22 نوفمبر، 2024 3:43 م
Search
Close this search box.

حرب الخليج الثانية 1991 الدور السعودي والقرار الامريكي

حرب الخليج الثانية 1991 الدور السعودي والقرار الامريكي

يقول بوب ودوورد مؤلف كتاب (القادة: اسرار ما قبل وبعد حرب الخليج) في معرض كلامه على ردود الفعل الاولى بعد الثاني من اب عام 1990: ((كان بندر بن سلطان بن عبد العزيز سفير المملكة السعودية في واشنطن، قد اظهر بشكل متكرر بأن له اتصالاً مباشراً مع الملك فهد، وبأنه يستطيع ان يقدم قراءة فورية لمواقف الملك.. وكان بندر متحيزاً للولايات المتحدة في معظم الامور. ولذلك كان سكاكروفت، مستشار الامن القومي ابان تلك الفترة، متأكداً بأن بندر كان له اتصال مباشر مع بوش متى كان ذلك ضرورياً))(1).

وحين يعطينا ودوورد هذه التعليقات والاحكام، فانه لا يفترضها افتراضاً ولا يرتجلها ارتجالاً.. لقد كان هذا المؤلف، وهو مدير تحرير جريدة الواشنطن بوست، قد تعقب دور بندر في قضية (ايران كونترا) تفصيلياً، ومن خلال العلاقة مع وليم كيسي مدير المخابرات المركزية في عهد الرئيس الامريكي رونالد ريغان، حيث كان كيسي ورئيسه ريغان ونائبه في حينه جورج بوش الاب وبويند كستر وبندر نفسه، الاشخاص الاساسيين في تدبير صفقة ايران ــ كونترا المركبة التي رتبت فيها السعودية، بعلم الملك فهد وبواسطة سفيره في الولايات المتحدة بندر بن سلطان نفسه، وعبر الوسطاء والمهربين وبطلب من وليم كيسي ذاته تمويل متمردي الكونترا ضد الحكومة الساندينية الثورية في نيكاراغوا مقابل تزويد ايران بالسلاح وقطع الغيار عبر اسرائيل، خلال الحرب العراقية ــ الايرانية.. وقد تتبع ودوورد هذا الامر تفصيلياً في كتاب سابق له اصدره تحت عنوان (الحجاب: الحروب الخفية لوكالة المخابرات المركزية الامريكية) يقول فيه بعد تتبع تفصيلي لوقائع هذه القضية التي اثارت ضجة كبيرة في الولايات المتحدة وهزت الادارة الامريكية سنوات: ((سافر بندر الى السعودية، وبعد موافقة الملك احضر شيكاً حكومياً سعودياً بقيمة ثمانية ملايين دولار كدعم خفي للكونترا. اعطى مكفرلين رقم الحساب المصرفي للكونترا لمساعدة المقدم اوليفر نورث وكان الرقم 48 ــ 541 في البنك الدولي ب.1.س، في جزر كايمان. وفي يوم الجمعة 22/حزيران التقى مكفرلين وبندر في البيت الابيض وسلم مكفرلين السفير السعودي بطاقة مطبوعة فيها رقم الحساب وذلك لضمان السرية))(2).

حين وقعت احداث 2/اب/1990، كان بندر في لندن، فأمر طائرته الخاصة بأن تقله فوراً الى الولايات المتحدة(3).. وهنا لابد من ان نلاحظ ملاحظة مهمة في هذه الحركة، تؤكد ما اورده ودوورد نفسه حين قال عن بندر انه كان متحيزاً دائماً للولايات المتحدة.. فأزاء حدث خطير كالذي جرى في الثاني من اب، وحين كان بندر سفير السعودية في لندن، لم يتوجه الى الرياض لكي يستطلع الموقف قريباً من الميدان ويتلقى التوجيه من حكومته بل توجه الى واشنطن حيث مركز القرار.. وستبين لنا من سياق الاحداث، ان صورة الميدان لم يكن قد تلقاها الامراء السعوديون بما فيهم الملك ولا سفيرهم في واشنطن من الميدان الحقيقي نفسه، حيث تجري الاحداث والوقائع على الارض وانما تلقوها من واشنطن واجهزة اداراتها ومخابراتها، ومنها ايضاً تلقوا القرار وأعادوا صياغته بصيغة استدعاء القوات الامريكية الخاصة الى ارض السعودية..

يقول نورمان شوارتزكوف، القائد الامريكي لقوات التحالف الغربي في مذكراته ناقلاً رأي قائده العسكري كولن باول له قبل اجتماع مجلس الامن القومي الامريكي غداة الثاني من اب/1990:- ((اظن اننا سندخل الحرب من اجل السعودية ولكني اشك ان ندخلها من اجل الكويت))(4).

وفي واشنطن حيث مركز القرار، وبعد اللقاء الذي جرى بين بندر وسكاكروفت، اوضح ديك شيني وزير الدفاع، بأن سكاكروفت اتصل ((لتوه ليقول بأن الرئيس يريدهم ان يطلعوا بندر على الشق الثاني ــ خطة العمليات 90 ــ 1002 .. وحسب اوامر الرئيس، فأن على بندر رؤية آخر صور الاقمار الصناعية بالغة السرية..))(5).. ولكي نأخذ فكرة بسيطة عن خطة العمليات المذكورة، فمن المفيد ان نعود الى شوارتزكوف في مذكراته، حيث تقول: ((وقدمت عرضاً بخطط تفصيلية كنا قد صنعناها حول هجمات جوية وبحرية، يمكن لنا ان نشنها على العراق وقدمت قائمة بما يسمى بالاهداف الثمينة: مقرات القيادة العسكرية، محطات توليد الطاقة، المصانع..))(6).. كان اذن كل شيء، مما جرى معداً سلفاً في خطة للطوارئ.. وكان بامكان الولايات المتحدة ان تشرع بالتنفيذ فوراً.. ليس في الثاني من آب عام 1990، او بعده، بل متى ما تطلب الامر ذلك وحيثما وجدت المبرر او الغطاء.. وكان امراء آل سعود على علم بذلك، وعلى استعداد لتقبل ما يطلب منهم بصدده.. وليس توجه بندر سفيرهم الى واشنطن فور سماعه بالانباء بدلاً من الرياض الا نتيجة لذلك وليس سبباً لقدوم القوات وما ترتب علي ذلك من اسلوب لادارة الازمة.

لا نريد من هذا العرض ان ندخل في تفاصيل العلاقة بين رموز النظام السعودي والادارة واجهزة الاستخبارات والمخابرات الامريكية، فما نحن بحاجة لذلك، انما قصدنا من ذلك كله ان نتخذ منه مدخلاً لعرض صورة او نموذج لهؤلاء الامراء وهوامشهم من خلال العرض الذي تقدمهم به مؤلفات واجهزة اعلام الغرب عامة والولايات المتحدة خاصة، لكي نكوّن تصوراً هو اقرب الى الواقع، كون تلك المؤلفات والاجهزة هي الاعرف بهم وبتفاصيل حياتهم الداخلية من جانب، وكون تلك الصورة ــ وهي حقيقة على كل حال ــ تسهل عرض الانسان العربي من خلال هذه النماذج بما يوفر الغطاء التضليلي للادارة الامريكية والغربية عامة لتمرير مخططاتها التعسفية ازاء العرب بصفتهم امة اعتادوا ان يحملوها وزر هذه الصورة المتخلفة المتهافتة التعيسة بالفعل.

¤ بندر بن سلطان في نظر ودوورد

يصف مؤلف كتاب القادة، خيلاء شخصية بندر بن سلطان بن عبد العزيز آل سعود، بانها: ((كانت تلائم ذلك الجانب من ادارة بوش والذي يتصف بقسوة وشدة راعي البقر)) كما ((كان مشبعاً بالعادات الامريكية)). ثم يواصل ودوورد مدير تحرير (واشنطن بوست) وصفه شخصية بندر فيقول: ((كان الامير يقوم بالادوار السياسية والاعلامية بالسيكار والهدايا والدعوات والمعلومات والقصص المريبة والنكات العملية، ومنها، دمية منفوخة بحجم طبيعي لامرأة عارية وهي تمثل صحفية يهودية كانت صديقة له.. وكان الامير ناعماً ولطيفاً، وفي الوقت نفسه يمكن ان يوصف بالصبيانية والقسوة..))(7).

وفي الحقيقة ان كلام ودوورد لا يقتصر على ما اثبتناه في هذه السطور وانما اوردنا ما اوردناه ليكون نموذجاً لكلام واحد من رؤوس الكتابة السياسة والاعلامية في الغرب عن هؤلاء دون ايما شعور بالفجاجة، ولو ان احداً من الكتَّاب العرب اضفى مثل هذه الصفات على هذا الامير بما يحمله منصفة سياسية ومن صلة بأرومة العائلة السعودية لاتهمه بالتشهير وعدم اللياقة والتحامل وربما بمجانبة اخلاق وتقاليد الكتابة السياسية.. غير ان الكلام الذي اوردناه هو لكاتب معروف في امريكا والغرب وفي اوساط الصحافة والكتابة السياسية في العالم كله.

ويهمنا في هذا المجال ان نعيد القول بأن هذه الاوصاف التي اوردها ودوورد في كتابه هي اوصاف سفير المملكة السعودية في الولايات المتحدة وابن اخ الملك.. وهي اوصاف ينبغي ان نتوقف ملياً امام كل منها ونعيد قراءتها بامعان، لكي يتبين لنا مغزاها من الناحيتين الاخلاقية والسياسية في آن واحد.. على انه ينبغي ان لا تثير هذه الصفات عجبنا واستغرابنا، فلطالما كتب الكثير من الكتّاب عن الكثير منهم حتى اصبح مثل هذا الكلام مكروراً ومألوفاً حين يصدر عن ايما كاتب بايما مستوى في الغرب حول ايما شخصية بايما مستوى من هؤلاء الامراء.. ولمزيد من المعلومات عن هذا المستوى الاخلاقي ــ السياسي في منزلة أعلى من منزلة سفير السعودية في واشنطن، فمن المفيد ان ندرج نصاً للكاتب نفسه.

ففي الكتاب نفسه يصف الملك فهد شخصياً، اذ يقول عنه انه: ((كان يأخذ الفتيات المراهقات للانهماك في ممارسة الجنس والمداعبات.. في طائرته البوينغ 747، وذلك حين كان يدير المملكة كولي للعهد..))(8).

ـــ أليست الادارة الامريكية على علم بمستوى هؤلاء الامراء وسلوكهم؟

ان هذا السؤال في منتهى السذاجة.. ذلك ان اجهزة الادارة والمخابرات الامريكية لا تقتصر على الرضا عن هذا المستوى فحسب بل هي تشجع عليه وهي التي تدفع الى الكتابة عنه هناك في الولايات المتحدة، وفي الغرب عامة، وترويج الكلام عليه في شتى قنواتها الصحفية والاعلامية الاخرى، وكلام هذا الكاتب ذي الصلة المعروفة ــ والتي يتحدث عنها بوضوح في كتاباته ومؤلفاته المتاحة ــ بأعلى اوساط الادارة الامريكية واجهزة مخابراتها ليس الا حالة واحدة من الحالات العديدة بل التي لا تعد في هذا الباب.

ان المواطن الغربي والامريكي خاصة غير معني في خضم حياته اليومية وغير مطالب ايضاً بالفصل والتمييز بين سلوك هؤلاء الامراء المترفين وبين مفهوم الانسان العربي.. فهو معني مباشرة بما يرى ويسمع.. وهو عبر هذا السلوك مهيأ، نفسياً وذهنياً لمعاملة العربي من هذا المنطلق لا سواه.. ولطالما تحدث الكثير من الكتّاب عن دور اليهود في ترويج هذه الصورة التي يكونها سلوك هؤلاء الامراء الباذخين عن العرب في ذهن الانسان الغربي.. والحقيقة ان دور اليهود والمؤسسات الصهيونية وتأثيرها في اوساط الاعلام الغربي هو دور حقيقي ومؤثر ومعروف.. غير ان الحقيقة الثانية والمهمة التي ترتبط بالاولى ولا تنفصم عنها، بل هي التي تغذيها بالرواج والفعل والتأثير، هو ان هذا السلوك هو السلوك الفعلي واليومي لهؤلاء الامراء ولولاه لما وجدت مراكز التأثير الصهيونية والغربية ما تستند اليه لتكوين الصورة عن (العربي الذي يمتلك ثروة النفط ويمسك بعصب الحياة الغربية) وبالتالي فانه وهو بهذا السلوك يغدو غير جدير بهذه الثروة، ويصبح موضع نقمة تنتظر الفرصة للتعبير عن نفسها بمختلف الاشكال والوسائل ومنها وسيلة القتل عبر اي صيغة من صيغ الصدام بما في ذلك الحرب..

وفي مقالة للامريكي من اصل عربي (البرت مخيبر) نشرتها مجلة (جسور) التي تصدر في واشنطن بالعربية والانكليزية، يصف لنا الكاتب كيف كان الرأي العام الامريكي جاهزاً للاجهاز حتى على الامريكان من اصل عربي في الولايات المتحدة بمجرد ان بدأت ازمة الخليج.. ويستشهد بأمثلة واقوال شاعت على ألسنة الامريكان من بينها: (سأمشي ميلاً من اجل تدخين بعير). ويقول الكاتب المقصود هنا هو ليس المعنى النصي وانما المقصود هو (من اجل قتل عربي).. مع اطلاق صفات بذيئة على العرب مثل (زنوج الرمل) و(جرذان الصحراء) وما شابه ذلك(9).

وفي خضم الاحداث التي سبقت الثاني من آب عام 1990، وفي جو هذه الصورة المزرية فان السفير بندر بن سلطان بادر ذات يوم بطلب مقابلة مع كولن باول رئيس هيئة الاركان المشتركة للقوات الامريكية والذي كانت تجمعه به كما يقول ودوورد صلة تمتد الى اكثر من عشر سنوات تكونت عبر مهمات وعمليات مشتركة منذ ان كان بندر يرسل في مهمات خاصة الى واشنطن قبل تعيينه سفيراً فيها، ومروراً بمسألة ايران ــ كونترا التي كان بندر احد ابطالها الرئيسيين في عهد الرئيس الامريكي ريغان ووصولاً الى تدبير عملية اغتيال احد قادة المقاومة في بيروت بسيارة مفخخة ادى انفجارها الى مقتل (80) شخصاً من المارة الابرياء، بدلاً من تصفية الشخص المقصود(10). وحين التقى بندر بـ كولن باول، جرى بينهما حوار حول الاحداث الجارية في المنطقة.. وفي معرض الحوار الذي جرى بينهما في مبنى البنتاغون قال بندر: ((حسناً ياكولن.. بالطبع اذا صعد هذا الامر ربما تأتي لتساعدنا جميعاً.. فالسعوديون قد انفقوا عشرات المليارات على الاسلحة الامريكية ومطارات جوية اضافية ومنشآت عسكرية ضخمة، وكان العقد المطبق لسنوات ينص على ان الولايات المتحدة هي التي تقوم بالحماية))(11).

هكذا اذن.. وحين نعود الى خطة العمليات  90 -2011 التي طلب بوش الاب اطلاع بندر عليها غداة الثاني من اب 1990، وحين نربط بين هذين الامرين وبين ما تضمنته الخطة وبين عودة بندر الفورية من لندن الى واشنطن حيث مركز صنع القرار كما يؤكد ودوورد.. حين ذلك ينكشف لنا تماماً ان الامر لم يكن مجرد رعب كونته الادارة الامريكية لدى السلطات السعودية بعد دخول القوات العسكرية العراقية الى الكويت وانما هو أمر مدبر مر بسنوات من العمل والاعداد والتجهيز الذي بلغ عشرات المليارات من الدولارات استناداً الى النص قبل سطور.. كل ذلك من اجل هذا اليوم، يوم ان تكون ارض السعودية وما عليها وما فيها في خدمة الاهداف الاستراتيجية الامريكية حينما يصل بلد في المنطقة كالعراق بكل مكوناته وامكانياته الى هذا المستوى من التقدم والقوة والنهوض.. ولقد حصل ذلك بالفعل.. ولقد كان لما حصل اساس في التاريخ الحديث للمنطقة.

¤ التوثيق:ــ

1- بوب ودوورد ــ القادة: اسرار ما قبل وبعد ازمة الخليج، ص201.
2- بوب ودوورد ــ الحجاب: الحروب الخفية لوكالة المخابرات المركزية الامريكية ، ص306و307.
3- المصدر نفسه، ص201.
4- نورمان شورتزكوف ــ مذكرات شورتزكوف، ص259.
5- ودوورد، القادة..، ص203.
6- شوارتزكوف، مذكرات..، ص293.
7- ودوورد، القادة..، ص168.
8- المصدر نفسه، ص244.
9- البرت مخيبر، مجلة جسور (واشنطن)، العدد 2/3، ربيع/ صيف، 1992، ص85و86.
10- ودوورد، القادة..، ص179.
11- المصدر نفسه، ص180.

[email protected]

1

أحدث المقالات