22 ديسمبر، 2024 11:25 م

حرية التعبير عن الشر!!

حرية التعبير عن الشر!!

ما نسميه بالديمقراطية في مجتمعاتنا ، ترافق مع جهل مروّع ، وصارت الثوابت والمعايير ، تُقدَّم بآليات وأساليب غريبة ومنافية للقيم والأخلاق الوطنية والإنسانية ، ولا تمت بصلة إلى الديمقراطية ، بقدر ما تتقنع بها، وتتوهم بأنها تعبر عنها.
فاتخذت حرية التعبير عن الرأي ، منطلقا للتعبير عن الشر ، بأنواعه ووسائله ، ومنابره.
فأصبحنا نكتب بحبر الشر ، وندّعي بأنها حرية التعبير عن الرأي.
والعجيب في أمرنا ، أنّ الذين حوّلوا حرية التعبير عن الرأي ، إلى حرية التعبير عن الشر ، هم من الذين يعيشون في مجتمعات ديمقراطية ، ووفقا لقوانينها وأنظمتها ، تمكنوا من إنشاء الصحف والمؤسسات الإعلامية , التي صارت موطنا لحرية التعبير الفظيع عن الشر فأسهمت بالتداعيات الحاصلة في مجتمعاتنا , التي قامت بمحاولات توهمت بأنها ديمقراطية ، وما هي كذلك ، ولم تؤكد في سلوكها وأنظمتها بأنها على صلة ومعرفة بها.
إنّ حرية التعبير عن الرأي تعني أن يكون الرأي بنّاءً ومتصلا بموضوع يهم المصلحة العامة ، ووفق ضوابط ومعايير سلوكية لا تخل بشرف الوطن والإنسان ، وتحترم الآخر بكل ما فيه ، وتستند على الأدلة والحجج الواضحة، المنوِّرة للفكر والمهذِبة للسلوك .
وأنْ يكون التعبير عن الرأي هادفا ومسترشدا ببوصلة الحفاظ على سلامة الإنسان والوطن والكيان القائم في المجتمع.
فلا يسمى الهجوم المشين على الأشخاص ، والكتابة بإنفعال وغضب وكلام بذيئ ، تعبيرا حرا عن الرأي.
ذلك أنّ تجاوز حدود الأدب والأخلاق والمقاييس الحضارية اللازمة لبناء المجتمعات المعاصرة ، لا يُحسب إلا تطاولا وإعتداءً ، وهناك قوانين تهذب هذا السلوك وغيره.
وما يحصل في مجتمعاتنا ، أننا نتشاجر، ونستخدم مفردات سيئة ، ونكيل الإتهامات لبعضنا ، وندّعي ما ندعيه ، ونحسب ذلك حرية التعبير عن الرأي ، وما هو كذلك على الإطلاق.
ولا يوجد مثل ما نكتبه في صحف الدنيا الديمقراطية , فلا يمكنك أنْ تنال من الوطن ، وتتعرض للأشخاص ، والمعتقد واللون وغيره من الصفات التي يتميز بها الناس.
في المجتمعات الديمقراطية ، إذا تعرضتَ لمعتقدِ إنسان آخر سيحاسبك القانون ، وإنْ تهجّمت على آخر ستتعرض لمساءلة القانون ، وإنْ وصفتَ أي إنسان بما لا يرغب ، ستصبح تحت طائلة القانون.
أما إذا كتبت عن إنسان ما دون موافقته ، فأنت والصحيفة التي كتبت فيها ستكون تحت صولات المساءلة والمحاسبة , والقوانين صارمة وفورية ولا تقبل المماطلة والمساومة.
الذين يحسبون حرية التعبير عن الشر ، حرية تعبير عن الرأي ، يعرفون ذلك جيدا ، مما يجعلنا نتساءل ، لماذا يكتبون بحبر الشر ، ولا يؤسسون لدعائم التعبير عن حرية الرأي ، وفقا لما يرونه من حولهم في المجتمعات التي هم فيها؟
إنّ مجتمعاتنا ، وأقلامنا في مأزق أخلاقي وسلوكي عليها أن تواجهه ، قبل أن يطغى الشر ، ويحترق الجميع في سجير الخسران والهلاك الأبيد.
فهل سنعبّر عن حرية الرأي حقا ، أم سنبقى ندين بحرية التعبير عن الشر؟!