عجبت كثيراً لأمر ذلك الفاشل العاجز المملوء بالعقد المستعصية، يكون طبيباً ــ او هكذا يظن ــ لصحيح الجسم والعقل، الذي مرّ مثل أي انسان آخر، ببضع من الصداع.. غير المزمن!!
ولكن هذه الحالة الغريبة نعيشها رغم عدم منطقيتها، ونتأثر بتردداتها بين جوانب الحياة، وهي في خلاصة القول حالة مفهومة إذ تعبر عن خلل مجتمعي، وتتمثل بكونها إفراز طبيعي لنظام واهٍ أسس على شفا جرف هار!
هذه الصورة التي نشير إليها لا تهمنا في ظاهرها بل في باطنها الذي يمنح الطرف الفاشل الفرصة للحياة ومثلها تسنم سدّة النصح والتنظير والتحليل للأصحاء، ذلك ان الحياة مثلها مثل الدروب المتقاطعة، درب يمتد إلى الشمال، وآخر إلى الجنوب، ومثله نحو الشرق والغرب، ومنذ أن وجد الإنسان على هذه الأرض وهو يسير بها، وربما اصطدم بغيره، او جعل شريكه معبراً للوصول، والمحظوظ من عثر على وجهته وسجل الحضور والوصول!!
ومهما كانت العقبات التي تمّر بنا، والعثرات التي نتعرض لها، والعقبات التي يكتب علينا اجتيازها، إذ نحن بين نجاح حيناً، واخفاق حيناً آخر، فإن الدرب المستقيم يظل حاملاً معنى الأمل بإمكانية الوصول يوماً، نعم قد يحصل التأخير، وقد تحتاج إلى تصحيح هنا، وتصليح هنا، ولكنك في النهاية لك وجهة معروفة، ووصول منتظر.
ولكن ماذا تقول فيمن كان دربه دائرة مفرغة يدور بها ليل نهار، يبدأها بإخفاق، ثم صراع، ثم عودة إلى النقطة الأولى، وهو في كل دورة يأكل نفسه، ويقتات على موارده، فمن أين يأتي بالموارد وهو منذ زمن يراوح في ذات المكان؟!!
ثم قد يعجب المرء، كيف لهذا الفرد الدائر مع فشله لا يستشعر أن حياته ضائعة، وقواه مستنزفة، ومستقبله منعدم؟! والحقيقة أن الأمر ليس دوماً مجهول، بل على العكس، ثمة من يدور حول ذاته متعمداً، فهو يمنحه الفرصة لإبقاء هذا الحال الجامد، والذي يمنحه القابلية للبقاء، فأي اختيار لأي مسار بديل واضح الاتجاه والأهداف سيكشف سوءته، ويظهر فشله، ويسير به حتماً إلى الفناء!
وسواء كان الحال غفلة، ام مؤامرة مع سبق الإصرار والترصد، فإن النتيجة واحدة، ضياع في مهب رياح الفاعلية اللازمة، وإذا كان العيش على ذات بذور الخلل، فلن يطول المقام مهما طال، فحركة التاريخ مقياسها أجيال ودورات حضارية وتحولات استراتيجية، وقطعاً ان ثبات هذا المحال الشاذ من المحال!
ولا بد من التذكير ان متعثر الدرب المستقيم سينهض مهما كانت كبوته قاسية، ولكن السائر في الحلقات المفرغة كأنه مسلوب الإرادة، يدور في حفرة عميقة ليس لها قرار ولا ضياء.
لذا فليس يبقى اليوم من سبيل سوى التذكير المستمر، إن نشوة السكون والجمود وقتية، وسيقبل اليوم الذي يكون الجميع مطالب بإثبات صحة الانتماء وأسباب الدعم للنجاة، والقليل النادر حينها من سيكون يملكها بعد أن نخر الدود كيان وجسد معظم الدائرين نحو ضباب النهايات!