظر الزرادشتية الموجودين في السليمانية وآرائهم حول الشريعة الاسلامية وحول حقوق المرأة وحقوق الانسان وحرية واستقلالية الشعب الكوردي”.
يبدو أن الباحثة لا تعرف تاريخ وطقوس الزرادشتية، وإلا فإن الكلب له قدسية فيها وله مكانة أكثر من مكانة المرأة، ولو إطلعت على كتاب الفنديداد، أحد أقسام الآفستا – الكتاب المقدس لديهم، لرأيت العجب العجاب، ولعرفت مكانة المرأة وما تلاقيه من تعسف وشظف العيش وامتهان لكرامتها سواءً عند حدوث حالات الظمث (= العادة) أو عند الولادة، …الخ. فضلاً عن ذلك هناك نصوص كثيرة في الفنديداد وخاصةً الفاركارد(= الفصل) الخامس والسادس عشر تشيران إلى تحقير المرأة في الدين الزردشتي بدليل اعتبارها نجسة ويجب عزلها على غرارالمرأة اليهودية، واعتبار المرأة الحائض نجسة ووغير طاهرة، ومن يلامسها يصبح نجساً. مما مر ذكره تبين لنا بواسطة النصوص الصريحة من الكتاب الزرادشتي المقدس الآفِستا الذي يتكون من 21 نسكاً، التاسع عشـر منه كتاب – الفنديداد – الذي يحوي نصوصاً صريحة في امتهان المرأة ونجاستها وحقارتها وعدم إنزالها مستوى الكلاب – حاشاها – وخاصةً في فترة الحيض التي تستمر لفترة طويلة من عمرها، وتكاد تكون حياتها جحيماً، لا تطاق؛ ويبدو في اعتقادي أن صعوبة الطقوس الدقيقة للزرادشتية وتكاليفها الشاقة والطهارة المبالغة فيها إلى حدٍ لا يوصف، وفق وجهة نظر المستشرقين البريطانين (توماس أرنولد المتوفى سنة1930م)، و(أدوارد براون المتوفى سنة1930م)، والنصوص المملة والمشوهة للافستا على حد تعبير المستشرقة البريطانية المختصة بالزرادشتية (ماري بويس)؛ جعلت المجوسية الزرادشتية تضعف وتتلاشى المسلمين أصحاب الشرائع السهلة.
وبشأن ظهور الديانة الزرادشتية من جديد، تستطرد في القول:”اعتناق الديانة الزرادشتية وترك الاسلام يعتبر (ردة) في الشريعة الاسلامية، في حين ان بعض الاكراد الملتزمين بالعقيدة الاسلامية يرون بأن انتشار ظاهرة اعتناق الديانة الزرادشتية تمثل اشكالية، بما ان هذا التيار قد لقى دعما من قبل الطبقة العلمانية اي السيكيولارية وبخاصة ضمن صفوف الكرد المغتربين الذين يعيشون في اوروبا. وقد يرجع السبب الى ان اغلبهم يعتقد بان الزرادشتية تمثل الهوية الكوردية القومية، مثلما ان اليزيدية تشكل جزءاً من المجتمع الكوردي، وترتبط ارتباطا وثيقا بالهوية الكوردية القومية”.
وعندما إشارتها الى الاحزاب الكردية الرئيسية السائدة في الساحة الكردستانية، قالت:” اصبحت الزرادشتية العقيدة المقدسة للحركات القومية في السبعينات والثمانينات في تركيا، بما انهم كانوا يعتقدون بان الزرادشتية هي اصل الكورد. وكذلك الامر في كوردستان العراق. علما ان الحزبين الحاكمين في كوردستان الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني لم يعلنا التخلي عن الاسلام، علما ان عبدالله اوجلان الذي اسس (حزب العمال الكوردستاني) في تركيا، اعلن جليا بان العقيدة الزردشتية تتفوق على الشريعة الاسلامية من الناحية الاخلاقية والفلسفة الفكرية. واعتبراوجلان بان الزرادشتية تحتوي على قوة التحرير، وقد تحررالكورد من الاضطهاد وتحرر الفكر الكوردي من الاسلام والاضطهاد الذي فرضه الاسلام، ومن ظلم الاقطاعيين(= الآغوات والبكوات) على مستوى الاقاليم. يعتبر اوجلان بان الزرادشتية جزء مهم من تاريخ الكورد، بينما تم تاسيس مركزين للزرادشتية في السليمانية. في البداية كان حزب العمال الجهة الوحيدة التي تتعاطف مع الزرادشتية وتجد من اعتنق الزرادشتية من اعضاء الحزب، ولكن بعد سنة 2014 لم يقتصر الامر على حزب العمال فقط بل تجاوز الحدود وتجد من اعتنق هذه الديانة القديمة الجديدة في كوردستان العراق ايضا”.
والشىء الذي يجب على الاكاديمية الامريكية الاحاطة به، ما زال الكثيرون من أمثالها يحاولون ربط اسم أوجلان برفض الإيمان، ومع أن الرجل يعتز بالإسلام ويصفه بأنه يمثل آخِرالآفاق الكونية التي يمكن التحدث عنها باسم الدين. ويعلل أوجلان سر اكتساب الإسلام الصفة العالمية بفضل لغته وفلسفته. كما يتحدث السيد أوجلان عن كونية الإسلام وأنها (تستمد قوتها من وحدانية الله) ويفسر هذا بقوله:” علينا تجسيد المواقف العادلة والحرة الكائنة في صُلب البُعد الكونيّ للإسلام فيما يتعلق بالكائنات الحية عمومًا وبالمجتمعات البشرية بصورة خاصة. وهذا هو المقصود عندما يقال بضرورة النأي عن ظلم العباد وبعدم الدهس على نملة”.
فحتى إن كانت هذه التصريحات تكتيكية تحاول اللعب على الحبال السياسية، فإن لها مغزاها من قائد كردي زعيم حزب كردي ماركسي، طالم كان متهماً بمعاداة الاسلام وتراثه!؟.
وعند إشارتها الى الانتهاكات التي الحقها تنظيم داعش “بعد التصرفات والجرائم التي ارتكبتها ميليشات داعش، فقد ادى الى خيبة آمال الآلآف من الكورد، وتجد من ترك الاسلام وقد اعتنق العقيدة الزردشتية كملجأ للسكينة النفسية وكمصدر للفلسفة وفحوى الحياة. بدأت الزرادشتية بالانبعاث بين الكرد المغتربين منذ تسعينات القرن العشرين في البلدان الاوروبية، علما ان الذين قد عادوا الى كوردستان هم الذين قاموا بتأسيس المؤسسات الزرادشتية اعتباراً منذ 2015م. ولكن قبل 2015م كان الزرادشتيون يعتنقون هذا المعتقد كأفراد في المجتمع وليس في اطار مؤسسات او مجاميع محددة معترف بها قانونيا.( استنادا الى الدراسة التي قام بها سميث شادريفان – 2017م، هناك ما بين 10,000 الى 100,000 من الذين اعتنقوا الديانة الزرادشتية)”.
يبدو للباحث أن هذا العدد مبالغ فيه الى حد كبير، وأربأ بدراسة أمريكية تدعي العلم والمنهجية والحياد، أن تنزل مستواها الى هذا الحد، يظهر ذلك جلياً في محاولة إضعاف الإسلام في نفوس الكرد، وتعزيز كل الافكار والمعتقدات المناوئة للاسلام، عن طرق تضخيم عدد المتحولين من الاسلام الى الاديان الاخرى، واللعب على الاوتار الجنينية (العرقية والمناطقية) المختلفة.
أما بخصوص انتهاكات تنظيم داعش، فإن الباحث يعتقد بأن الزرادشتية الجديدة أطلت برأسها بعد هجمات داعش الارهابية في شهر آب/ اغسطس عام2014م على اليزيديين في سنجار مباشرةً، فبعد مضي ستة أشهر صدر القانون رقم (5) في عام2015م الذي يعترف بالزرادشتية كإحدى الديانات المصرحة لها قانوناً في إقليم كردستان، وتم افتتاح أول مركز لهم في 19/3/2015م في مدينة السليمانية حصراً
وبعد الخلاف الذي حصل بين بير لقمان حاجي كريم مع احدى زميلاته (آوات حسام الدين طيب) حول الطقوس التي تمارس في العقيدة الزردشتية، فقد تم افتتاح المركز الثاني باسم مركز “يسنا” لتنمية وتطوير الفلسفة الزرادشتية. وهناك خلاف بين توجهات كلا المركزين، وهذا نابع من الاختلاف في وجهة نظر االمسؤولين: بير لقمان، وآوات حسام الدين، التي تنسب لهم آراء مختلفة حول الفلسفة الزردشتية. لكن ما يجمعهم هي اعتناق العقيدة الزردشتية. علما انهما يتعاونا من اجل اصدار قانون لحمايتهم من الاتهامات التي توجهها مجاميع الاسلامية السلفية للعقيدة الزردشتية الجديدة.