22 نوفمبر، 2024 11:33 م
Search
Close this search box.

حين يكون المُنظر الثقافي نائماً في العسل

حين يكون المُنظر الثقافي نائماً في العسل

عن مؤتمر النص الجديد ما بعد قصيدة النثر في القاهرة ..
هناك كلام جديد ـ قديم التعابير نفسها، اللغة نفسها، والمنطق نفسه، لكن الأختلاف في هذا الكلام يكاد يتبنى قولاً منتحلاً مستحدثاً يُبين التناقض الكبير والصارخ بين منهجين مختلفين فكرياً وشعرياً لتعامل الشاعر أو الناقد (المُنظر) مع قضايا شعرية حساسة تخص بعض الانجازات الشعرية المتفردة، من هنا ينبغي فحص الانتحالات أو البيانات الشعرية الجديدة، ففي هذه اللحظة الحالكة من تقاويم الثقافي أو النقدي الغريب، وبلا معقولية الانتحال، تحاصرنا الطروحات المنتحلة وتبشرنا بعودة ظاهرتي التنظير الغائم والإدعاء التي تجعل من أفكارنا محمولة مرة أخرى على عربة التجريد، في هذه اللحظة القاسية يُراد لنا أن ننسى ما كتبه البعض ليقبل بنا الآخر المنتحل المناور وأن نلتزم الصمت في مأتم الشعر لئلا نستفز قناعةهذا المنتحل من جهة ونحظى بتقبله لنا من جهة أخرى، وأن لا نُسمعه الحشرجة الشعرية المغايرة التي نتلمسها في قراءاتنا النقدية بين فترة وأخرى، في هذه اللحظة المربكة نستشعر الحاجة الماسة للتشبث بكبرياء القصيدة المغايرة كي لا نفرط بالشعر، في هذه اللحظة الخرافية الكل مطالب بإعادة النظر والتأمل والتفحص لما يقوله أو يكتبه كي لا نتعرض إلى المساءلة الشعرية والنقدية والأخلاقية .
سؤال الحقوق الإبداعية، وفي مجال الشعر بشكل أخص، سؤال أخلاقي في المقام الأول وينتمي الحديث عن هذا الموضوع إلى العلاقة بين الكتابة والأخلاق والتنظير وهي العلاقة التي تتغير خلالها تلك المسميات من خلال اتصال أو انفصال أصحابها، ومهما يكن من أمر نستطيع الآن أن نعطي هذا المثال المنشور في جريدة السفير اللبنانية منذ فترة ليست بالقصيرة تحت عنوان (النص الجديد ما بعد قصيدة النثر) الذي عُقد في القاهرة على هامش معرض الكتاب الأخير ولم يتطرق المؤتمر وأعني هنا (المنظرون للنص الجديد) ربما عن عمد أو تجاهل أو عدم معرفة، إلى تجربة الشاعر العراقي أسعد الجبوري في هذا الخصوص فقد كتب بهذا الشأن الإبداعي ديوانه المعنون (قاموس العاشقين/شعرية الأس أم أس عام 2006 الصادر عن دار الينابيع السورية) وعلى المنظرين، ومنهم الألماني راؤول ايشلمان المقيم في أمريكا، في هذا المؤتمر العودة للتمعن بتاريخ صدور هذا الديوان الشعري والاطلاع على تجارب وأسماء شعرية عراقية وعربية أخرى تناولت هذا المشروع، وغيره من المشاريع، منذ سبع سنوات قبل تقديم تنظيراتهم، التي لم تأت بجديد، أو على الأقل الإشارة لتلك التجارب والأسماء، إضافة إلى ان الورقة التي قدمت للمؤتمر بصيغة عناوين براقة بلا لون أو طعم وتحت مسميات من العيار الثقيل: (مناقشة بيان النص الجديد) (مرحلة ما بعد الحداثة) (آفاق النقد الالكتروني وآلياته) بقيت مجرد عناوين غائمة لا تحمل أي جديد ولا أية إضافة، من هنا تبدو ردة الفعل النقدية المؤلمة التي تتمثل في هذا السؤال: لماذا يتحدث البعض عن الشعر بعدم دراية أو تجاهل وإقصاء لتجارب الآخرين؟ وبتأملنا لهذا السؤال ستزداد مرارة الإجابة التي تتطلب استنفاراً نقدياً مجرداً، إن هذا التنظير الغائم للشعر لا يمكن أن يحول (السابق) إلى (اللاحق) أو يضع (الهامش) بدل (المتن) ويمكن للمتابع الدقيق، أيضاً، الاعتراض وتقديم أكثر من شاهد وتجربة تبين أسبقية النصوص المكتوبة أو المشروع الشعري الذي تطرق اليه بعض الشعراء قبل مؤتمر القاهرة بسنين، ولا أدري إذا كان هذا المنظر أو ذاك قد حاول البحث الممنهج أو التدقيق، ولو قليلاً، بعناوين المؤتمر الغائمة لتخلص من أسار التحديد بالشكل الذي ينصف التجارب المغايرة السابقة مثلما يخرج الأشياء من مدلولاتها ويحررها من الوهم النقدي والتنظيري .
لا أظن المُنظر النائم في عسل المفاهيم القديمة أكثر حكمة من الشاعر المغاير، فهذا الأخير ينفق عمره كله من أجل قصيدته، لماذا يتجاهل التنظير التقليدي تجارب البعض ومشاريعهم؟ هذا السؤال لم يخطر من قبل في بال المُنظر الذي طالما أشتكى من ازعاج النصوص المغايرة، وأحياناً يتعثر بخطابه النقدي أو ببياناته المتعلقة بالشعر حين يتعلق الأمر بالمعنى الشعري ويتعثر أكثر حين يتعلق الأمر بالجوانب الفنية أو اللغة الجديدة، والشاعر المغاير يحنو على نصه بحرص وخوف شديدين، أما المُنظر فيكتفي بلغته الغائمة وهي تكتسي نوعاً من الإدعاء، الشاعر يتأمل الأشياء، يتنبأ ويحدق بإتجاهات وآفاق لا نهاية لها أما المُنظر التقليدي فيؤثر النظر إلى أرنبة أنفه والتنظير الغائم في المؤتمرات الشكلية، الشاعر المغاير يحيا الواقع والكون والفضاء ويتلبسه بكل تفاصيله وجزيئاته بينما المُنظر النائم يطل على هذه العوالم من بوابة علاقاته الثقافية التقليدية المجاملة .
ظاهرة النسيان أو الإقصاء المتعمد لتجارب البعض أو مشاريعهم ظاهرة خطيرة وأظن أن الكشف عن الأسباب الحقيقية الكامنة وراء هذه الظاهرة من شأنه أن يدفع بالشعر المغاير والشاعر أشواطاً في الاتجاه الذي قد يتيح لهما، يوماً ما، أن يتحولا إلى عالم شعري قائم بذاته على أسس لغوية وفنية وجمالية مختلفة .

أحدث المقالات