22 ديسمبر، 2024 8:22 م

حركة التصحيح والتجديد والابتكار في الأدب الذرائعي العربي – 2

حركة التصحيح والتجديد والابتكار في الأدب الذرائعي العربي – 2

اشكالية التعقيد والغموض والتكثيف في الأدب العربي – من وجهة نظر ذرائعية

كيف نفرق بين الأسلوب الصحفي والأسلوب الأدبي في قصة تروى من شخصين, الأول يرويها كخبر صحفي, والثاني يرويها كنص أدبي….؟

سؤال مهم جداً يحتاج وقفة و توضيح في الإجابة, ويقودنا جوابه إلى التفريق بين الأسلوب الصحفي الإخباري التقريري الإعلامي, والأسلوب الأدبي، و هذه جدلية لم يفهمها الكثير من الناس, ومنهم بعض الأدباء، لأن الفرق بين الأسلوبين يسمى بالمعنى العام (التعقيد), أي النص الصحفي يروى بلغة علمية بسيطة مباشرة مجردة من كل التعقيدات الجمالية، يفهمها ويرويها حتى الطفل ذو السنتين من العمر، أما الأسلوب الأدبي, فعصي على الإنسان الاعتيادي كتابته و روايته الا من خبير بالأدب ، لأنه يخضع لعوامل فنية وجمالية والتي أسميناها بالتعقيد وهي:

• البناء الفني
• والبناء الجمالي

فالنص الصحفي يخضع لمبدأ الحبك, ومعنى الحبك هو احتواء النص على تشابك سردي، وعقدة وانفراج يفضي إلى نهاية ليكون الخبر الصحفي في حيز الفهم والإدراك لكونه إخبارًا فقط….

أما النص الأدبي فيأخذ البنائين معاً، البناء الفني والبناء الجمالي، وهذا هو الفرق الأول بين النص الصحفي الذي يخلو من الجمال الأدبي, والذي يتفوق عليه النص الأدبي بهذه الصفة الجمالية، وهي البلاغة من بيان وبديع وعلم الجمال والانزياحات نحو الرمز والخيال…وتلك أشياء مهمة تقر أدبيّة الكاتب، وتفرزه عن الإنسان الاعتيادي….

إذًا الصعوبة بين النصين تكمن بالبناء الجمالي المضاف للنص الأدبي, والذي يخلو منه النص الصحفي الإخباري، أما النص الأدبي وكاتبه فيتمتع بهذه السمات:

• استراتيجية الأديب
• وتكنيكه المستخدم في النص، أي طريقة الأديب في الكتابة
• وتفوق الأديب الأكاديمي وثقافته في الكتابة
• وطريقة إستيعابه و استخدامه النظريات والمدارس الأدبية
• واجادته الأسلوب الأدبي المميز للأديب بأنواعه

وبعد التطورات التي طرأت في الأدب في القرون الثلاث المنصرمة, دخل الأدب سبعين مدرسة ومذهب أدبي, وتلك المدارس والمذاهب أضافت الكثير للأدب, وعندها أصبح الأدب جزءًا من الفن، ودخل المدارس الفنية كما دخلها الرسم والموسيقى، ظهرت المدرسة التجريدية(abstract), التي حررت الرسم من الشكل, وصار التعبير بالألوان بديلًا للأشكال، بنفس الأسلوب دخل الأدب التجريد وصار التعبير على الأحداث بالكلمات والجمل دون الأحداث، وكما صار الرسم بالألوان والموسيقى عزف بالأنغام، صار الأدب رسم وعزف بالكلمات, عندها يدخل النص تحت نظرية الأدب للأدب، يتكلم الأدب عن نفسه بأدواته، وأحيانًا تمزج معها نظرية الفن للفن تحت مذهب رومانسي، ترتفع نسبة الجماليات اللغوية والمعاني المؤجلة في النص حد الانبهار، حين يطفى السرد والاسلوب على عملية التبليغ ، ويبرز الإبداع الادبي في السرد موازيًا للشعر ، عندها يظهر نوع من الأدب يدعى (بالأدب الموازي), وهذا النوع من الأدب يكون السرد فيه مكثفاً كما في الشعر، بمعنى ان القصة تكتب بطريقة شعرية خالية من الموسيقى, كما حصل في المقطوعة السردية التي تجمع بين النص المفتوح والقص, والتي تكتب بالأدب الموازي، تحت نظرية الفن للفن وبنسحة من المذهب الرومانسي …

إذاً من يدرك الأدب الحقيقي, ويتذوق حلاوة السرد والتعبير, وليس الحدث، سيفهم الفرق بين :

❖ التعقيد والغموض والتكثيف،
❖ و الحدث والأسلوب الأدبي,
❖ و الإخبار والسرد,
❖ والأسلوب والسرد،
❖ والاستراتيجية والتكنيك,

وتلك جميعاً تسمى بأدوات الأديب، وعلينا أيضاً أن نفرّق بين الأدب الموازي والأدب السريالي الغامض، والفرق هنا أن السريالية هدفها الغموض بحد ذاته, كهدف أساسي في مكنوناتها الفارغة, فهي رجم في الظلام، حيث يكتب صاحبها في لغة لو فهمها هو لخرج عن السريالية و تحول إلى مذهب آخر من درجات الرمزية ….

إذًا السريالية فارغة من الشكل والمضمون, أما الأدب الموازي فيحوي الشكل الجميل والمضمون الأجمل, ارهاصات الكاتب وأحاسيسه ويتميز هذا الادب بثقل الاسلوب الذي يحوي العناصر التالية:

1-اللغة
2-الفكرة
3-الصورة الادبية
4-الخيال
5-العاطفة
6-الرمز
7-التشوي
8 -البلاغة
9-علم الجمال
10-التأثير
11-خصوصية الكاتب بتقنية اسلوبية مميزة

وتلك العناصر جميعاً حين تجتمع في الاسلوب يصبح كثيفاً ، والكثافة في الاسلوب هي الرصانة الادبية وتسمى نقدياً بالشكل ويزداد النص رصانة اذا اقترن الشكل بمضمون موازياً له بالتكثيف الايديولوجي الانساني ، ومن هنا علينا أن ندق إسفيناً بين الأدب واللا أدب، فالأدب الحقيقي ليس إخبارًا صحفيًا وسردًا لأحداث تكررت ملايين المرات في عصر لم يبق فيه شيء لم يقال, أو حدث لم يحدث، بل الأدب إبداع وجمال يجتذب المتلقي ليس بالحدث كخبر في جريدة، لأن الأخبار اليومية بوسائل الاعلام المختلفة كفيلة بذلك, بل بالتكنيك الجمالي للأدب والتكثيف المعمد بالبلاغة والمثير للتفكير ومخاطبة العقل، وقد ولى عهد الأخبار وقصص السابقين التي أصبحت جميعها أفلام ومسلسلات مرئية، وعلينا متابعة الأدب المقروء, ونترك الأدب الإخباري الإعلامي التقريري المرئي لمشاهدي التلفزيون..

أظن أن الفرق بين الغموض والتعقيد والتكثيف صار واضحاً يهذا المقال المتواضع ، أيهما من تلك التعابير الثلاث(التعقيد أو الغموض أو التكثيف) هو الأدب بعينه، وعلى الأديب أن يميز الأدب من اللاأدب…..وهذا يأخذنا نحو تساؤل أكبر من التساؤل الاول :

– إذا كان القص سرداً إخباريا لحوادث متكررة، فأين الإبداع في الأدب,,,!؟
يتبع……

يتبع