فِي جَلسةِ ودٍ عائليةٍ، وَنحنُ فِي غمرةِ حديثٍ عميقٍ عَنْ المَشاعرِ وَالأحاسِيس الوجدانيَّة، أنبعثَ مِنْ التلفاز، صَوت مَلائكي سَاحر، بموسيقى تَخلبُ الأَلباب، لِمشهدٍ مِنْ فيلم (قَلبِي دَليلي) إنها الفنانة الفاتنة – ليلى مُراد – بأغنية (أَنا قَلبِي دَليلي قال لِي هتحبي) التَزَمنا الصَّمت، محدقين بالتلفاز.
صَوتٌ فِي داخليّ يَتحدث: يَا لهذا الصَّوت المُبهر وَيا لروعةِ الكلماتِ المشحُونةِ بالعاطفةِ وَالمَشهد الراقص البَديع الذي جاء مُتزامناً مع حَديثِ جلستنا.
مَعِ كلماتِ الأغنيةِ العذبةِ، أبحرتُ فِي بحرِعَينيها، جاءنِي الرَّدُّ صَاعقاً كما البَرق، ألتمعتْ وَأَبرقتْ بوَمضَةٍ خَاطِفةٍ عيوننا مَعاً بِمراسيلِ الودِّ وَالهوى، طوالَ اللقاء كانتْ عيوننا تتراسل بسهامِ اللوعة، وَبالهَمسِ وَالإيحاءِ أَحياناً، فقد جاءتْ الأغنية كضَربةِ حظٍ لتوقظ الوَجدِ.
طالتْ الجلسة العاصفة بتبادلِ سهامِ الغرام ، أستاذنتُ الاِنصراف، رافقتني مودعة لبابِ الدارِ، صافحتها مودعاً هامساً بإذنها سألتقيك قريباً، اِحمرتْ وَجنتاها، وإزدادت بهاءً وأنا ارقبهما عَنْ قربٍ عَلَى نورِ القَمرِ المُنير ، فيما أرتجفَ فؤادي بنشوةٍ، أقشعرَ لَها البدن.
إنها ليست المرة الأَولى التي أزورهم فيها، فهم أَقاربي وَعلاقة حَميمية ودودة شفافة تربطنا معاً، وباستمرار، كنتُ أزورهم وأتحدث معها، لكنْ هذه المرة حدث شيء أخر!
أيقن القلب سريعاً وأشار ليّ إنها تبادلك نفس الود وذات الهوى، شعرتُ وقتذاك كأنما اطاحتْ بي الريح ببحرِ هواها.
بَعْدَ بِضعَةِ أَيامٍ مِنْ هذا اللِّقاءِ العاصِفِ بنظراتِ الوَجدِ، كنتُ أجلسُ وحيداً فِي مَحلِ (والدي) للصياغة – صياغة الذهب والفضة – فقد غادر (والدي) للتو المحل متوجها للبيت ، كانَ صوتُ مؤذنُ الجامع مِنْ مكبراتِ الصوتِ يملأ المكانَ فاليومَ هو ظُهرُ الجمعة، بابُ المَحلِّ مفتوحاً نصف فتحة، الجَو ربيعي، كنتُ مهموماً شارِدَ الذِّهن، رأسِي يَضجُ حدّ الوَجَعِ بِصِراعِ الضِّدانِ (الحَرب وَالحُب) أفكاري مُضطربة مُشَتتة فِي مَتاهاتٍ عَديدةٍ، فالخوف من رجال الأمن (عسس السلطان) وكتبة التقارير الوشات، يغرسُ أَنيابه الذئبية عميقاً ببدنِي لا يفارقني لحظة ، وَنيران الحَرب مستعرة عَلِى أشدها فتكاً بالأرواح، وَإحتمال نقلي لأحدى جبهاتِ القتالِ غداً، فِيما كانتْ لقطات اللِّقاء البَهيج الأَخير لَمْ تبارَحْ تَفكيريّ.
حَدَثٌ مفاجيء غَير مُتوقَّع كَمَا الحُلم، امرأة كحيلة العَينينِ، مَمشوقةَ القوامِ وَالقَدِ، تَدخلَ المَحل…
تُباغتني بكلامٍ ناعِسٍ مَعسولٍ، لَمْ أعتد سَماعه سابقاً مُطلقاً.
– طابَ يَومُك، أَيها العاشِق المَهمُوم!
– هَلْ أقرأ لكَ طالعك؟
فقتُ مَذهولاً لصِيغةِ سَلامها وَغرابةِ طَلَبها…
أطلتُ النَّظرَ مسحوراً مفتوناً بقوامِها المَمشُوقِ وَغَنجِ صَوتِها، وَعِطرها الزَّكيّ الذي فاحَ وَمَلأ المَكان.
لَمْ أكنْ اؤمن بالعرافين وَقرّاء الطالع بالكفِ أو الفنجان أوبخطوطِ ضَربِ الرَّمل.
– وَكَيفَ ستقرأين طالعي؟سألتها.
– بثقةٍ أَجابتْ : بخطوطِ كفكَ أو بخطوطِ الرمل.
– سَأقرأُ ما خَبَّأ الحَظُّ لكَ، أَكشف المَجهول وَخفايا القدر!
بَعْدَ بُرهةٍ مِنْ الاِرتباكِ وَالتَرددِ وَالحَيرة… وَأنا مَفتُون بحدِيثها المَلِيح الفَصِّيح، أشرتُ لها برأسي علامة الموافقة وَالرضا.
عَدَّلتُ مِنْ جَلستِي، جَلستُ فِي مَكانٍ مُناسبٍ، وَجَلَستْ هي قريبة أمَامِي.
بصوتٍ واثقٍ طلبتْ مني أَن أبسطَ كَف يدي اليَمين.
بسطتُ كف يدي اليمين سريعاً، كأني أسير صوتها
بَعْدَ لَحظاتٍ مِن التَدقيقِ وَالتَمحَيص بكفِ يدي، تحدثتْ بصيغةٍ مرحةٍ آمرةٍ:
– أبسط كف يدك اليسار، وأضافتْ :
– أبسطها ففيها كل أسرار الرجال!
كَالمَسحُور بَسطتُ لَها كَف يَدي اليَسار، وَأنا أعِب مِنْ عطرها الفواح الذي مَلء المَحل.
أطالتْ النَظر وَهي صَامتة لبضعٍ من الدقائقِ تتأمل وَتدقق راصدة خطوط الكف، رَفعتْ رأسها وِنَظرتْ بعيني .
– اِسمعْ جيداً وأَحفظ ما أقُول:
– قلبكُ مَوجوع مَهمومٌ خائِفٌ، لكِنك مولعٌ بالجَمال، سارحاً بعيداً بالخيال.
وأردفتْ قائلة عَلَى مَهلٍ:
-اياك أن تبوحَ بسرك لمن حولك!
-أكتم أسرارك، ففيها نَجاحك وَنَجاتك وَوقارك.
عندك أعدد غفيرة مِنْ المحبين الأوفياء من الأصدقاءِ وَالأقاربِ والمَعارفِ، يساعدونك وَ يدعون لكَ بالخير، سِرّ نجاحُك طيبة قَلبك.
لكنْ؛هنالك (قريبون) منكَ مِنْ المَعارف وَالأقاربِ وبعض الأصدقاء فِي السِّر يناصبونك البغضاء وَالغيرة وَالعداء، نجاحكَ وَحب الناس لكَ يغيظهم، ستنصدم وَستتألم لسلوكِ البعض منهم عندما تعرف وَتَكتشف مواقفهم؛ أتركهم واِبتعد عنهم أَفضل لكَ.
عَدلتْ مِنْ جَلستِها وَصمتت برهة وبوجهٍ فيه كثير مِن الرهبةِ وَالجدِ ابتدأت حديثها مجدداً:
– كُنّ هادئاً لِما سأَقُول:
– لا تَخفْ وَلا تَجزَعْ، سيسير بِجانبكَ المَوت لصيقاً، تَحِيطُ بِك أَهوال وَمِحن كثيرة.
– لكِنك تَتَغلبُ عَلَيها رغم صِعابُها، سترافقك السَّلامة.
كانَ حَدِيثها زلزالاً يضربُ بدني؛ فأنتابتنِي مَوجة مِنْ الهلع، ارتعدتْ فرائصي، وَبانت اِرتجافة واضحة بكفِ يَدي.
تَوقفتْ عِنْ الحديث، وَهيَّ تلحظ ارتجافة واضحة بيَدي، ابتسمتْ وَهي تَمسك أسفل أصبع خنصر يدي، وأطالتْ النظر بكفِ يَدي، رَفعتْ رأسَها ونظرتْ بعينيّ، وابتدأتْ الحديث مرة ثانية وفِي محياها علامات فرح وسرور وبشر:
– فِي خطِ يدكُ أخبارٌ سَعِيدة جَدِيدة
– مَفتوحةٌ لكَ العديد مِنْ النوافذ
– هذه يَمامة تَحطُ لكَ رِسَالَة، فِيها خَبرٌ سَعِيد وَبِشارة
– قَرِيباً فِي صَباحِ يَومٍ مُشمسٍ سَتشبك يَدُكَ بيد مِنْ تَهواها وَتَهواك
– سَتُسعدان، وَيكون لِكما مَجموعة مِنْ الأَولاد
– سَتجوبان العَدِيدَ مِنْ البُلدان، وَتبحران بعيداً جداً فِي الأَفاق.
هَممتُ أَن اقاطعها لأحدثها مُستفسراً عِنْ شكلها هيئتها… أشارت ليّ أَن أَصمت وَأقطع الكلام، واضعةً اصبع سبابتها عَلَى فمها، كإشارةٍ للصمتِ وَالسكون.وأضافتْ:
– فِي اسمَيكُما حَرفٌ واحدٌ يَتشابهُ وَيَتطابقُ بالموقِع يَرمزُ- الحرف- للتَّفاعلِ للعلاقةِ بَيْنَ طَرفين.
وَأكدتْ قائلة بِحَزمٍ:
– اسمع أنا عِنْ بعدٍ أسمع دقات قلبكَ تَخفق باسمها.
– صورتها فِي مرآة قلبك.
– دَعْ قلبكَ يَكون دليلك وَاتبعه.
أثناء حديثها، فعلاً كنتُ أشعرُ بإحساسٍ عَجيبٍ، كانت صورٌ وَمواقفٌ متسارعة متتالية تَهبطُ هبوط المَطر عليّ ، وكل شيء كانَ بداخلِي يتجهُ إليها، الجَلسة الأخيرة، لمسةِ يدها، النظرات، تَوهج وجنتيها؛ كأن قارئة الكف تقرأ ما يدور بقلبِي وأَفكاري وَلا تَقرأ ما بخطوطِ الكف…
ثم أضافتْ بصيغةٍ مُحببةٍ آمرةٍ :
– لا تَخجلْ وَلا تَتَرددْ إِذهبْ سَريعاً وَأطلب وِدها، فَهيَّ بانتظارك…
وأشارتْ بِيدها وَهي تقول أَنتهى الآن الكلام.
وَوَقفتْ مُتأهبة للانصراف.
مددتُ يدِي إلَى جَيبِي وَبابتسامةِ رضا عريضة دَليل الارتياح نَقدتها مَبلغاً مِنْ المال.
وَدعتنِي بتحيةِ شكرٍ وَدعاء بالسَّلامةِ وَراحةِ البال وَتحقيق الأَمانِي.
وَغابتْ سَريعاً عِنْ نظري فِي لجةِ الشّارع.
أقفلتُ المحل، بَعْدَ أَنّ أودعتُ (المصيوغات الذهبية ) فِي خزانةِ المَحل، وَذهبتُ للبيت سيراً عَلَى الأقدامِ، فالبيت يقع قريباً جداً عَنْ المحل، عَلَى مائِدةِ الغَداء، كنتُ شاردَ البال (أُمي) تنظرُ إليَّ وَفمها يرددُ الدُعاء: (مندا أدهيي يَريّح كلبك)…أُحبُ كثيراً دعاؤها.
لَمْ أَخرج هذا المساء لأيِّ مكان، وحيداً جَلستُ بغرفتِي بالبيت، السهاد أَصابنِي طوال الليل، حَدِيثها فيما يَخص (الحب) وَلقاء الحبيبة طرقَ بعنفٍ باب قلبي…
طوال ساعات الليل كنتُ فَرحاً وَجِلاً بذات الوقت غارقاً بالتفكِير، متعجباً مِنْ دقةِ تَشخِيص وَحدس تحليل وَحديث قارئة الكَف….َ
لِمتُ نفسِي لماذا اخرسَ لسانِي؟
لماذا لَمْ أطلب منها أَنّ تُحدثنِي أكثر عِنْ شكلِ وَوَصف الحبيبة ؟ لون عينيها، شعرها، أَو بعض الصفات التي تقرب الصورة أكثر لديَّ؟
يأَتِي الجواب مِنْ داخلِي سَرِيعاً (ألمْ تقلْ لكَ صُورتها فِي مرآة قلبك).
سَرحتُ مُشتت الأفكار أَدورُ فِي عدةِ دواماتٍ، الحبيبة ، الجيش والنقل لجبهات المعارك الطاحنة، الأَصدقاء الأَعداء.
أتوقفُ أَحياناً لِأسأل نَفسِي : ماذا دَهاني، هَلْ أَبنِيّ الآمال وَالأَحلام عَلَى هذهِ الأَوهام؟
هَلْ أَبني مُستقبلي عَلَى كلامٍ مُنَمَقٍ لقارئةِ الكفِ أَو الفنجان؟
طوال الليل تتناسل الأفكار وَالتوقعات؛ لتوّلد أَفكاراً أَقرب إلَى الواقعِ، الأَحلام لا تكفُ عَنْ التوقف.
قَبلَ أَنّ يَنبلجَ فَجرُ الصباح بساعةٍ كنتُ قَد نهضتُ مِنْ فراش نومِي، حَلقتُ ذقني وارتديتُ مَلابسي العسكريَّة ، وَأستقليت أول سَّيارة (تكسي نفرات) مِنْ (سوق المدينة) التي اسكنها المتجهةِ (لكراج النهضة ببغداد) ثمَ ركبت بسيارة أخرى (باص) لنقل الركاب متجهة إلَى المعسكر( الثكنة العسكريَّة)، طوال الطريق الطويل الموصل (للمعسكر) كنتُ هائماً بحزمةٍ مِنْ الأَفكار المتنافرة المتصارعة.
فِي سَاحةِ التدريبِ أتحركُ (كما الروبرت ) لتنفيذ الأَوامر، أَنتظر بهلعِ كتاب نقلِي، لا أعرف إلى أية جبهة قتال ستكون وجهتِي، فحدود جبهات القتال وَالموت واسعة شاسعة مِع جارتنا الشرقية اللصيقة لنا، طويلة تَزيدُ عَلَى (1200) كلم مِنْ (زاخو) فِي الشمال بأَعالِي الجبال لحدود جنوب (الفاو) عَلَى فَمِ الخليج العربي …
فيما أنا فِي هذه الدوامة، كنت أسمع صوتاً عالٍ لأحد الجنود ينادي باسمي أَنّ أخرجَ مَعهُ؛ انخلع قلبي مِنْ مكانه سرتُ معه وَيكاد قلبي يَسقطُ بَيْنَ قَدمَيَّ … أَخبرنِي الجندي أن (أَمر الوحدة) أرسله بطلبي، وشاهدتُ الورقة الصغيرة التي فيها أسمي الكامل يمسك بها بيده…
ذهبتُ بِصحبةِ الجندي مُسرعاً لمقر(الأَمر) دخلتُ الغرفة أَديتُ التحية العسكريَّة (الأَمر) بِنجماتهِ الذهبية المتلألئة فَوق كتفيه، يجلسُ خَلفَ طاولته الفَخمة المصنوعة مِنْ خَشبِ الصاج اللماع، يَرتشف (أستكان) الشاي، أَشار إليَّ بيده أن أقتربَ وَهو يقول:
– خذ هذه أَوراق نقلك اتصلوا بيَّ مِنْ المديريَّة، حَولَ نَقلك.
– لا (تفزع) أَن وحدتك الجديدة ضمن حدود العاصمة (بغداد) أَحسن مكان، من أفضل الوحدات العسكريَّة، خذ كتابك هذا وأذهب لها غداً.
أستلمتُ كتاب نقلي بفرحٍ غامرٍ، أَيقنتُ أنَّ صديقي الشّهم النبيل (يوسف) قد نَفَذَ وَعده بالتوسط بنقلي.
تَشَتَتْ مِنْ جديد أَفكاري، إلَى أَين أذهب الآن؟
هَلْ أكمل مشوارهذا اليوم بهذا الفأل (الحَسن) وَأذهب للقاء مِنْ يهواها قلبي وأَطب ودها، أصارحها بحبي واخبرها بمكان نقلي الجديد؟
أم اذهب الى بيتنا، لأخبر أهلي بهذه البشرى؟
قررتُ أَن أذهب لسوقِ (الصاغة) لتناول الغداء وَلقاء بَعض الأصدقاء وبعدها أقرر إلَى أَين أذهب… فِي سوق الصاغة شاهدتُ (والدي) وَهو يتبضع مِنْ أحدِ متاجر(صاغة الجملة) بعض احتياجات من المصيوغات الذهبية لمحله، طارَ قلبي مِنْ الفرح حقاً اليوم يوم (حظ سَعيد) أخبرته عَلِى الفورِ بخبرِ( نقلي) فِي حدود (بغداد) بمكانٍ قريبٍ أَمين، تألق وجههُ بالفرحِ وَقبلنِي مهنئاً. أَخبرتهُ عَلَى الفور، أَنني قررتُ اليوم أنّ ابقى فِي بغداد.
رغبة كبيرة تدفعني أَن ألتقيها هذا المَساء، لأُخبرها بلواعج الفؤاد، قَبلَ الغروب كنتُ أقف أمام باب ( قلبي) يَدي تضغط ضغطة صغيرة عَلَى الجرس، والأَخرى تَطرق طرقاً خفيفاً عَلَى الباب، سَمعتُ صَوتها هو الأخر يدقُ بقلبي، تسأل عِنْ الطارق، جاء الجواب (أنا).
مِنْ خلف الباب الخارجي الواطئ كنتُ أرقب مِنْ سيفتح ليَّ باب الدار، ما هي إلا لحظات حَتى أطلت بثوبٍ زهريّ زاهٍ ، وَثغر لوزيّ باسم، وَهي تعدّل وَتداعب بيديها خصلات شعرها، وَترددُ بصوتٍ شفيفٍ وَدودٍ (ألف هَله) سُرَّ القلب برؤيتها وَخفقَ وَطَربَ وَضطرب.
فِي مَدخلِ البيتِ فِي فضاءِ المَسافة القصيرة – الكراج الصغير- وَقبل الولوج لصالةِ الدار، بلهفةٍ حَييتها، ثم أخبرتها بفرحٍ بمكان نقلي الجديد …
لَمْ أطلْ بالحديث، وَلِمْ أنتظر مِنها تعليق أَو تعقيب، أخبرتها فِي الحال:
– أني قد جئت خصيصاً إليك هذا المَساء لأصارحك أَنِي أُحبك!
وَرحتُ بشوقٍ وَخَوفٍ وَلَهفةٍ أرقبُ ردة الفعل، وَالتي جاءت سَريعة، فَقَد بانَتْ عَلَى مُحَيَّاها عَلاماتِ الفًرحِ وَالحبورِ وَالسَّعادة؛ اِحمرَّ وَجهها وَتَلألأت عَيناها وَتَعثرتْ الكلام بَيْنَ شفتيها، فإشاراتِ الجَسَّدِ جاءتني بخيرِ جَواب.
زَادَ خفقان قَلبي وَأشتد بيَّ الاِضطراب وَالخَجل، اِستَجمَعتُ كُلَّ قوايّ وَبِحركةٍ سَريعةٍ لَففتُ ذِراعِي حَولَ عُنقها، قَبلتها مِنْ وَجنتيها هَامساً بأُذنِها أَنَّ هذا اليوم هَو يوم سَعدِنا!
بِصَوتٍ خَفِيضٍ كالهَمسِ، جَاءَ جَوابُها بِغنجٍ وَحَياء: نَعَمْ، هذا يَومِ سَعدِنا، أنا ألبي دَليلي إلي هتحبي!
كتبتْ فِي مالمو/ مَمَلكة السّويد – آذار 2022