اذا صحت رواية وقوف التسقيط السياسي و التخوين وراء تكرار سيناريو فرار السجناء في وضح النهار فتلك مصيبة كبرى، واذا كان المال السياسي مسؤول عن هذه الفضائح فقد ذهب الجمل بما حمل، لأن حياة المواطن و استقراره و براءته من عدمها أضحت بين فكي الفساد و اللامسؤولية، ومن هنا يأتي السؤال” هل هناك حكومة عراقية أو مجموعة أحزاب متناحرة؟
ويبدو أن الجواب يجد نفسه في تبريرات وزارتي العدل و الداخلية فالأولى عجلت بتبرئة نفسها من هروب سجناء ” الشعبة الخامسة ” سابقا و رمت بكامل المسؤولية على عاتق الثانية، وكأن القانون منشطر الى جهات تنفيذ و رعاية وأن الوضع الأمني معلق على الاجتهادات و الخلافات السياسية.
و لاندري ما هي العلاقة بين تهريب المعتقلين على مراحل والتحذير من خطورة ما سيقترفوه ضمن ضجيج رسمي مفتعل، و علاقة ذلك بمحاولات خلط الأوراق الانتخابية المقبلة، و وقوف جهات متنفذة وراء سيناريو حرق الأرض تحت أقدام العراقيين واظهار الحكومة عاجزة عن فعل اي شيء، ودعوة الفصائل المسلحة للدخول على خط المواجهة من الباب الكبير هذه المرة، أي تناحر السياسيين داخل الفصيل الواحد.
ماذا ستقول الحكومة و كيف سيفسر رئيس الوزراء هذه الخروقات الأمنية و دور صفقات الأسلحة في حسم المعركة لصالح جهة دون غيرها؟، ما نستطيع قوله ان المالكي سيحمل خصومه و القاعدة مسؤولية ذلك وينسى أن القضية ليست خلاف شخصي أو عقائدي بل هي مسؤولية تاريخية كبيرة، لأن الأمور في العراق تتجه مسرعة نحو الهاوية مقابل معالجات لا ترى بالعين المجردة، لأن القائمين عليها يتعاملون مع الواقع من خلال تقارير ليست بالضرورة دقيقة مقابل غياب تام عن الميدان، ما يضع علامات استفهام كبيرة عن الأسباب التي تقف وراء التمسك بقيادات أمنية غير كفوءة ، و مع ذلك تمتهن المزايدة و التغطية على الفشل.
لقد تأخر رئيس الوزراء كثيرا في ايجاد المعالجات الحقيقية و التي لم تكن من المستحيلات أو الخيارت النادرة، فلو أنه تخلى عن المسائلة والعدالة و أشرك قيادات الجيش و الشرطة المنحلة في الجهد الاستخباري و الامساك بالأرض عن معرفة وقناعة ما وصل الحال بالعراق الى أشبه ما يسمونه بالدولة الفاشلة، و أصبحت مؤسساته متهمة في المحافل الدولية ، و وسيلة للتشفي لدى أغلب العواصم الاقليمية.
ولو أن رئيس الحكومة أجتهد في طي صفحة الماضي مبكرا لما كانت هناك حاجة الى خيارات الدمج و التشكيل العشوائي للأجهزة الأمنية، خاصة وأن العراقيين يحبون وطنهم، وان دخولهم مؤسسة الأحزاب هو للحصول على موطيء قدم في دولة تعودت طرد الكفاءات ، و الأعتماد على المقربين وتحويل فشلهم الى كفاءة وطنية، في مفارقة أنهكت المؤسسة المدنية منذ عام 1958 الى يومنا الحاضر، من خلال اجتهادات شخصية متخاصمة بالولادة مع الرغبة في معرفة العلاقات الدولية و المصالحة الاستراتيجية، وهي حالة مرشحة للاستمرار طالما يتم تحويل الشعب الى متفرج عبر تخويف مذهبي واستهداف حزبي، فمن لم يكن بعثيا يبقى تحت دائرة المراقبة و الذي لم ينتظم في حزب الدعوة لن يترقى على عجل في المنصب، مع فارق بسيط هو أن ابواب البعث كانت مفتوحة لكل العراقيين، بينما يضيق صدر حزب الدعوة بغير ابناء الطائفة الواحدة، فمن أين يأتي الفرج و أين هو المشروع العراقي؟
ونحن هنا لا نحمل أحدا مسؤولية اختياره الشخصي و العقائدي عندما يكون مسؤولا عن نفسه وجماعته، لكننا نرفضها جملة و تفصيلا ، و من أي فريق أتت، عندما يتم تعميمها كمنهج حكم و قيادة دولة، لأن الحلول ستبقى بحدود المقربين جدا و المعالجات لن ترقى الى مستوى الحسم العملي، ومن هنا يبدأ موقف شعب العراق باختيار الكفاءات العراقية في البرلمانيات المقبلة، اذا حدثت أصلا، على خلفية الانهيار الأمني المبرمج، نقول ان شعب العراق مسؤول هذه المرة عن صوته و رفض تقديمة كتزكية طائفية أو عرقية، لأنه في هذه الحال يضع حجرا كبيرا في طريق تخريب البلاد و تضييع حقوق العباد، نعم أنها مسؤولية وطنية لا مزاج طائفي تسبب بانهيار الدولة العراقية على مراحل، بسبب غياب المعارضة الحقيقية و انكفاء المشروع العراقي، الذي يترفع عن خيبة الانتصار للأشخاص و المذاهب و القوميات ، لا تهمنا هوية المسؤول، بل قناعاته الحقيقية و احترامه لقسم الولاء الى العراق قبل غيره من عواصم النفوذ، التي تلعب دورا محوريا في ابقاء العراق عند مفترق طرق تقود جميعها الى غياب المصير!!
رئيس تحرير ” الفرات اليوم”
[email protected]