18 ديسمبر، 2024 9:19 م

خطب الجمعة العصماء!!

خطب الجمعة العصماء!!

ليس المقال ضد خطبة الجمعة التي يلقيها عشرات الآلاف من الخطباء في كل صلاة جمعة وفي جميع المجتمعات المسلمة , بل للمطالبة بتحرير محتواها ودراسته وإستثمارها لتمنية الوعي الديني سلوكيا وأخلاقيا , فمن المفروض أن تكون الخطبة في جوهرها التثقيف والتعريف بقيم ومبادئ وأخلاقيات الإسلام , وكيف تتحقق اللحمة والتفاعل الذي يقوي الدين ويعصمه من الضعف والفرقة والشقاق.
لكن الواضح في خطب الجمعة , ومن خلال تجربتي الشخصية منذ الصبا وفي عدة دول عربية لم أجد – إلا فيما ندر- خطبة ذات قيمة تربوية وتقويمية للسلوك , وتنويرية للعقول ومنمية للمعرفة بالدين.
على مر السنين حضرت مئات الخطب في صلاة الجمعة , وما وعيت منها إلا أنها تتحدث عن موضوعات بعيدة عن الدين وقيمه وأخلاقه , وتركز على سلوكيات عجيبة غريبة لا قيمة لها ولا معنى سوى أنها تثير المشاعر السلبية وتعزز الفرقة والحيرة والإضطراب.
ولو أجريتم إحصاءً ودراسة لمحتويات وموضوعات خطب الجمعة في الدول العربية لتبين لكم بأنها لا تنفع المجتمع ولا تفيد الدين , وستكتشفون بأنها ذات منحى سياسي وكرسوي وفئوي , ويكون الله فيها منسيا والكتاب مفقودا والإسلام كقيمة ومعنى وسلوك مغيبا , وفي معظمها عبارة عن تثوير عواطف وتأجيج مشاعر وتعطيل عقل وتضليل مستمعين.
ذات جمعة حضرت خطبتها في جامع كبير ومعروف في إحدى الدول العربية وكان الخطيب وزير الأوقاف فيها , وكانت خطبته بالنسبة لي مقيئة , إذ أمضاها يتحدث عن حركة إصبع السبابة أثناء الشهادة في ختام الركعتين أو عند ختام الصلاة , فراح يناقش ويجادل ويهاجم ويتهم ويكفّر الذين يحركون إصبعهم بهذه الكيفية أو تلك , حتى بدى وكأن الإسلام عبارة عن حركة إصبع السبابة عند التشهد!!
إحترت في أمر ما سمعت وتساءلت ما هي النتائج السلوكية لهذه الخطبة؟
وماذا إستفدت منها كمسلم؟
لم أجد ما ينفع , وهذا وزير أوقاف , فقس على ذلك , وقدّر كيف ستكون خطب خطباء الجوامع في المدن والقرى المنتشرة في أرجاء البلاد!!
ولو راجع أيٌّ منكم ما سمعه في خطب الجمعة وأعاد النظر فيه , لوجده لا يمت بصلة للدين , وإنما يتبع آلية إستعبادية تجهيلية تساهم في تأمين تجارة الدين.
واسألوا أنفسكم , هل أضافت إليكم خطبة الجمعة معلومة ذات قيمة سلوكية وأخلاقية؟!!
ويبدو أن العلة الأساسية فيما يجري في بلاد المسلمين , أن ذوي العمائم لا يفهمون الدين , ويتوهمون بأنهم يعرفون , ويخوّلون لأنفسهم التحدث بإسم الدين وهم الجاهلون به والغارقون في وهم أدري وأعلم , ويتمسكون بما ينطقون به وكأنه الحقيقة المطلقة , وأي رأي آخر يُحسب عدوانا عليهم وعلى الدين.
فالإناء ينضح بما فيه , وما أن تستمع لكلام عمامة حتى يتبين لك محدودية الرؤية ومحجوبية العقل وإنحسار الكلام في قوالب عتيقة خالية من أنوار عصرها , وممعنة بالإندساس في غوابر البعيد المنقطع تماما عن مكانه وزمانه , ولا تزال معجمياتهم بلا حضور فاعل في زمن حياتهم , وإنما هم يكررون كلام الأموات ويمجدون القبور ويرفعون رايات التقهقر والضمور.
فهل من عودة إلى روح الدين وسلوكه وقيمه وأخلاقه ومعانيه السامية , بدلا من الكلام عن أوهام وتصورات وتحليقات عدوانية على الدين , تتسبب بالفساد والإفساد والقهر والظلم وإمتهان العباد , وإلا كيف تفسرون قيامة الفساد في بلدان تلقى فيها كل جمعة ألف خطبة وخطبة وهناك المزيد؟!!