بحور الشعر صافية ومركبة، تكلّمنا عن الصافية، أمّا البحور المركبة المستعملة فتسعة ، ثلاثة ضمتها (دائرة المختلف) ، وبقت لدينا ستة تحتويها ( دائرة المشتبه ) ، والتي تحتوي أيضاً ثلاثة بحور مهملة ، إذ يتشكل كلّ بحر من دائرة المشتبه من تفعيلتين مختلفتين ، إحداهما ضعف الأخرى،مرتبتين بتنسيق معين في صدر البيت ، وتتكرر التشكيلة نفسها في العجز ، ولا تأتي بعض البحور منها إلا مجزوءة ، قبل الدخول في عمق الموضوع،لنذكر شيئا عن الدائرة المدورة.
الدائرة الخامسة – المشتبه : لماذا سُميت بالمشتبه ؟ الجواب : لاشتباه أجزائها ، أما أين يقع الاشتباه ؟ فهذا من حقـّك أن تـسأل عنه ، إذا لم تكن داراسا ً لها ، أو باحثاً فيها ، الاشتباه يقع بين:
(مسْتفـْعَلن) مجموعة الوتد ، أي فيها وتد مجموع ، وسببان خفيفان ( مسْ تفْ علنْ /ه /ه //ه ) – (علن //ه) وتد مجموع ، و ( مسْ /ه) و( تفْ /ه) سببان خفيفان –
وبين ( مسْتفـْعَ لنْ) مفروقة الوتد ، أي فيها سببان خفيفان ووتد مفروق (مسْ تفـْعَ لنْ /ه /ه/ /ه ) – (تفـْعَ /ه/ ) وتد مفروق ، و(مسْ/ه ) و (لنْ /ه) سببان خفيفان.
والاشتباه يقع أيضا:
بين ( فاعلاتن ) مجموعة الوتد.
وبين (فاعَ لاتن) مفروقة الوتد.
كيف ؟!
(فاعلاتن ) الاولى ، تتشكل من (فا /ه) و (تنْ /ه) ، وهما سببان خفيفان ، و (علا //ه) وهو وتد مجموع.
وبين (فاعَ لاتن) الثانية ، التي تتشكل من (لا /ه) و (تن /ه) ، وهما سببان خفيفان ، و (فاعَ /ه/ ) ، وهو وتد مفروق.
تتشابه البحور التي يضمّها محيط هذه الدائرة في وحدة إيقاعاتها ، لأنها تعتمد على نسق إيقاعي دائري واحد للحركات والسكنات ، بل تتشابه أوتاد وأسباب أجزائها (تفعيلاتها) ، كما هو الحال في (مسْتفْعلنْ) و (مسْتفْعَ لنْ) ، وكذلك بين (فاعلاتنْ) و (فاعَ لاتن).
ولعلمك عزيزي ، إذا نقلنا الوتد المجموع (علن) من آخر تفعيلة (مستفعلن /ه /ه //ه) إلى بدايتها تصبح (مفاعيلن //ه /ه /ه) ، وإذا نقلنا السبب الخفيف (لن ) من آخر تفعيلة (مستفع لن /ه /ه/ /ه ) إلى بداياتها تصبح (مفعولاتُ/ه /ه /ه/ ) (1) .
إذاً التفعيلات المشكلة لهذه الدائرة هي : مسْتفْعلنْ – مسْتفْعَ لنْ – مفاعيْلنْ – مفـْعولاتُ – فاعلاتنْ – فاعَ لاتن.
وأساس تكوين الدائرة سببان خفيفان فوتد مجموع، فمثلها مرة ثانية ، فسببان خفيفان فوتد مفروق .(2)
تفعيلات كل من:
1 – السريع والمنسرح والمقتضب واحدة (مُسْتَفْعِلُنْ مَفْعُولاتُ) ، وينحصر الخلاف في ترتيب هذه التفعيلات .
أ – السريع: وزن البحر السريع بحسب الدائرة العروضية:
مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ مَفْعُولاتُ***مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ مَفْعُولاتُ
بيت السريع التام في الدائرة مثل:
يُوزِعْنَ فِي حَافَاتِهِ بِالأَبْوَالِ***فِي مَنْزِلٍ مُسْتَوْحَشٍ رَثِّ الحَالِ
وهذا البيت شاذ؛ لأن العرب لم تستعمله تاما صحيحا، بل استعملته مكشوف أو مكسوف العروض مطويها، وموقوف الضرب مطويه (مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ مَفْعُلا).
ب – المنسرح: وزن البحر المنسرح بحسب الدائرة العروضية:
مُسْتَفْعِلُنْ مَفْعُولاتُ مُسْتَفْعِلُنْ*** مُسْتَفْعِلُنْ مَفْعُولاتُ مُسْتَفْعِلُنْ
ج – المقتضب: وزن البحر المقتضب بحسب الدائرة العروضية
مَفْعُولاتُ مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ***مَفْعُولاتُ مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ
بيت المقتضب التام:
يَا مَنْ حَالَ عَنْ عَهْدِنَا بَعْدَ الْوَفَا***كَمْ لاقَيْتَ لَوْ يُنْصِفُونَا فِي الهَوَى
استعملته العرب مجزوءا، مطوي العروض والضرب.
2 – الخفيف والمجتث والمتئد تفعيلاتها الخاصة (مُسْتَفْعِلُنْ فَاعِلاتُنْ) .
أ – الخفيف: وزن البحر الخفيف بحسب الدائرة العروضية:
فَاعِلاتُنْ مُسْتَفْعِلُنْ فَاعِلاتُنْ***فَاعِلاتُنْ مُسْتَفْعِلُنْ فَاعِلاتُنْ
بيت الخفيف التام:
حَلَّ أَهْلِي مَا بَيْنَ دُرْنَا فَبَادُوا*** لِي وَحَلَّتْ عُلْوِيَّةٌ بِالسِّخَالِ
ب – المجتث: وزن البحر المجتث بحسب الدائرة العروضية:
مُسْتَفْعِ لُنْ فَاعِلاتُنْ فَاعِلاتُنْ***مُسْتَفْعِ لُنْ فَاعِلاتُنْ فَاعِلاتُنْ
بيت المجتث التام:
صَدَّتْ وَحَالَتْ سُلَيْمَى يَا خَلِيلِي*** عَنْ عَهْدِنَا لَيْتَ شِعْرِي مَا دَهَاهَا
استعملته العرب مجزوءا.
ج – المتئد ويسمى أيضاً بالغريب ، وهو مهمل ، وحسب دائرته العروضية :
فَاعِلاتُنْ فَاعِلاتُنْ مُسْتَفْعِ لُنْ ****فَاعِلاتُنْ فَاعِلاتُنْ مُسْتَفْعِ لُنْ
كقول بعض المولدين:
مَا لِسَلْمَى فِي الْبَرَايَا مِنْ مُشْبِهٍ*** لا ولا الْبَدْرُ المُنِيرُ المُسْتَكْمَلُ
3 – المضارع والمنسرد والمطرد أجزاؤها المختصة بها (مَفَاعِيْلُنْ فَاعِلاتُنْ) .
أ – المضارع : وزن البحر المضارع بحسب الدائرة العروضية:
مَفَاعِيْلُنْ فَاعِلاتُنْ مَفَاعِيْلُنْ***مَفَاعِيْلُنْ فَاعِلاتُنْ مَفَاعِيْلُنْ
بيت المضارع التام :
أَرَى لَيْلَى يَا خَلِيلِي قَلَتْ وَصْلِي *** وَصَدَّتْ مِنْ بَعْدِمَا قَدْ سَبَتْ عَقْلِي
استعملته العرب مجزوءا، وهو بحر نادر، أورد شاهده الخليل.
ب – المنسرد ويسمى بالقريب ، وزن بحره كما جاء في دائرة المشتبه :
مَفَاعِيلُنْ مَفَاعِيلُنْ فَاعِ لاتُنْ ****مَفَاعِيلُنْ مَفَاعِيلُنْ فَاعِ لاتُنْ
و شاهد المنسرد، كقول بعض المولدين:
لَقَدْ نَادَيْتُ أَقْوَامًا حِينَ جَابُوا***وَمَا بِالسَّمْعِ مِنْ وَقْرٍ لَوْ أَجَابُوا
ج – المطرد أوالمشاكل ، وزنه كما جاء في دائرة المشتبه :
فَاعِ لاتُنْ مَفَاعِيلُنْ مَفَاعِيلُنْ **** فَاعِ لاتُنْ مَفَاعِيلُنْ مَفَاعِيلُنْ
كقول بعض المولدين:
كُنْ مُجِيرِي مِنَ الأَشْجَانِ والكَرْبِ***مَنْ مُزيلِي مِنَ الإِبْعَادِ بالقُرْبِ
فذلكة الأقوال : مجموع البحور في دائرة المشتبه تسعة ، ستة منها مستعملة، وثلاثة مهملة ، والمهملة هي المتئد و والمنسرد والمطرد .
و سبب التسمية: وسُمِّيَت هذه الدائرة بهذا الاسم لاشتباه تفاعيلها؛ إذ تشتبه – كما أسلفنا – تفعيلة : (مُسْتَفْعِلُنْ) بـ (مُسْتَفْعِ لُنْ) ، و(فَاْعِلاتُنْ) بـ (فَاْعِ لاتُنْ)، على الرغم من اختلاف عدد الأسباب والأوتاد فيها ، وتفاعيلها سباعية هي :
مُسْتَفْعِلُنْ، مُسْتَفْعِ لُنْ، فَاعِلاتُنْ، فَاعِ لاتُنْ، مَفَاعِيْلُنْ، مَفْعُولاتُ.
وإليكم الآن البحر الحادي عشر – السريع .
………………………………………………………………………………….
البحر الحادي عشر – السريع :
تفعيلاته : مستفعلن مفعولاتُ
أجزاؤه : مستفعلن مستفعلن مفعولاتُ ***مستفعلن مستفعلن مفعولاتُ
الضابط الإيقاعي : بحر سريع ما له ساحلُ *** مستفعلن مستفعلن فاعلن
سمّاه خليلنا بالسريع ، لسرعته في النطق ، أو لأنه أسرع إلى الذوق والتقطيع ، وتقطيعه سريع ، لأن في ثلاثة أجزاء منه ، توجد سبعة أسباب ، فالحرفان الأولان من الوتد المفروق سبب ، والسبب أسرع في التقطيع من الوتد (3) ، أصل تفعيلاته (مستفعلن مستفعلن مفعولاتُ) ، مكررة مرتين ، أي بيته ستة أجزاء ، ولكن تفعيلة (مفعولاتُ ) لا تأتي بهذه الصيغة مطلقاً ،لا في عروضه ، ولا ضربه ، لانتهاء هذه التفعيلة بوتد مفروق منتهيا بمتحرك (لاتُ)، وسندها ضعيف ، ولا يستعمل هذا البحر مجزوءا ، ولامنهوكا لماذا؟! لأن في هذه الحالة تأتي (مستفعلن ) أربع مرات، أو مرتين على التوالي بدون أي (مفعولاتُ ) ، فيلتبس الأمر مع مجزوء الرجز أو منهوكه، فيحسبان على الرجز ، فينحصر نظم السريع على التام منه والمشطور فقط ، وله أربع أعاريض ، وسبعة أضرب .
1 – العروضة الأولى مطوية مكشوفة (فاعلن )(4) :
ذكرنا سابقا ، ن أنّك سوف لن تجد (مفعولات ُ) ، لا في أعاريض ولا في أضرب السريع، فمن أين جاءت (فاعلن) ؟ الأمر بسيط ، طي (مفعولاتُ) بحذف رابعها الساكن (الواو) ، فاصبحت (مفعلاتُ) ، ثم كشفت (مفعلاتُ) بحذف متحرك وتدها المفروق (تُ) (5) ، فتصير (مفعلا) ، ولغرض عروضي بحت تتحول إلى (فاعلن) ، ولا فرق وزني مطلقا بين (مفـْعلا) و(فاعلن) ، ولهذه العروضة (فاعلن ) ثلاثة أضرب .
الضرب الأول مطوي موقوف (فاعلان) :
الطي عرفته ، حذف الواو من ( مفعولاتُ ) ، والوقف تسكين المتحرك من الوتد المفروق ، ونعني التاء فتصبح التفعيلة ( مفعلات ْ) ، فتتحول الأخيرة عروضيا إلى (فاعلان) ، وفي هذه الحالة يلزمه الردف (6) ، ومثاله :
أزمانَ سلمى لا يرى مثلها الـرْ *** رَاؤون في شام ٍ ولا في عراقْ
أزْما نسلْ مى لا يرى مثْ لهر ** راؤونفي شامن ولا في عراق
مستفعلن مستفعلن فاعلن *** مستفعلن مستفعلن فاعلان
/ه/ه//ه /ه/ه//ه /ه//ه *** /ه/ه//ه /ه/ه//ه /ه//ه ه
نظام (- – ب -)(- – ب -)(- ب -)*** ( – – ب -)(- – ب -)( – ب ^ ) المقاطع .
العروض 322 322 32 *** 322 322 32ه الرقمي
الضرب الثاني كعروضته (فاعلن): ومثاله الأمثل :
هاجّ الهوى رسمٌ بذات الغضا *** مخلولقٌ مستعجمٌ مُحْوِلُ
هاجل هوى رسمن بذا تلْ غضا *** مخلولقن مستعجمن محولو
مستفعلن مستفعلن فاعلن*** مستفعلن مستفعلن فاعلن
ومن قصيدة لصاحبكم كاتب هذه السسطور , تحت عنوان (يا بصرة البصائر النائحة) ، هذان البيتان:
كمْ منْ خرابٍ ودمار ٍمضى **** والنـّاسُ في أحزانها سارحة ْ
كمْ منْ خرا بنْ ودما رنْ مضى*** ونْ نا سفي أحْ زانها سارحة
مستفعلن مفـْتعلن فاعلن *** مستفعلن مستفعلن فاعلن
/ه/ه//ه /ه///ه /ه//ه *** /ه/ه//ه /ه/ه//ه /ه//ه
العروض 322 312 32 *** 322 322 32 الرقمي
النظام (- – ب -) (- ب ب -)( – ب -) *** ( – – ب -)( – – ب -)( – ب -) المقطعي
كما ترى التفعيلة الثانية في الصدر اعتراها زحاف الطي .
لاتجزعي سلواكِ في حكمةٍ**** دنيا الورى غـــادية ً رائحةْ
لاتجْ زعي سلْ وا كفي حكْ متن *** دنْ يل ورى غا ديتن رائحة
مستفعلن مستفعلن فاعلن ** مستفعلن مفـْتعلن فاعلن
التفعيلة الثانية في العجز أصابها الطي ، و على العموم الضربان السابقان هما المشهوران .
الضرب الثالث أصلم (فعْلن) :
وما الأصلم إلا ما حذف وتده المفروق ، كـ ( مفعولاتُ) ، عندما تتجرد من (لات) ، فتبقى (مفْعو) ,فتتحول عروضياً إلى (فعْلن) ، ولا ضير في الوزن عند التحول ، والأصلم ما ذهب وتده كلّه تشبيهاً بالإصطلام (7) , ومثاله:
تأنَّ في الشّيء إذا رمتهُ ***لتـُدركَ الرّشدَ من الغيِّ (8)
تأنْ نفِشْ شيْءإذا رمتهو ***لتدْركرْ رشْدمنلْ غيْيي
مفاعلنْ مفـْتعلنْ فاعلنْ ***متفـْعلنْ مفـْتعلن فعْلنْ
دخل زحاف الخبن – وهو حسن – تفعيلتي (مستفعلن) الأوليتين ، وزحاف الطي – وهو صالح – (9) تفعيلتي (مستفعلن) الثانيتين في صدر البيت وعجزه .
2 – العروض الثانية مخبولة (الطي + الخبن) مكشوفة (فعلن) :
الخبل زحاف مركب تعرفه ، يشمل زحافي الخبن والطي ، إذا وقعا في نفس التفعيلة ،(مفعولات ) ، فالخبل حذف حرفي (الفاء والواو) ، فتصبح (معُلاتُ) ، ثم تُكشف بحذف ( التاء المتحركة) ، فتبقى (معُلا) ، فتتحول عروضياً إلى ( فعِلن) ، ولهذه العروضة ضربان :
الضرب الأول مثلها ( فعِلن) , ومثاله :
سبحانَ منْ لا شيْءَ يعـْدلـُهُ *** كمْ منْ غنيٍّ عيْشهُ كدرُ
سبْحانمنْ لاشيْءَيعْ دلهو *** كمْمنْ غنيْ ينـْعيْ شهو كدرو
مستفعلن مستفعلن فعِلنْ *** مستفعلن مستفعلن فعِلن
الضرب الثاني أصلم (فعْلن):
والأصلم عرفته سقوط الوتد المفروق من (مفعولات) ، وتبقى (مفعو ) ، فتتحول إلى (فعْلن) ، ومثاله :
منْ أصبحتْ دنياه غايتهُ*** كيفَ ينالُ الغاية َ القصوى
منْ أصْبحتْ دنياهغا يتهو *** كيْ فينا للـْغايتلْ قصْوى
مستفعلن مستفعلن فعٍلن *** مفـْتعلن مستفعلن فعْلن (10)
التفعيلة الأولى من العجز أصابها زحاف الطي .
3 – العروض الثالثة مشطورة موقوفة وزنها (مفعولان):
مشطورة تعني البيت يتشكل من ثلاثة أجزاء ، والضرب هو العروض نفسها ، أما موقوفة ،فكما عرفت إيقاف حركة التاء في ( مفعولاتُ) ، فتصبح (مفعولاتْ) ، فتتحول إلى (مفعولان) ، ومثاله :
يا صاح ِ ما هاجكَ منْ ربْع خالْ
مستفعلن مفـْتعلن مفـْعولان (11)
التفعيلة الثانية ، أصابها زحاف الطي ، وهو صالح .
4 -العروض الرابعة مشطورة مكشوفة (مفعولن) :
وكشفت أي حذفت التاء المتحركة من (مفعولاتُ ) ، فاصبحت (مفعولا) ، فقلبت إلى (مفعولن) ، لأسباب :
عروضية ، و لا يتغيرالوزن ، والضرب هنا العروضة نفسها ، ومثاله:
يا صاحبي رحْلي أقلاّ عَذلي
يا صاحبي رحْلي أقلْ لاعَذلي
مستفعلن مستفعلن مفعولن
وذكرنا أثناء التطرق إلى أعاريض وأضرب ،وحشو هذا البحر، جميع الزحافات والعلل، ولا داع ٍ للإعادة ، ولكن من المفيد أن نذكر:
أولاً – لكي لا يلتبس الأمربين الرجز التام المطوي المقطوع : ( مستفعلن مستفعلن فاعلن) مكررة مرتين ، وبين السريع التام المطوي المكشوف أيضاً : (مستفعلن مستفعلن فاعلن) مكررة مرتين , منعوه على الرجز ، وأبقوه للسريع (11) ، والسبب على ما يبدو لي ، أنّ القطع يستوجب خطوتين حذف الساكن السابع من (مستفعلن ) ، وإسكان ما قبله ، بينما في الكشف (الكسف) يتمُّ بخطوة واحدة ، هي حذف آخر الوتد المفروق (مفعولاتُ) ، و آتى الطي من قبلُ على التفعيلتين ، والنتيجة واحدة تصل الى (فاعلن).
ثانياً – قد يلتبس الأمر أيضا بين (الكامل) و(السريع) ، كيف..؟ أنت تعرف تفعيلة (الكامل)هي : (متفاعلن) ،ومن الحسن إضمارها بتسكين التاء، فتُحول عروضياً إلى (مسْتفعلن) ، أو طيّها بحذف ألفها فتصبح (متـْفعلن ــ> مفـْتعلن) ، أو يعتريها الوقص ، فتحذف التاء ، فتتولد (مفاعلن) ، إذا سارت القصيدة على هذا المنوال ، واختفت منها (متـَفاعلن) تماما ، تحسب من السريع ، أمّا إذا وردت (متـَفاعلن ) واحدة فقط في القصيدة كلـّها ، يحسم الأمر لصالح (الكامل)(13) ، فهذه التفعيلة تخصّه وحده ,وتطرّقنا إلى مثل هذا عند كلامنا عن (الرجز) .
السريع في الشعر الحر :
عندما يستعمل الشاعر البحر السريع في الشعر يجب أن يختم شطره بـ (فاعلن ) ، لأن إذا استعمل (مستفعلن) لوحدها ، أصبح البحر رجزاً ، وهذه تفعيلة الرجز ، بينما تمعن كيف استعمل بدر شاكر السياب البحر السريع في هذا المقطع :
في ليلة كانت شرايينها
في ليلتن / كانت شرا / يينها
مستفعلن / مستفعلن / فاعلن
فحماً و كانت أرضها من لحود
فحمن وكا / نت أرضها / من لحودْ
مستفعلن / مستفعلن / فاعلان
يأكل من أقدامنا طينها
يأكل من / أقدامنا /طينها
مفْتعلن / مستفعلن/ فاعلن
تسعى إلى الماء
تسعى إللـ / مائي
مستفعلن / فعْلن
مفتعلن من جوازات مستفعلن
فاعلان ، فعْلن من علل فاعلن ، والعلل غير ملزمة في الشعر الحر
أطلنا الحديث عن (السريع) ، لأنه سريع ، والإطالة تطويع !!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حذفت أرقام الصغحات.
(1) راجع ابن جني : كتاب العروض – ص مصدر سابق.
(2) د . عبد العزيز شرف وزميله : النغم الشعري عند العرب ص مصدر سابق .
(3)ابن جني : المصدر السابق ص الهامش 1 ,الخطيب التبريزي : الكافي ص .
(4) بعض المصادر تجعلها (مكشوفة) ، الكافي : الخطيب التبريزي ص ، المفصل : عدنان حقي ص ، كتاب العروض :ابن جني ص ، وبعضهم يذهب الى أنها (مكسوفة ) من كسفت ، راجع د. صبري ابراهيم السيد : اصول النغم في الشعر العربي – 1993 – دار المعرفة – الأسكندرية ص ، د. جميل سلطان : كتاب الشعر المكتبة العباسية – المقدمة 1970- ص ، السيد أحمد الهاشمي : ميزان الذهب ص وغيرها .
(5) الخطيب التبريزي في (الكافي ) ص يعلل قائلا “سمي مكشوفاً, لأنّ أول الوتد المفروق على لفظ السبب ، غير أنّحصول التاء بعده يمنع أن يكون سبباَ ، فإذا حذفت التاء فقد كشفته ،وجعلته سببا خالصاًَ ، لأن كون التاء فيه ، كان يمنعه من أن يكون سبباً ”
(6) الردف يعني وجوب مجيء حرف لين ساكن أو حرف مدّ قبل الروي ، سنأتي على ذلك في علم القوافي ,وفي مثالنا (عراق) ، حرف القاف الروي، والألف قبله الردف ، والألف حرف مد.
(7)التبريزي : المصدر نفسه ص .
(8) الهاشمي ..سيد أحمد: ميزان الذهب ص ، البيت استشهد به الهاشي ، ولم يكن تقطيعه دقيقاً ، ولا تفعيلات زحافاته صحيحة ، فيها خلط. ولكن يجوز في زحاف الخبن لـ (مْستفـْعلن ), بعد حذف السين ، أنّ نكتبها على صيغة (متفـْعلن) أو نحولها لسهولة اللفظ إلى (مفاعلن) ، والصيغتان صحيحتان .
(9)راجع د سيد البحراوي : العروض وإيقاع الشعر العربي ص مصدر سابق
(10) الهاشمي : ميزان الذهب ص
(11) د. جميل سلطان : ص المثال.
(12) يذكر صاحب ( المفصل) ص ، ذلك بشكل موجز ، وغير دقيق .
(13) د.جميل سلطان : ص تطرق إليها بشكل مختصر.