نظرية المعرفة :
جمة هي الاسباب التي دفعتني الى الكتابة في هذا العنوان المغري( نظرية المعرفة عند المسلمين ) . ولعل أهمها وأكثرها ألحاحاً هو الرغبة في التعرف على تاريخ هذه الكلمة بأعتبارها احد الأركان المهمة في معرفة النظرية وفلسفتها التي اهتمت في البحث المعرفي ومصادره وطبيعته العلمية.ونحن في المجتمع العربي الاسلامي بعيدين عن هذا التوجه الانساني والفلسفي من زمن ، لدرجة اننا لم نستطع ان نقدم لنظرية المعرفة الانسانية صياغة معاصرة للنص المقدس مستنبطة من تأويله ، لأننا لازلنا ننظر الى علم الفلسفة على أنه حرام .وهذا نقص معرفي كبير …
من هذا التوجه لم نصل الى ايجاد نظرية في المعرفة الانسانية ، مصاغة صياغة حديثة ومعاصرة مستنبطة حصرا من النص المقدس ،لتعطينا ما نسمية باسلامية المعرفة.كما ان دراساتنا الفلسفية لم تتجه لدراسات مقارنة مع ما عند الديانات الاخرى في هذا المجال ، وبهذا بقينا بعيدين عن منهج التفكير العلمي ، وعن التعامل والتفاعل مع الانتاج الفكري العالمي، حتى اصبح كل منتج حضاري سابق لعقيدتنا يقع في خانة الباطل كما ندعي .ان هذا التوجه الخاطىء ادى بنا الى التفكك الفكري والتعصب المذهبي،حتى رمينا كل من يخالفنا بالألحاد والزندقة والجبرية والقدرية،وما درينا ان كل فكر انتجه الأنسان هو ليس عدوا للأسلام بالضرورة.
مالم نصحوا ونغير من هذه النظرة الضيقة لعلوم الاخرين سنبقى نتعايش مع مواقف التشنج والسذاجة وضيق الافق الذي زرعه فينا فقهاء الدين الذين وضعونا في سجنهم الرهيب دون معرفة ما تعارف عليه المتقدمون..وحكامنا التابعون لهم اليوم مثالاً..
الآيديولوجات العالمية كالشيوعية والرأسمالية والبوذية والهندوسية خلقت لها قادة يؤمنون بها وبمبادئها ، أمثال بوذا ،ماركس ،وآدم سمث ،وجورج واشنطن ،وغاندي ، وماو ، وهوشي منه ، لأعتقادهم بأنها هي البديل لحياة التخلف والأندثارالقديم ، قادة : ما خانوا ، ولا سرقوا ،
2
ولا اهملوا الدولة والوطن والمواطن كما نرى قادتنا اليوم يعملون.قادة كان هَمُهم الوطن والانسان وليس المنافع الشخصية ومناصب الوليان ، ضحوا من اجل القيم والوطن وعاشو ا كما عاش المواطن العادي دون تمييز،وصنعوا من أفكارهم حضارة وتقدم وقانون،وصدقوا حين تكلموا حتى عملوا دولأواحترموا شعوبهم ، فأخلص أتباعهم لمبادئهم حقا وحقيقة دون تبديل. وها ترى دولهم اليوم تحتل الصدارة في العدالة وتطبيق القانون واحترام انسانية الانسان في التطبيق …البوذية أفضل مثال…فأين قادة المسلمين الحاليين منهم اليوم ؟.
بالمقابل ماذا قدمت الآيديولوجية الاسلامية لأتباعها عبر هذا الزمن الطويل ؟ غيرالفقه الاسلامي الميت البعيد عن جدلية الانسان ، والذي أنتج لنا طالبان والقاعدة وداعش ومسيرات الأحزان واللطم والزنجيل ،وكل فقهاء التخريف الذين زرعوا فينا نظريات الفرقة المذهبية المخترعة منهم بالغة التعقيد..فهل كان أتباعهم من المؤمنين بها وبمبادئها ؟، اوقل هل كان أيمانهم بعقيدتهم في عمقه شك وتضليل ؟ أم ان الآيديولوجيا الاسلامية لا تصلح للتقدم والقانون.أعتقد ..نعم ،اذن كيف الاسلام يصلح لكل زمان ومكان كما يقولون ..أين التبرير المنطقي المقبول ..؟.
اعتقد انهم خاطئون …. والا كيف ومنذ 1400 سنة والى اليوم لم نرً الحقوق والتقدم والقانون،سوى سفسطة فقهاء الدين وتابعيهم وأكاذيبهم التي مللنا سماعها ومل منها حتى القانون ؟،ولو كانوا العكس … لقدموا لنا ما قدمته الآيديولوجيات السابقة لأصحابها من علم وحرية وتقدم وحقوق، ولحافظوا عليها دون تبديل.فظل أتباع هذه الآيديولوجيات الأسلامية المتعددة على السواء من المخالفين ،حتى أختار الحكام لأتباعهم ، الثقافات الوهمية ، واخلوا بالتشريعات والاحكام ،واحلوا لهم ولنا نظريات التأمل والوهم لتصبح البديل … كنظرية المهدي المنتظر التأملية ،وولاية الفقيه الدكتاتورية (قدس سره) كما عند الشيخ الكليني (ت320 للهجرة) والشيخ المفيد (ت431للهجرة) والشيخ الطوسي( ت460للهجرة) ،وجمهرة السلاطين البويهيين..واليوم مرجعيات الدين..
وكما انتجت لنا اراء الماوردي (ت 450) ونظرية انتخاب الخليفة – حسب رأيه- حتى لو اشترك في انتخابه رجل واحد. و ابن تيمية ( ت728للهجرة) الذي فرض على تابعيه بأتباع الحاكم حتى لو كان فاسداً ، والغزالي (ت505للهجرة) في نظريتة الضرورات تبيح المحضورات، وفقهاء التخريف من أمثال بدر الدين بن جماعة (ت1241 م) بنظريته طاعة الامام حتى لو كان فاسدا. والطرطوشي(ت1126م) الحاكم يحكم نيابة عن الله فلا يرد حكمه
3
بالمطلق ،وجمهرة الوهابيين في جهاد النكاح،والابتعاد عن كل ما هو منطقي وحديث ،فكانت لنا طالبان والقاعدة وداعش وكل من في رأسه تخريف وغلٍ قديم.؟ هذا هو الذي قدمته عقيدتنا للمسلمين ،فضاعوا في أتون المناهج الدراسية الوهمية دون تحقيق،فأنشأوا لنا جيلا ضائعا في العقيدة والتثبيت.ولا زالت مرجعيات الدين على منوالهم في التوجيه.
بعد هذا أهملوا تأويل القرآن ووقفوا من الاسلام الصحيح موقف العداء من أول الأمر،ليس لعداوة قديمة فيما بين عبد شمس وهاشم كما يدعون ، وأنما لأنهم لم يؤولوا النص او يفهموه لقصر في ثقافتهم آنذاك ، فقدموه لخدمة السلطة دون عامة الناس .فماتت نظرية المعرفة عندهم،بعد ان أنشاوا لنا كل هذه العدوات اللامبررة بين العرب والمسلمين وغيرهم، وبعد ان دونوا لنا في التاريخ ان عبد شمس وهاشم ولدوا توأمين ملتصقين فقطعوهما بالسيف ،حتى أنشأوا لنا نظرية السيف والأعتداء والحروب كما في داعش اليوم ؟ وهي في واقعها الصحيح وَهمُ وتضليل؟
لقد كان دخول معظم أتباعهم الاسلام – على ما اعتقد – عن خوف لا عن أقتناع ،والا لما أخترعوا لنا نظرية الفتوحات والسيف واحتلال وظلم الاخرين.. وهذه هي الحقيقة بعد ان غفلَ القانون حق المواطنين في الحرية والرأي ،وما اصبح عليه اصحابهم من ضعف في مواجهة الحقيقة في خيانة الاوطان والدين التي نادى بها محمد(ص) بعد دخوله مكة (لكم دينكم ولي دين)؟ حتى كانت (السقيفة ، والردة ، وما سمي بالفتوحات الاسلامية والاعتداء على تراث الاخرين . اما المصيبة الرابعة هي التي قالها الحاكم الجديد :” ان تصلبوني لن أتنازل عن الخلافة (أنظر الطبري في تاريخه)،وكأن الخلافة جاءته هدية من الله،وليست من الناس وهذا مبدأ خطير.والبارحة كررها الخليفة الاموي والعباسي في دولة الملك العضوض ..وتستمر الخرافة حتى اليوم ليكررها رئيس دولة القانون الذي دمر الوطن والمواطنين حين قال : (أخذناها وبعد ما ننطيها) كأنها جاءته أرثا من السابقين ..فعلام تلومون الحاكم السابق ..وأتباعكم المستفيدون الباطلون يصفقون .
،حتى حل بنا ما نراه اليوم من تراث الأقدمين (منا امير ومنكم امير كما في محاصصة المغييرين ).، وليذهب الشعب الى السعير، فأسسوا لنظرية الملك العضوض للسابقين ومن جاء من بعدهم من المسلمين..والا هل من المعقول ان يتنمر علينا مسعود البرزاني السارق لاموال المواطنين ، والمتمرد على شرعية القانون ..دون قانون..مُلوحاً علينا بقوة بشمركة التجهيل..لولا نحن اليوم استسغنا باطل التنفيذ ..اذن من حقه بعد ان خضعت له رقاب الخونة
4
من المرافقين للتغيير…فالأصلاح يجب ان يشمل الجميع.. ان يقدموا لمحكمة القانون دون اي اعتبارات اخرى ان كنتم مصلحون..
فأين هم وانتم اليوم ؟ وهل الحروب بين شعب واحد يعد أنتصارا..؟
خطأ استراتيجي قاتل نفذوه فينا منذ البداية وحل بنا الأختلاف حين عقد اول اجماع للمسلمين،وأنا اقول ليس بالضرورة ان يكون الامام علي(ع) هو الخليفة الأول او غيره كما يشيعون بين العامة ، فالخلافة شورى بين المسلمين (وأمرهم شورى بينهم) ،ان ألألتزام بالنص المقدس هو الصحيح ،وان ما ادعته الفرق الشيعة بحق علي (ع) في غدير خم كان وَهماً لا حقيقة ،لأن ليس بمقدور الرسول (ص) ان يلغي آية الشورى بين المسلمين (وشاورهم في الأمر) كما ان فرض الامر الواقع في التولية كان خطئا كبيرافي التثبيت..، وأنما كانت التوصية المحمدية ان صحت من باب اشهار الكفاءة لا التعيين..وهكذا تجذرالخلاف فينا حتى اصبح عندنا قانون..فضعفت نظرية المعرفة التي جاءت لنا من القرآن العظيم.
ودعنا من كارثة السقيفة والخلاف وما زيدَ عليها المؤرخون من أباطيل ،كانت الخلافة بحاجة الى دراسة وتنظيم،فتركت الخلافة دون تحديد مدة او مدى سلطان،فتحولت بمرور الزمن الى حكم عضوض مستبد،حتى ظلت مسائل النظام السياسي دون حل حين حل السيف بدلا من القلم، والقبيلة بدلا من الرأي،(كما هو قانون العشائر سيء الصيت اليوم الذي أخترعه المنافقون ) وما جرت بعد ذلك من أحتكار للسلطة والثروة والسلاح عند المغييرين .فماتت نظرية المعرفة التي نادى بها القرآن ، الذي طالب بصياغتها صياغة حديثة ومعاصرة تصلح لكل الأزمان ، والذي طالب بها العلماء مجتمعين لا مفرقين بوضع دستور الامة وحقوقها بالتأويل للنص دون التفسير الفقهي الناقص في التعيين (وما يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم..الآية 7 من سورة آل عمران).
وبدلا من الأنصياع للنص المعارض لأحتكار السلطة والتفرد بالمال العام ،الذي اتبعوه منذ بداية تكوين الدولة ،غابت نظرية المعرفة منهجا وتطبيقاًعن التفكير العلمي الصحيح ،والتعامل والتفاعل مع الأنتاج الانساني وعَدوهُ باطلا،فظهر التفكك الفكري ،والتعصب المذهبي، واللجوء الى مواقف فكرية تراثية لا تنتمي للنص بالمطلق حين عدوا ان كل ما انتجه الفكر الانساني قبلهم باطل ومرفوض فنشأت العزلة ، وظهر صوت التزمت بين كل المعارضين فكانت الزندقة والجبرية والهرطقة ،وخاصة بعد موت المآمون وتوقف حركة الترجمة ومجيء
5
المتوكل العنين(ت232للهجرة) حتى اعتبروا ان كل فكر انتجه الانسان في الحضارات السابقة هو عدو للاسلام بالضرورة..فكانت كارثة السنين.
من هنا غاب المنهج المعرفي ،حين أهملت نظرية جدل هلاك الشيء(كل شيء هالك الا وجههُ،القصص88 )، ونظرية جدل الأنسان ، ( ولقد صَرفنا في هذا القرآنِ للناسٍ من كلٍ مَثلٍ وكان الانسانُ أكثرَشيء جدلا،الكهف54).
وأهملت بقية النظريات مثل جدلية الرحمن والشيطان وعناصر المعرفة الأنسانية مثل الحق والباطل،والعقل والفكر، والبشر والانسان وحين التوقف عن الخوض في هذه الأشكاليات التي طرحها القرآن والتي اصبحت عائقا امام دكتاتورية السلطة والاستيلاء على المال العام ومساواة المواطنين فيما يخص حقوق كل منهم وواجباته حتى غرقنا في بحر الظلمات الرهيب الذي قادته مؤسسة الدين..نرجسية التفكير..
هنا توقفت الأرضية المعرفية العلمية،فاصبحنا نعيش أزمة فقهية حادة ،تطالب بفقه جديد يستبعد افكار فقهاء الحاكمين من مختلف المذاهب المخترعة لا الدين ، ونظرية ( الحديث ) المخترعة التي قالوا عنها هي البديل عن القرآن الكريم .وليعلموا ان السنُة النبوية ليست قوانين اجبارية في التطبيق،(أنظر قول الرسول (ص) في فتح مكة : ( أيها الناس لا تنقلوا عني غير القرآن مخافة ان يختلط كلامي بكلام القرآن..مع التصرف في النص…،أنظر الواقدي في المغازي ) لأعطاء البديل،فكانت المطالبة بنظرية المعرفة هي واجبة التطبيق لكنها رفضت من سلطة فقهاء الدين لمعارضتها سلطة الحاكمين.
ومع مرور الزمن ضاعت بين اجيالنا القضية التي أخفوها،حتى ضحوا بنظرية المعرفة في الحق والعدل تجنبا للفتنة كما يدعون ،(انظر علي سعيد في كتابه أصول الضعف).
ومن خلال مسيرة النقص والمعاناة سرنا خطوة خطوة الى الوراء في طريق اختلف تماما عن التعايش مع النص القرآني الثابت والمتحرك في التثبيت الصحيح والا كيف يكون الاسلام صالح لكل زمان ومكان..كما يدعون ؟، نعم..كانت بداية النهاية لامة الاسلام التي اصبحت اليوم موضع شك حضاري بها وبكل فقهائها من الحاليين والسابقين عند المسلمين وفي كل العالمين حتى اصبحنا مذاهب شتى وفرق متناحرة …نعم أقولها وبملىء الفم كان عرب قبل الاسلام افضل منا في التعاضد والتفعيل( أنظر قوانين مجلس الملأ عندهم وكيف كانت تطبق ..جواد علي في المفصل لعرب قبل الاسلام ) بعد ان أشاعوا بيننا كلمة الجاهلية وهي كلمة استشراقية لا علاقة لها بالعرب مطلقاً…..والا كيف قبلت مرجعيات الدين الأتفاق مع الاجنبي في احتلال الوطن عام 2003 وهو مخالف لنص الآية (43 ،120 من سورة التوبة ..؟. أهي مرجعيات دين ام مرجعيات رجال الدين الذين افسدوا شريعة الدين ..؟
وأنظر .. كيف زيفوا حقوق المرا’ة وجعلوها هي والحمار والكلب في صعيد واحد..كما قالوا عنها :” تُقطع صلاة المرأ المسلم اذا مرت من أمامه وهو يصلي “المرأة والكلب والحمار،صحيح مسلم” حتى لو كانت المرأة حائضة ..هل تقرن بالكلب والحمار..؟ تصور مدى ذكورية الفقه الاسلامي المتزمت عندهم.. لدرجة ان مواضيع حقوق المرأة وما ملكت ايمانهم والآرث والوصية اصبحت موضع مسائلة من القانون دون جواب علمي لها من فقهاء الدين ،وكما قيل :”اذا أردت ان تعرف مدى تقدم المجتمع فأنظر الى وضع المرأة فيه” .
وهكذا اصبحنا يشار الينا بالبنان أننا من اعداء المرأة ..والقانون ومع القتلة والأرهابين ،وهذا صحيح ..ألم تحتضن دول اسلامية داعش والقاعدة والنصرة المجرمين ،فأين ما ندعيه من الدين و تراث الأقدمين ..؟ان غياب نظرية المعرفة الصحيحة عند المسلمين اليوم هي السر في المحنة الثقافية القاسية التي ما زلنا نعايشها مع كل الفرق المذهبية الوهمية الباطلة بمختلف توجهاتها،,فاصبحنا من المتورطين في لغة بعيدة عن الواقع في فهم الاسلام الصحيح .. اسلام يعيش في لغة الناس ، وليس في واقعهم المتردي البغيض .
ونتيجة لهذا الواقع المر ،فلا يحق للفقهاء المتزمتين بمختلف مذاهبهم ان يدعوا الى الاسلام الصحيح، وليس لهم الحق في قيادة الامة بعد ان ابتعدوا عن المبادىء الحقة التي جاءت بها نظرية المعرفة الأسلامية . فيا قادة المذاهب المبتكرة من فقهاء الدين وليس من اسلام المسلمين اتركوا الشعوب….. لتشق الكفن وتعلن عليكم الصور..وأتركوا نظريتكم في تغليف كل باطل بغلاف الدين..فالدين الصحيح هو..الأستقامة والحق والعدل والقانون… وأنتم براء منها الى ابد الآبدين..
نعم
النقد المعرفي أساس التقدم .. ونقد الدين أساس كل نقد ..علينا ان نعترف بالخطأ الكبير…لنلحق بالأمم الأخرى بعد ان تأخرنا الكثير..فهل يدرك قادة التغيير في عراق المظاليم اليوم .. أنهم من أوصلونا لهذا المستنقع الرهيب…؟