22 نوفمبر، 2024 9:56 م
Search
Close this search box.

حديث النفس للنفس

حديث النفس للنفس

يقول الذي افتتنَ بدرويش، وابتعدَ كلامُه عن التشويش، أنْ كانَ هناك ملكاً أسَرَته جارية، عندما كانت فَرَسَهُ جاريه، فصار لها عبدا بعد أن كان سيدا، ولمّا بدأ طائرُ قلبهِ بالاضطراب داخلَ قفصِ صدره واشتراها لنفسه وقرَّ بها عينا، شاء القدر أن تمرض الجارية. فجُمع للملك الأطباء والحكماء، وقالوا إنّ لنا لأجراً إنْ كنا نحن الغالبين، قال درٌّ ومرجان وخيرات حِسان، فقالوا بعزتك إننا على شفائها لقادرون. مرَّ الوقت طويلاً كيوم الفقير الذي لا قوت له، وكانتظار محبوب لمحبوبته، ولما رأى الملك عجْزَ من أسند ظهرَه إليهم، دخل محرابَه ساجدا باكيا حتى اتاه النوم، فرأى في منامه شيخا وقورا يبشره بعلاج من أبدلته مقامَه من مقام الملك الى مقام الأسر، على يد رجل غريب.
أصبح الصبح وملكنا ينتظر من كان دواءه ممزوجا بقدرة الحق، فإذا بحمائم البشرى تدخل باحة قصره كخيال امتزج فيه الوجود والعدم، أيجتمع الضدان؟ وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال المعرفة بلاء والجهل نجاة، فقال ملكنا: أقتَرِب، قال الرجل: بل تحترق، قال أعوم، قال بل تغرق. فلما رأى ملكُنا برهانَ ربّه قال الناي من فرع شجرة، عزفه بكاؤه، يشتاق الى أصله ويغني: البعيد عن أصوله لا يزال يشتاق الى أيام وصاله، والناي ليس بأفضل مني. فصار الملك في مقام “قال لا أبرح”.

انتهت الحكاية التي مغزاها أن النفس تجري لهواها ولكن العالية من تلك النفوس، تقف عند الحقيقة ولا تبرحها.

هل ما زلت تتساءل عن مصير الجارية؟

إعلم يا صديقي أن عالمنا قد أختلط فيه الحق والباطل وصار أحدهم يتفاخر بجهله ولسان حاله يقول:
ألا لا يجهلنّ أحدٌ علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا
يقول ابن رشد: لو سكت من لا يعرف لقلّ الخلاف، تراه ماذا يقول فيلسوفنا إذا رأى ما صرنا اليه من كثرة المتكلمين بغير علم الذين يخيل لعوام الناس أنهم سلاطين زمانهم. نعم أصبحت التفاهة سلطانا والنفاق عنوانا. كان في نيتي أن أسرد اليكم بعض المشاهد التي علقت بذاكرتي منذ البداية ولكن مقدمة المقال قد تمردت على كاتبها.
واعلم يا صديقي ان من صدق لسانه فهو صادق ومن صدق قلبه فهو صدّيق، وما أحوجنا الى وقفة مع النفس لنزن اعمالنا وننتقد أفعالنا. واعلم يا صديقي إنك إذا اردت أن تحط من قدر أحدهم بقول أو فعل فأجعل نفسك مكانه فإن كنت بلا خطيئة فلترمه بحجر.
إنها لتذكره فمن شاء ذكره.
واعلم يا صديقي أن العلمَ لا يُطلب من صفحات الفيس بوك ولا برسالة نصية ما أنزل الله بها من سلطان، ولا في برنامج تلفزيوني كان قد قبضَ صاحبُه ثمنَ كلمتِه.
إنما انت مذكر، لست عليهم بمسيطر.

أحدث المقالات