18 ديسمبر، 2024 11:09 م

حين تكون البصرة سيدة الفضاء الروائي .. استعادات السرد في رواية (غريزة الطير)

حين تكون البصرة سيدة الفضاء الروائي .. استعادات السرد في رواية (غريزة الطير)

(البصرة روح تشم ّ عبقها في نظرات الناس،

أنت تعرف البصرة أكثر مني

لكنني أبصرها بأجمل مما أنت ترى)

الرواية ص 145

تكاد تكون البصرة، المدينة، هي الشخصية الرئيسة في رواية (غريزة الطير) للشاعر عبد الزهرة زكي الصادرة حديثا عن دار الرافدين.

فهذه الرواية، بأبطالها ووقائعها، تمنح مدينة البصرة السيادة على الفضاء الروائي الذي ينيف على ثلاث مئة واربعين صفحة، حيث يرصد الكاتب من خلال أبطاله الروائيين تألق المدينة في خمسينيات وستينيات العراق، كما يرصد مكابدتها ومعاناتها بعد ذلك.

يأتي على لسان فوزي، أحد أبطال الرواية الرئيسيين، قوله: (بدت البصرة … أقرب إلى مدينة تحتضر، إنها مدينة أخذ جسدها النحيل يتيبّس واستمرت ملامحها تتغضن فيما باتت تذوي وتتوارى حذرَ الموت، فتختفي في  الأعماق السحيقة للناس/ 83). فيما يأتي على لسان آدم، وهو بطل روائي أيضاً ما يلي:( كنت أتخيّل ما هو أفظع، أن يأتي الهواء الفاسد يوماً على كل شيء، فيبتلع الموتُ الناسَ والمدينة والحياة فيها../ 73).

بموجب هذا فإن المدينة، البصرة، حية في أعماق أهلها ويقظة في ضمائرهم.

(*)

تقنياً ..تنبني هذه الرواية على تداخل الأزمنة بموجب استخدام حيوي وتلقائي لتقنيات السرد الاستعادي، حيث تكون وسيلة السارد هي في تداعي الكلمات لاستحضار الماضي، ففي ص64 يخاطب آدم فوزي:(جبن وبيض وطماطة مگليّة؟ هذا ريوگ لثلاث عوائل بالحصار) يبتسم فوزي ويواصل تناول إفطاره، ويخاطب آدم دون أن يتلفت نحوه: ( فلوس الحجية أم ناجي)، ويخبرنا آدم أن  (أم ناجي) هي كنية أمه إيمّا هيرلي، الطبيبة الانكليزية المأخوذة عما يكني به العراقيون البريطانيين أثناء احتلالهم العراق بـ (أبو ناجي)، ابتكر فوزي حين كان صبياً وصديقا لآدم ابن الطبيبة هيرلي. لم يجرؤ سواه على مناداتها بها. الكنية هنا لها وظيفة تقنية من خلالها يستدير السرد نحو ماضي حياة الأبوين، هيرلي وزيني، وكيف تزوجا في لندن وقضيا شهر العسل في تونس ويسهب آدم ليحدثنا عن تلك السنوات الذهبية في خمسينات القرن العشرين، حتى يمتد السرد الاستعادي من منتصف ص64 حتى ص 68، وباستعادة أخرى يذكر فوزي حي (الموفقية) في ص70 لزيارة أم زوجته نهال بعد مصرع نهال. ثم ينتقل السرد إلى آدم ليخبرنا عن تأثير الفاجعة على العائلة وينتقل الكلام عن المسغبة التي اضرمها الحصار وينتقل سرد آدم عن وضعه الاقتصادي الحسِن مقارنة بالآخرين .

(*)

في ص 207 يخبرنا السارد آدم (في بدء الحرب كانون الثاني 1991)بعد نهاية حرب الكويت واشتعال الانتفاضة ستعرف مصائر الكثير من ضحايا النظام الذين لا قبور لهم ومنهم عائلة ناز فقد (تم الحكم على الجميع بالإعدام  لانتمائهم للحزب الشيوعي ولتعمدهم الهرب وتجاوز الحدود بطريقة غير شرعية وبالاستعانة ب(العصاة) وقد نُفذ الحكم بعد أيام/ 304).. في ص9 الصفحة الأولى من الرواية يكون السرد بُعيدالانتفاضة في1991 ويتراجع السرد بين الحين والآخر إلى منتصف القرن العشرين بأربعينياته وخمسينياته وحتى ستينياته/ ص13.. ثم يقفز السرد إلى أوائل سبعينات القرن العشرين والحياة الجامعية والعلاقة العاطفية بين آدم  سليمان زيني وناز أحمد والعلاقة بين فوزي ونهال وهؤلاء الأربعة هم من الأوائل على المستوى الأكاديمي. ثم يقفز السرد إلى 1979 حيث (انقلبت السياسة في البلد وكثرت الاعتقالات وامتلأت السجون وجرى تغييب الكثيرين/ 21).  

ينتقل سرد آدم إلى 1980 يتذكر مناسبة مزعجة جمعت آدم وفوزي ومزاحم تحسين / ص57. حين يغادر آدم بيت الضابط قصي مزاحم تحسين يكون ذلك في 1991لكن حين  يتجاوز بيت الشاعر البريكان تستعيد ذاكرته آخر لقاء له معه بتوقيت ( كانت الحرب، في الكويت على وشك الوقوع/ 91) فيستعيد آدم لقاءه به وكلاهما يتسوقان المعلبات كوقود معركة. هنا ينتقل السرد من ص92 – 93 الشخص إلى النص ثم كيفية توظيف الشعر على وفق طريقة باشلار: مجال للتفكر والتأمل. في الفصل التالي يكون التحاور المعرفي بين فوزي وآدم. الكلام عن كتاب سيرة الفيلسوف ديفيد هيوم وتعارض الفيلسوف ديكارت مع هيوم والكلام عن اسحق نيوتن ونظريته( التجاذب ما بين الأشياء/ 95) وفي ص99 ينقلنا إلى مكتب الشهيدة نهال في البيت الذي كانا يعيشان فيه هي وزوجها فوزي (لا كتاب في غير موضعه لا أوراق مبعثرة على الطاولتين. مفاتيح متروكة بمواضعها في أقفال جميع الخزانات. أكثر من قلم حبر من ماركتي شيفر وباركر. إضمامة زهر من حديقة المنزل، تيبست في إنائها الذي جف الماء فيه../ 99) في ص141 يكون المتكلم هو سليمان زيني ونعرف منه أن زوجته الطبيبة إيما هيرلي قررت أن تستقر في لندن للتخلص من مخالب الحكومة وسيلتحق بها بعد ذلك زوجها وهنا يضعنا السرد في شهر نيسان 1990 بعد أن كنّا حتى ص128 في سنة 1991في ص160 يكون السارد زيني سليمان وهو والد آدم  يخبرنا (اشترينا المنزل في ريتشموند بصيف 1963 بعد ما صرنا على يقين بأن مُدد أسفارنا إلى لندن ستكون أكثر من أقامتنا في العراق، فقد بدا لنا أن تيار الدم الذي أريق في مجزرة قصر الرحاب سيظلّ جارياً، وما دم الزعيم عبد الكريم قاسم الذي أُهرِق في مبنى وزارة الدفاع في صبيحة جمعة رمضانية من شباط ذلك العام إلاّ موجة في تيار دمٍ لن يتوقف) السارد هنا يتكلم بنبرة باردة حيادية وهو نفسه سيتعرض للاعتقال بتهمة وسيطلق سراحه بعد شهرين.. في ص169 قفزة السرد سببها مكالمة تلفونية من سهاد التي في الكويت إلى والدها سليمان زيني في لندن هذه المكلمة أحدثت تشويشا لدى والدها فتداعت ذاكرته نحو سبعينات القرن الماضي(أكملت سهاد الثانوية منتصف السبعينات وكان ترتيب تفوقها الأولى على البصرة والثانية..) ومن ص169 إلى 172 ونعرف أن سهاد حسمت أمر دراستها في نيويورك حيث تقيم خالتها. اليزابيث.

(*)

هؤلاء الأربعة: آدم وناز وفوزي ونهال، بعد سقوط الطاغية سيعرف فوزي من كاك نوزاد برواري .أي بعد ما يقارب من ربع قرن أن نوزاد كان يسميهم (گروب شكسبير/ ص304)..في البدء لم تمسهم الحكومة بأي ضر أو ضرر، فهم بشهادة فوزي (لم نكن معنييّن بالسياسة خلال حياتنا التي قادها الحب والمعرفة لم يكن من شاغل لنا سوى كتب الأدب والفلسفة والتاريخ واللغة الانكليزية ثم المهم وهو التفوق الدراسي) وهكذا عاشت هذه النخبة عيشة سعيدة غير معنية بحملة الأرهاب الشرس على قوى الخير في العراق ويبدو وهم في الجامعة أنهم لا يقتربون من هذه القوى. هنا التقط الجملة التالية من كلام آدم فوزي وهو يتحدث عن البعد الاجتماعي (لم نكن انطوائيين منعزلين عن اقراننا. كانت لنا صداقات كثيرة في الطفولة والثانوية والجامعة وفي العمل بعد ذلك بالجامعة/ 40)وفي ص58 حين يحاول مزاحم تحسين إرغامه على الانتماء في الاتحاد الوطني يخبرنا آدم: (لم أفكر مطلقا أن أكون سياسيا. ويعرف جميع مَن كان قريباً مني ومن فوزي أننا نحيا في حياة أخرى بعيدة تماما عن هذه الاهتمامات. ما يشغلنا هو الكتب والموسيقى والسينما وكان الأهم هو الاهتمام الشديد بمستقبلنا/ 58) ألا يعني ذلك أن هؤلاء الأربعة غير معنيين بكل ما يجري في الوطن!!.هؤلاء الأربعة آدم وناز/ فوزي ونهال اجترحوا جزيرة لهم وتلك حريتهم المشروعة ليؤسسوا سردية حياة بحسب ما يطمحون ويحلمون به. لكن السلطة الغاشمة جعلتهم أكباش المحرقة وبشهادة فوزي: (وبين كل الاهتمامات لا أثر للسياسة. لكن السياسة بتلك التطورات الدراماتيكية في ذلك العام حطّمت حياة آدم وناز / 21) وكذلك تحطمت علاقة  نهال وفوزي. أن هؤلاء الاربعة يدحضون أكذوبة الزمن الجميل التي يروج لها الآن المرجفون إعلاميا هؤلاء الأربعة أرادوا العيش من أجل الثقافة والسعادة وإسعاد الآخرين من خلال جهودهم الاكاديمية وترجماتهم الأدبية والسلطة الغاشمة لا تقف عند هذا الحد فهي تنكل حتى مع من كان يدافع عنها ويؤذي المواطنين من أجلها كما فعلت مع مزاحم تحسين الذي كان من القياديين الكبار في حزب السلطة/ ص62

(*)

ثلاثة منافذ للرواية:

(1) ثريا النص
(2) نافذة مديرية الجوازات
(3) حديقة الحسن البصري

تتكون ثريا الرواية من المضاف والمضاف إليه (غريزة الطير)

وتتموضع مرتين : الأولى على واجهة غلاف الرواية. والثانية تتكررداخل الرواية مرتين : الأولى في الصفحات الأولى من الرواية والثانية في الصفحة الأخيرة في ص24 يخاطب آدم صديقه فوزي بهذا الكلام: (أنا مثل الطير أحلق وأجرّب أجنحتي وما استغني عنها، تحليق في عوالمي الداخلية. بعد كل تحليق أرجع وأعود إلى مكاني محكوم بغريزة اللي يطير بحريته ويعود بحريتّه أيضا إلى مكانه /24).. لكنها حرية مشروطة بالظروف الطبيعية. خلافا لذلك يسقط الطير أثناء طيرانه مضرجا كما جرى لآدم المسالم الوديع. في ص341 وآدم يرقد في أرقى مستشفيات لندن وهنا يصف فوزي لنا حالة آدم: (ومض ابتسامةٍ ما طفا على وجه آدم فزاد الاطمئنان اطمئناناً . كان النور يغمر المكان، يغمر المكان كلّه ويمتدُّ من ذلك المحيا ليتسرّب من الجسد. ومثل ملاكٍ هائمٍ، مثل طيرٍ يصغي لغريزة اهتدائه إلى مكانه، يمضي النور حرّا، آخذاً معه طيفاً من الجسد الراقد بأمان ٍ وسلام إلى أن يصل به إلى هناك إلى البصرة التي تحيا فيه ويحيا فيها حتى وهو هنا يتماثل للشفاء على سرير وحدتِه في المستشفى الملكي في لندن)

(*)

النوافذ تجعل الرائي يحلّق خارج المكان من خلال عينيه. إلاّ تلك النافذة في مديرية الجوازات في البصرة. هذه النافذة حيز يقف قبالتها المواطن وخلفه طابور من المنتظرين والمنتظرات.إنها نافذة تبث قلقاً وحيرة ً ورعباً لدى الواقف قبالتها، فهو يقف عارياً من أية قوة أمام السلطة في أبشع سنوات استبدادها في 1991 حين يصل المواطن قبالة النافذة يصير

(بمواجهة ضابط الجوازات/ 26) وحين يدقق في أوراقك فهو يجردك من ملابسك قطعة ً قطعة. وحين تغادر النافذة يبقى  رأسك ملتفتا نحوها. لأنك غادرتها بدون جواز. والمنتظرون بالطابور بسببك أنت سيخافون الوصول إلى النافذة. فعلا لنافذة ضابط الجوازات(مِن السحر ما يجعلها أن تقرر مصائر أن تفتح مستقبلا أو تغلقه/ 27)..الواقفون تحت شمس تموز ينتعشون حين يصلون إلى رحمة النافذة وهي تتصدق عليهم( هبّة هواء باردة لمن يساعده الحظ ُ فيبلغها/ 28)من خلال ضيق النافذة تلمسُ قراءتي ضيقين: اصبحت السلطة من شدة بطشها تبأر علاقتها بالحيز

وصار المواطن مبأرا لديها والمواطن رغم هبّة التكييف النديّة لكنه ما أن يصل إلى النافذة حتى(تتكشّف على ملامح وجهه سيماء الخوف والقلق والحيرة واليأس، وما بين كل هذه الهواجس يتأرجح طيف ٌ غامض من أمل يفتعله الإنسان ويعبر عنه بابتسامة يابسة / 29) نافذة ٌ من هذا الطراز تذكرني بتلك اللوحة الملصقة في جحيم دانتي التي تطالب الداخلين باليأس

وبشهادة فوزي في الرواية فأنها ( نافذة يكفّ عندها الرجاء/ 30)

(*)

حين يدخل فوزي حديقة الحسن البصري بقدميه فإن ركبتيه تغوضانبتراب المقبرة. هنا يتمازج السرد بين المورث الغابر وبين حاضر البصرة بتوقيت 1991 والدخول للمورث عبر سرد ٍ حكائي والسرد هنا لا يمت بصلة للمخيلة بل لحيوية الإحساس التي يحتدم في دخيلة فوزي.. يتراجع فوزي ويحضر حكيم البصرة والعرب الأحنف بن قيس وهو مع وفد من أهل البصرة. كل رجل في الوفد يغني على ليلاه إلاّ الأحنف بن قيس حين يشكو للخليفة عمر بن الخطاب نفسه معاناتناالآن في القرن الحادي والعشرين / 84 ثم ينتقل سرد فوزي من الإحساس الجمعي إلى المخيلة الموجعة فزوجته نهال أثناء الانتفاضة قتلتها الطلقة الثانية لقناص أما الطلقة الأولى فكانت لشقيقها والتعاسة هنا عدم معلومية فوزي بذلك إلاّ بعد أن باتت تحت تراب مقبرة الحسن البصري . أما الآن وهو في المقبرة فهو لا يبحث عنها بل عن زورقها الحجري  والبحث هنا ممزوج بمخيلة لحدث سابق يرد في خاطر فوزي الذي يقول:(..أتخيل ُ تابوتها محمولاً على أكتاف غريبة نحو قبرها، فتنهض هي من تابوتها وتبحث عني ما بين الغرباء فلا أثر لي، وحتى إذا ما يئست مني ومن حضوري فإنها تعود إلى موتها خائبة وربما ممسكة بأمل ما.. هل خذلتك يا نهال في لحظة لا يُتوقّع فيها الخذلان؟ / 84)… وفي نهاية التحاور الهامس بين الشهيدة نهال وزوجها فوزي وفي طريق مغادرة فوزي يسمع صوت عجوز بقيت هناك تولول قرب قبر لا وجود له. كان الصوت بالكاد يسمع، صوت أشبه بالصمت. ينقطع الصوت ثم يتسرب نحيلا لتواصل العجوز الولولة،عجوز ناحلة تذوي وتضيء مثل البصرة، كأنها السيدة التي صادفها فوزي في شباك الجوازات وترجت الضابط أن يسهّل أمر فوزي / ص88 . هذه المرأة ستظهر في مرة ثالثة بمكان آخر ويلتقيها آدم.

(*)

مؤثرية الحصار  كانت واضحة في الطوابير الواقفة أمام نافذة الجوازات

لكن هناك إيماءة ليلٍ هامسة أعمق دلالة يخبرنا آدم بها (لا حظتُ ضوء فانوس لا يضيء سوى نفسه، إنه منبعث من البقالية الصغيرة التي جرى تشيدها مؤخراً بمساحة مقتطعة من حديقة أحد أفضل المنازل بالبراضعية / 45).. ما بين القوسين هو ما يجسد التدهور الاقتصادي الذي تسبب به الحصار الأمريكي على العراق. وخلافا لذلك هناك فائض من الضوء للسلطة (أضواء ٌ متلألئةٌ من داخل القصور الرئاسية)

(*)

سرديات الظلام لها سيادة مطلقة على البصرة، ويزيدها وحشةً،ويزداد الظلام ظلاماً حين تمر سيارة تبث ضوء مصابيحها والظلام يجعل الكلاب السائبة تطلق نباحها خلف السيارات، سماء البصرة يمتزج فيها الظلام بالدخان والظلام والوحشة، وهذا ما يجعل آدم يقترح على فوزي مكاناً أقل وحشةً وظلاماً، وحين يدخلان شارع الوطن يكون (الظلام أشدّ والكلاب أمضى شراسةً.. حيث لم يكن شارع الوطن أحسن حالاً من الكورنيش، الظلام شديد، هذا شارع كان موئلاًللمرح واللهو ليلاً. الآن ليس سوى الظلام. الفنادق التي كانت على جانبي الشارع مظلمة/ 49)

الظلام يمحو ويشل الحركة يحدّق في ساعته ولم يرها وفي الظلام كل الأشياء تحبو. وحدها الكلاب تخض ُ الظلام. (والمفلس في الظلمة أمين/ 51) كما يقول السكير لكن حين يحضر البعوض البغيض( فالظلام أهون من البعوض/ 54)

(*)

السارد المحايد  يتحول في (غريزة الطير) إلى سارد مشارك في صياغة الحدث  من خلال الأصوات التالية:

(1) تبدأ الرواية بصوت فوزي بثلاثة فصول
(2) ثم من ص37 إلى ص96 يتكلم فيها آدم من خلال عشرة فصول
(3) في ص97 يظهر صوت فوزي  في ثلاث فصول حتى ص120
(4) يعود صوت آدم في ص 121 في ثلاث فصول حتى ص140
(5) يظهر لأول مرة صوت والد آدم في ص141
(6) ص148 يعود للظهور صوت آدم مرتين حتى ص159
(7) يعود صوت والد آدم في ص160 مرتين حتى ص174
(8) يظهر من جديد صوت آدم في ص175 مرتين حتى ص182
(9) يعاود الظهور صوت والد آدم في ص183 حتى ص191
(10) في ص192 يكون السارد آدم حتى ص194
(11) يستلم السرد والد آدم من ص195 إلى ص205
(12) في ص206 يكون السارد آدم حتى ص209
(13) تدخل على السرد من الكويت سهاد شقيقة آدم في ص213 إلى ص243
(14) بعد غيبة يظهر فوزي في ص235 وهو بالأردن
(15) في ص 246 يعاود الظهور صوت سهاد شقيقة آدم
(16) في ص253 يظهر صوت آدم. حتى ص268
(17) نصغي لصوت سهاد شقيقة آدم وهي تصل لندن في ص269 حتى ص274
(18) يعود صوت فوزي ص275
(19) بخبرنا صوت آدم في ص277
(20) يظهر صوت فوزي في ص280 حتى ص284
(21) يعاود الظهور صوت  والد آدم في ص285
(22) في الفصل الخامس/ الأخير للرواية (الأبقى هو ما يضيع) يفتتح بصوت آدم من ص 291 إلى ص302
(23) يستلم السرد صوت فوزي من ص 303 وهو من أصعب الفصول على قلب فوزي يتوقف فوزي عن السرد وهو في لندن في نهاية ص307
(24) من ص308 إلى ص323 نعرف من خلال صوت آدم ما يجري في البصرة من تقتيل وفوضى بعد سقوط النظام وصولا لما يتعرص آدم نفسه له.
(25) من ص324 إلى نهاية الرواية سيكون السارد فوزي في لندن يراقب آدم من خلال زجاج العناية المرّكزة في لندن ص341

آدم حصته من فصول السرد أربعة وعشرون فصلاً، ويليه فوزي ثم والد آدم. ربما يكون السبب في ذلك هو أن آدم كان مركز الدائرة من خلال ما تبثه شخصيته من طاقات في نفوس الآخرين. في ما يلي بعض ما يعبّر عن إشعاع شخصية آدم على الآخرين:

(1) والد آدم يخبرنا: (وأنا هنا في انكلترا، سأكون محتاجاً إلى آدم أكثر مما هو يحتاج إليّ في البصرة) ثم يضيف: (وها أنا أفكّر بحاجتي إليه لا بحاجته هولي/ 166)
(2) فوزي يخاطب والد آدم: ( لمّا تروح للبيت أرجوك أن توصّي آدم بنا.. هو معلمنا ياعم/ 167)
(3) حبيبة آدم ناز: (اسمك وحده يكفي، هكذا(آدم) اسمك وحده يختصر الحب والتسميات والصفات كلها/ 306)
(4) سهاد شقيقة آدم: ( ملعون آدم، أخذ لنفسه كلّ شيء من خصال والدي/ 271)

(*)

المخطوط المكتمل والمؤجل إشهاره يتشكل من :

(1)كتاب التمارين / 74

(2) قصائد نهال ملتبسة حروفها/ 107-

(3) دفتران لنهال يتضمنان قصائد مؤلفة، مكتوبة بخط واضح وأنيق هو خطها بالتأكيد هي قصائدها

(4) رسالة ناز أحمد : قبيل إعدامها بتهمة الشيوعية

(5) مشروع رواية فوزي/ ص340

هذا النسق الخامسي يحتاج مبحثا نقديا خاصا سنعود له لا حقا

(*)

البصرة هي الشخصية المكانية الرئيسة، وآدم هو الشخصية المحوريةالتي تستحق أيضا دراسة نقدية خاصة. فيه تجسدت الثقافة الإنسانية، وتعشّق هو في البصرة التي هي جنة البستان. لقد تم بواسطة السلطة تدمير هذه النخبة التي نذرت نفسها للعراق من خلال عشقها للبصرة؛ الطبيبة إيما هيرلي، والتاجر والملاّك الزراعي والليبرالي الغيور على وطنه سليمان زيني سليمان والنخبة الاكاديمية : آدم وحبيبته ناز وفوزي وزوجته نهال.

(*) عبد الزهرة زكي/ غريزة الطير/ دار الرافدين/ ط1/ كانون الثاني/ 2023