19 ديسمبر، 2024 12:02 ص

حقوق الانسان في روايات عبد الرحمن منيف

حقوق الانسان في روايات عبد الرحمن منيف

تهدف هذه الدراسة التي نحن بصدد مراجعتها الى تسليط الضوءعلى حقوق الانسان في الوطن العربي ورصد دور الانظمة العربية فيتطبيقها من عدمه، وذلك من خلال روايات عبد الرحمن منيف التيتتبعت معاناة الانسان العربي في ظل انتهاك حقوقه واساليب القهرالتي تمارس في حقه، وتقدم دلائل علمية تظهر اساليب الالتفاف عليهاوالاستفادة منها بغية تطويعها للمصالح الشخصية او لتغطية مشاريعكبرى وفق قوانين محلية متخلفة ومجحفة بكافة الحقوق الانسانية.

ولعل المنهج الموضوعاتي الذي انتهجته المؤلفة هو ما ناسب هذهالدراسة، اذ انه استفاد من مناهج ادبية عديدة، كالبنيوية ومنهجالتحليل النفسي الذي هو مجموعة من التراكيب اللغوية والمشاعروالانفعالات يقوم على علاقة جدلية بحدس كل كاتب، يوقظنا علىجمالية النصوص ويساعد في قراءتها قراءة متأنية. ويمكننا منمشاركة الكاتب ابداعه، ثم يترك لنا الاشياء تفصح عن نفسها بنفسها.

ما كتبه منيف قد يكون مرآة تعكس الحياة العربية بكل مقوماتها،ويعطينا صورة واضحة عنها، وذلك حين يتناول علاقات البشر فيمابينهم، ويتطرق الى اوضاعهم الاجتماعية والثقافية والسياسية.

في روايات منيف، انظمة دستورية، ومجتمع منهك.. فهل نجح فيتناول هذه القضايا في ضوء شرعية حقوق الانسان الدولية ام اخفق؟والى اي حد كان محايداً؟ وما هي المقومات التي انطلق منها؟ وهلحصل الانسان العربي على حقوقه ام انها انتهكت بشكل كامل؟

ان عمل المؤلفة في كتابها هذا، هو رصد الحقوق المنتهكة التي رمىاليها منيف، من خلال معرفة خلفيته السياسية والحقوقية التي انطلقمنها لدراسة احوال المجتمع العربي واوضاعه. فيطل منيف علىالمجتمع العربي حين كان مجتمعاً قبلياً تحكمه العادات والتقاليد،وقبيل التعرف على التطور التكنولوجي الذي بدأ يغزو العالم، وقد كانتالسلطة في تلك الحقبة اولاً لشيخ القبيلة، وثانياً للسلطان او الحاكم. فهل عرف مواطنه حقوقه ومارسها؟ وكيف تعامل مع حكوماته التيارادت الانتقال الى الدولة الحديثة؟ واية علاقات قامت بينهما؟

هرب منيف من الحياة العامة السياسية حين احس ان هناك خلل فيممارسة العمل السياسي، ان على مستوى السلطة والمواطنين او علىمستوى الاحزاب التي لم تستطع ان تؤدي دورها في تصحيح مسارالحركة السياسية وهو بالتالي لن يتمكن من ممارسة حقوقه الاخرى،لانها كل مترابط ومتداخل. فاختار الرواية ليدل من خلالها الى الحياةالاجتماعية العربية، ويشير الى الخلل الحاصل في ممارسات الافرادوالسلطة، وربما لانها تساعده في طرح اشكاليته بطريقة اكثر طواعيةوبالتالي تمكنه من اقتراح الحلول التي يراها مناسبة ليبعد الانسانالعربي من الحياة المرهقة التي يحياها فبلادنا العربيةبلادالافواه المكممة، والحريات المسلوبة، والحقوق المهضومة، والمبادئالمنتهكة…” فـ منيف يكتب للانسان ولحريته وحقوقه، ويحاول ان يؤلفروايةتعني الناس وتقلقهم، تساعد في زيادة وعيهم، وفي تحريضهمعلى ان يعملوا شيئاً من اجل بناء عالم افضل..” فالمنطقة العربية فيالمرحلة الراهنةاصبحت من اكثر المناطق في العالم خرقاً لحقوقالانسان واكثرها استبداداً واشدها تعسفاً ولا نستغرب منه هذاالموقف وهو الذي تعرض للقمع والاضطهاد، مما دفعه ان يطرح الهمالسياسي في رواياته على انه هم كبير ومؤثر، فهو لم يقف عند حدودالممارسات السياسية انما يتعداه الى سلوك الناس وقيمهم في جوانبشتى من حياتهم.

لذا نرى معظم الشخصيات الرئيسة في رواياته ثائرة متمردة علىالاوضاع الجديدة التي استجدت في المنطقة، وقد حاولت الانقلابعليها ولكن السلطة كانت لها دائماً بالمرصاد وعملت على كمّ الافواهوالتضييق عليها.

وقد ركز منيف على انتهاك الحقوق وفي المستويات كافة في ظلصراع بين ثقافتين، المظلوم والظالم، الثائر المتمرد، المتغطرسالغاشم ووسائل هذا الصراع، العصيان والثورة والتحرك بانظمةسياسية جديدة تعطي المواطن حقه في اختيار شكل النظام ورموزه،وتسمح له بتغييره حسب مقتضيات الحاجة، كما دعا الى العملبالدسايتر الموجودة والى صياغة دساتير حيث يجب ان تكون فيالاقطار العربية لتنظيم العملية السياسية، ما يؤدي الى اصلاح الخللالقائم في العلاقة بين الحاكم والمحكوم.

وقد اظهرت رواياته، ان الاسلوب الذي يتبعه الحاكم، السلطوي هونفسه في جميع الامكنة وكل الازمنة، لانه محكوم باسلوب تفكير تقليديلعله استمد بعض ملامحه من الحياة العربية القديمة ولم يستطع علىالرغم من انفتاحه على الغرب التخلص منه، وفهم ان السياسة تعنيالسيطرة المطلقة والطاعة الدائمة.

ان المنطقة العربية داخل روايات منيف قد تشكلت  بحسب الرؤية التيارادتها الدولة وكشفت بذلك عن وجه الحاكم وابرزت التباين في الاراءوازاحت الستار عن الوضع الاجتماعي البائس الذي يعيشه اهلالمنطقة، وهكذا استطاعت ان تغلب مصالحها على حساب حاجاتالمواطن وحقوقه، ومنها الحقوق الفكرية، كونها تسمح للانسان ان يتعلمويتطور وبالتالي يحدد المكانة التي يحتلها مجتمعه بين المجتمعاتالمتحضرة، فكيف كانت هذه الحقوق في روايات منيف؟ وكيف تعاملمعها كل من المواطن والحاكم؟

يتمظهر الفكر لدى الفرد والجماعة في افعال تؤدي الى الاختراعوالابداع والتنظير والتفكيك في جميع ميادين الحياة. وتبرز معه قدرةالانسان على التحدي والاستمرار في سبيل تلبية احتياجاته العلميةوالسياسية والثقافية، حيث يؤسس لثقافة المجتمع وبلورة عقله ووجدانه.

يربط منيف في رواياته بين الحرية الفكرية والحرية السياسية، اذ يجبانتكون حقاً عاماً متساوياً بالنسبة الى الجميع ليتسنى لهممتابعة حياتهم بحرية وليخلقوا بالتاليجبهة ثقافية عريضة يقومعليها وجودهم الفكري الحر.

لقد دلت روايات منيف الى انتهاك فاضح لحرية الدين والتفكير علىالرغم من ان الميثاق العربي لحقوق الانسان قد كفل للمواطن هذاالحق ولم يسمح له الحاكم بممارسة حقوقه الدينية بعيداً عن سلطته. واستغل العلماء لاستصدار فتاوى تعطيه الحق في استخدام الدينلمصلحة موقعه وسلطته ما ابعد الممارسات الدينية من الاعترافبالحقوق للمواطنين ومن ثم حصولهم عليها.

وقد وضعت السلطة يدها على الاحزاب وعملت على تأسيس العديدمنها لتكون بذلك ممارسة ديمقراطية زائفة فأيقظت عند اصحابالنفوس الضعيفة حس المنفعة المادية او السياسية وحولت البعض الىادوات طيعة في خدمتها.

لم توفر الفنون ونالت من الفنانين، وقايضتهم على حياتهم لتفرضعليهم الانصياع والموالات، واحكمت سيطرتها على المرافق العامةللبلاد، وحجبت الثقافة عن مواطنيها، وقدمت لهم الثقافة التي تعنيها،فانشأت الصحافة ومولتها لتكون الناطق الرسمي باسمها.

ويرى منيف انه ازاء هذا الوضع نحتاج الى خطة ثقافية ترشيدية توجهالاعلام المرئي والمسموع الى ممارسة الحقوق الفكرية بشكلهاالصحيح وان نخصص على صفحات الاعلام المقروءة مساحات تشيرالى حقوق الانسان وتعمل على ترسيخها كحالة ثانية في المجتمع.

وتشير الوقائع في روايات منيف الى ان الغرب يعمل على ابقاء المنطقةالعربية في حالة غليان دائم والى حالة من عدم الاستقرار او الشعوربالامن لتبقى مرتهنة له وكي لا نحقق له اهدافه علينا، ان نبدأ منانفسنا فنوقف خطر الالغاء الدائم للانسان والانظمة والا نساهم فيخلق نظام دولي جديد يخدم مخططاته ويعيد المنطقة الى استعمارجديد آخر والى هيمنة اخرى.

وتؤكد الاحداث ان ميثاق حقوق الانسان وضعناه لنحافظ على حقنافي الحياة ولنشعر في ظله بالامان من القهر والتعذيب على حقنابالمساواة ليس الا كلاماً جميلاً منمقاً يدغدغ العقل ويراود النفس فيحياة مثالية لكنه لا يحظى في ظل الاجواء السائدة بانه فرصة للتطبيقالفعلي.

ترك منيف اسئلة الحرية تطرح نفسها على الجيل الصاعد وقد حملهمسؤولية النهوض بالمجتمع ونفض الافكار البالية وحثه للبحث عن كيانهوبالتالي العمل على ايجاد كيان ثقافي خاص به.

ان الكتابة الثورية التي مارسها منيف في معظم اعماله هي كتابة فعلالواقع اكثر منها مسألة انفعال بالحوادث ومن ثم تصويرها تصويراًدقيقاً، فهو لا يلجأ الى التلاعب على مسألتي الزمان والمكان ليدلكعلى حسن استعماله للانماط والاساليب الحديثة في الرواية، وقد دلتاعماله على انه محكوم بالتسلسل التاريخي المنطقي.

في سياق الموضوع ذاته، يرى منيف في رواياته ان الانسانمخلوقخطير الشأن في دورة الحياة لما فيه من قدرة بعض الباحثين علىالفعل ورد الفعل، ويشير آخر الى ان الحق في الحياة والوجود والبقاءهو مناكثر الحقوق الحاحاً طالما ان الانسان يعيش ضمن الاحوالالقانونية التي تتحدد في بلده ومن اكثر القواعد اهمية هي الا يتعدىاحد على الاخر او مجموعة على اخرى وهذا يعني حمايته من عدوانالافراد الآخرين عليه ومن سوء استعمال السلطة الذي قد يؤديبحياته.

ان حق الحياة حق مقدس واساسي ولكل فرد في هذا المجتمع حقالعيش معززاً مكرماً سعيداً في حياتهوليس لأحد ان يمس حياته لافي جسمه ولا في روحه فهل توصل المواطن في روايات منيف الىتحقيق العيش بكرامة وحرية؟ وهل ساهم الحاكم في المحافظة علىحياة مواطنيه؟ وبالتالي هل فهم هذا الحق فهماً جيداً؟ وهل عملبالنص القرآني وشرعة حقوق الانسان اللتان حرمتا قتل النفسالبشرية اياً كانت الا بالحق؟

لقد كشفت روايات منيف وابطاله، العالم الذي يعيشون فيه فنلمسمعهم ان لا رأي الا للطبقة الحاكمة وكلماتها يدعمها في ذلك سيادتهاوسيطرتها على حياة المواطن وحقه في ان يعيش حياته بعيداً من القهروالتعذيب والحرب واذا بها تمارس كل الاساليب التي تحرمه الحياةوتضيف اليها الخوف والرعب والاظطراب والقهر ما يدفعه نحو اليأسوالاندحار ولا يستطيع بعد ذلك مواجهة اية صعوبات قد تصادفه.

وتبين لنا انه حين امتلك الشجاعة ليتصدى لها ويشير الى جشعالحكام وتقصيرهم في حق شعوبهم، كان السجن بانتظاره، وقد اصبحفي ما بعد المكان الذي احكموا فيه سيطرتهم على شريحة واسعة منالناس جمعت الى المثقفين الاغنياء والفقراء واصحاب العاهاتالجسدية والنفسية حيث مثلوا في هذه العزلة صوت الحق ونطقبعضهم بالحقيقة التي لا يجرؤ احد على البوح بها.

واشار منيف الى اساليب التعذيب التي استخدمت ومدى استفادتادارة السجون من التقنيات العصرية فاستعملت الادوات الحديثة الىجانب القديمة لتنتزع الاعترافات من السجناء وتنال من سلامةجسدهم وفكرهم ونراه، كيف انغرس في الهم السياسي والاجتماعي،وحاول التفتيش على ارض الواقع عن ادوات الادانة في داخله، ورسملنا شخصيات واقعية حية تلهث في الاجواء العربية خلف الحياةالهادئة وتنفس من اجوائها المشحونة بالعنف المليئة بالضبابوالفوضى والارتباك.

وردعت السلطات الانسان عن الحس الجماعي الوطني ودفنت فيهالحس الى التغيير ولم تضمن له الحياة، ونال المثقف ما ناله غيره منابناء وطنه من المعاملة القاسية والقهر، وشعرنا ان المجتمع قد انقسمالى عالمين عالم القهر العاتي المتوحش وعالم المقهور من الوجع ويكتبانفعالاته قدر ما يستطيع.

وقدمت لنا رواياته ابطالاً يشعرون انهم ضائعون يبحثون دائماً عنشيء معين ولا يجدونه، نظراً الى عدم احساسهم بالانتماء الى ايةطبقة من طبقاته، وهنا تتجسد الازمة في الجيل الصاعد حيث تبدوخيبته في تحقيق احلامه وهو يتفادى المواجهة ويجد في الاغتراب حلاًلكل المشاكل التي يعاني منها.

وتبدو لنا الازمة الاجتماعية الاكثر تفاقماً، وذلك حين تتداخل الاسبابالسياسية والمعتقدات الدينية والمذهبية واختلاف التشكيلاتالاجتماعية، وابعد سلطة المؤسسات الحقيقية لتدخل في سلطةالاشخاص والطوائف.

نلتقي في روايات منيف شخصيات كثيرة تصرح امامنا عن وضعهاومكانتها، نتعرف من خلال احاديثها الى ابعادها الخارجية والداخليةوالاجتماعية فتضعنا حينها امام صور عن الحياة التي تحياها وهيتحمل مزيحاً من الفرح والخوف والحزب والاضطراب، وتدلنا في ذلكالى سمات المجتمع بعلاقاته المتبادلة مع الفرد، وتشير الى تناقضاتهواتجاهاته الفاعلة.

يؤمن منيف، ان كل شخصية يمكنها ان تكون فاعلة ومؤثرة، وذلك تبعاًللموقف الذي يضعها فيه الروائي، وهي بالتالي تستطيع ان تسلم رايةالنضال الى شخصية اخرى قد تكون اكثر فاعلية، انه يريد للجميع انيشارك في البناء كل بحسب قدراته.

لقد وظف منيف كل المقومات الروائية الفنية للتدليل على الازمات التييعاني منها المجتمع، ويشير من خلال رواياته ان هذه الازمات هياستمرار لما كان في الماضي، وانها ازمة على مستوى التعامل المحليوعدم انتاج فكر حديث يتمكن من التعاطي مع النهضة الجديدة فيمختلف المستويات وقد اكد من خلال طرح العلاقة مع الغرب حيثاستطاع ان يؤسس لحضارة واهية ضعيفة لا تساعد من يتمسك بهابالقفز نحو المستقبل.

ان معظم الشخصيات بما فيهم الحاكم العربي، لا يزال ينظر الىالماضي ولم يستطع التخلص منه، ويحاولون دائماً ان يبنوا عليهحياتهم، وكأنه الدستور الذي لا يجب ان نحيد عنه، وهنا تتبدى ازمةالتخلي عنه، كما اننا نلمح بعض الشخصيات التي قفزت الىالمستقبل من دون ان تلتفت الى الماضي او الى الحاضر، وفي كلاالحالتين لم يصل المواطن الا الفراغ الفكري والثقافي والاقتصاديوالاجتماعي. هل لهذه الاشكالية علاقة بالغرب؟ وهل يرفض الذينيتمسكون بالماضي الانفتاح على الغرب بالمطلق؟ ام انهم يرفضونالاساليب والعادات والقيم والتقاليد؟ ونحن نلمس فعلاً عدم التفاعل بينالشرق والغرب والعلاقة بينهما لم تؤد الى تفاعل مستمر. فالمجتمعالعربي وقف مأخوذاً بكل ما هو وافد من الغرب، ولأنه لم يفهم ما يمكنان يعطيه له الانفتاح عليه فهو لم يتقبله، وراح يحاربه بشتى الوسائل.

في المقابل لم يؤسس الغرب لعلاقة تفاعلية مع الشرق وقد وضعنا يدناعلى اهدافه، وتبين انه جاء الى الشرق كفاتح وكمستعمر، وقد جندلذلك المبعوثين على المستوى السياسي والثقافي والعسكريوالاقتصادي، وراح يعمل على تفريغ المنطقة من ثرواتها وتجريدها منقوتها ما ادى الى تفريغ العقل من محتواه، وعمل على اخضاعه فيالمستويات كافة ما ساهم في توسيع الهوة وسلخ اي تفوق عن الامةالعربية ولا نعرف لم ترضى بذلك؟!!

* الكتاب:

حقوق الانسان في روايات عبد الرحمن منيف، تأليفخديجة شهاب،ط1، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 2009، 686 صفحة

[email protected]