18 ديسمبر، 2024 6:41 م

حدثني التاريخ فقال!

حدثني التاريخ فقال!

كنتُ وقتها مبعثراً.. تحملني أمواج الضياع مثل الملايين! اركض لاهثاً، باحثاً عن ملاذ آمن.

تائهٌ وسط صحراء الحياة، متعثرة خطواتي تحت سياط شمسها اللاهبة.. صارخاً ـ مثل جبرا ـ في ليلٍ طويل.

ووسط طوفان التيه العميق، لاح لي من بعيد، بهيئته الوقور، وعصاه الثابتة الأركان، ووجهه العطوف الذي افتقدته منذ زمن..

مسح على رأسي، ساكباً الطمأنينة في روحي، وأجلسني تجاهه..

من أنت أيها العم؟ سألته.

ألا تعرفني؟ كان هو الجواب!

أنا الماضي السحيق، والأفق البعيد، مدرسة العبر، والفوائد والفرائد والدرر!

أنا التاريخ يا ولدي، وجئتك من الماضي بالنبأ اليقين!

قلت: هات ما عندك فقد اتعبني اقتفاء الأثر!

……………………………

……………………………

حدثني التاريخ، فقال:

بضاعتك هي الأمل، وهواء حياتك هي العزيمة، والاصرار هو سلاحك، وكل الطموح مشروع ما لم يكن اثماً، واليأس هو عدو النجاح، فليبقى عدوا!.

لا تنكسر مهما جابهت من عقبات، فمن للحياة وانت وقودها، وصانع حاضرها، ومؤسس مستقبلها؟!.

 

ثم أمسك بيدي مستدركاً وقال:

ولكني يا ولدي لا أريد لك ان تستعجل قطف الثمار، فالنجاح أساسه وضوح الطريق، وتدرج الخطوات، ومشوار الألف طموح يبدأ بخطوة، والتحليق في عوالم الخيال مصيره السقوط السريع، فلا أريدك ان تُلقى سريعاً في بئر الندم، او مراكب الموت المجانية…

لا أريد لنبضك أن يتوقف!

حياتك بناءٌ، فاعرف كيف تؤسس له، والنجاح هو بصمتك وتأثيرك في مسارات الحياة، لا في كسبٍ سريع من مال وشهرة كذوب فليست هي الأساس.

ولا تصدق كل ما يقال، ولا يخدعنك المخادعون، اذ سحروا أعين الناس!

ولا تنسى خمساً وتجنب خمس:

لا تنسى: الأمل والعمل والطموح والعزيمة والايمان.

وتجنب اليأس والكره والغضب والبناء في غير ارضك والذوبان.

وتذكر:

أنه لا قيمة لأي نجاح دون ان تكون لك هوية، ومبدأ، ورؤية، ومشروع.

دون أي يكون لك وطن..

فلتكن أنت الوطن!

……………………………….

……………………………….

ثم غاب فجأة وصدى صوته يردد قول دنقل:

“هل ترى..؟

هي أشياء لا تشترى”.