22 نوفمبر، 2024 2:51 م
Search
Close this search box.

حكاية انتخابية ( أشيائي لا تريد الذهاب معك)

حكاية انتخابية ( أشيائي لا تريد الذهاب معك)

كتب ادواردو غاليانو في كتاب أفواه الزمن: ان سيدة عجوز في غواتيمالا تفترش منديلا وتضع عليه ما لديها: أوراق الكوبال للتبخير، أصبغة، بعض الفلفل الحار، أعشاب ملونة، وعلبة عسل بري، دمى من خرق وصلصال ملون ، أحزمة، أربطة، شرائط، أمشاط من العظم ، مرايا، سائح حديث الوصول الى غواتيمالا، أراد ان يشتري منها كل شيء، وبما انها لا تفهم كلامه، يقول لها بيده: كل شيء، فتهز رأسها رافضة، يلح عليها: اخبريني كم تريدين، وأنا أخبرك بما استطيع دفعه، ويكرر أريد شراء كل شيء، صوته يزداد قوة، في كل مرة يصرخ، أما هي فتمثال جالس، السائح الضجر ، يذهب ويفكر، هذه البلاد لن تتوصل ان تصير شيئاً، وتنظر هي اليه يبتعد وتفكر: أشيائي لا تريد الذهاب معك؛ طرق الباب فهرعت اليه، سلم عليّ سلاماً حاراً وأخذني في الأحضان، أرسل ولده سريعا دون ان يأخذ رأيي الى السيارة لجلب البوسترات وكارتات الدعاية الانتخابية، احضر رزمة كبيرة، ويتوقع مني ان اصطحبها الى المدرسة، سألته ما هذه؟ فقال انها صوري وكارتات أريد منك ان توصلها الى المعارف والأصدقاء، تجهمت قليلا في وجهه وقلت له: أنا من المقاطعين للانتخابات ولا استطيع ان أوصل شيئا الى احد، فشد على يدي وقال: (الخاطري انتخب)، قلت له: المسألة ليست مسألة خواطر، وإنما هي مسألة حسابات دقيقة ووطن قد يضيع هذه المرة، وأنت ماذا ستفعل اذا فزت بالانتخابات وانت قد تعبت من كونك عسكريا وانا اعرف انك تمتلك الكثير، لقد تقاعدت من العسكرية، ومن المؤكد تقاعدت بمرتب عالٍ، لان رتبتك عالية، وتريد ان تختتم حياتك بمرتب تقاعدي عالٍ هو الآخر.

انتفض من انه يريد ان يخدم الشعب، فسألته: ما هو برنامجك الانتخابي، فقال: انا كتبته في البوسترات، ساعيد تبليط المنطقة وأحاول ان أسعى جاهدا في إنصاف طبقة المعلمين والمدرسين، قلت له: هذا ليس برنامجا، هذه خدمات من الممكن ان تقوم بها امانة بغداد ووزارة التربية، البرنامج السياسي يختلف والحزب الذي تنتمي اليه يجب ان يمتلك هذا البرنامج وعليه ان يوضحه في دعاية انتخابية حقيقية يكون مسؤولا عنها ان فزت انت او فاز رفاقك، كرر (قضية الخاطري) محاولاً الهروب، فقلت له بحدة: خذ أشياءك معك، فهي لا تنفعني بشيء، قارنت بين العجوز في حكاية غاليانو وبين هذا الرجل في حكايتي الانتخابية، فهي لم تعط أشياءها، وهذا الرجل يوزع أشياءه على المارة ويطرق الابواب، لانه يطمح ان يأخذ أكثر من استحقاقه، فهو يفكر الآن في مستقبل ابنائه وأقاربه، هو ضمن حياته ببيت فاره وكبير وكم قطعة ارض تسلمها من الدولة ، ويسعى الى ضمان مستقبل ابنائه، انه لص جديد يضاف الى قائمة اللصوص، وذكرني بقضية الوزير الذي عين ابناء عشيرته وهو يصرح علنا انه لا يعين الا ابناء عشيرة…….، او من تزكيهم عشيرته، وهذه الكارثة قد حلت على العراقيين بعد وقبل عام 2003، فلقد سمعت الكثير من المسؤولين في النظام السابق وهذا النظام اللاحق يتندرون بالقول من ان الشجرة التي لا تظلل أهلها حريٌ بنا قطعها، قاعدة سخيفة تنظر للعنصرية وبث الكراهية ومصادرة فرص الآخرين بالعيش الكريم، رجعت وأنا اردد قول العجوز في حكاية غاليانو: أشيائي لا تريد الذهاب معك.

أحدث المقالات