23 ديسمبر، 2024 2:29 م

جناحان من ذهب .. وإرث الحياة اليومية

جناحان من ذهب .. وإرث الحياة اليومية

(جناحان من ذهب)* ضمت خمس عشرة قصة قصيرة , وفيها يسعى القاص(أحمد ابراهيم السعد) لبناء سردي يتشكل في الغالب بطريقة درامية , معتمداً صوت (السارد الواحد) , والمحيط بكلية وتفاصيل القصة ,وعبر تقنية التلاعب بالزمن ،وتراكم الأحداث ، ومستخدماً عناصر التشويق وملاحقة المتغيرات المحيطة بالقصة والنأي عن رتابة السرد ، و يلجأ في ,بعضها, لتقنية الـ( سيناريو السينمائي), كما في قصة (محرقة القصب) وحوار المرأة وكاتب العرائض, والذي يصغي له بانتباه , ويسرده الصبي المرافق لأمه:
“…في الورقة التي أمامه بدأ يسمعنا ما يكتب:
– أني المواطنة…
قالت أمي : زكية هادي جابر ..
– أرجو التفضل بالموافقة على تعيني عاملة خدمة في مدرسة ..
– الشهامة الابتدائية.
وذلك لحاجتي الماسة للعمل كوني..
أرملة” ؟!.
ويعمد ,القاص, لاستخدام (الفلاش باك)، كونه ضمن تقنية ( السيناريو السينمائي) ، لإسقاط الوعي الشقي – للصبي – على ذلك المشهد , و يتابع -الصبي- الشرور والآثام التي تبدو في عيني وحركة كاتب العرائض ,وهو يقبض على يد امه , ويلمحه يضغط بقوة على إصبعها , عندما يمسك ابهامها و يبصمها على الطلب , ويثق – الصبي – دون شك , بنواياه لاستباحتها بـشراهة عينيه , ووجهه الذي يتحول الى قرص من المغناطيس, تشكه مجموعة لا ترحم من الدبابيس , تجاه أمه ,الشابة والارملة, في ذات الوقت, وهي تسعى للتغلب باستقامة ونبل , على مصاعب وقسوة حياتها اليومية , وارثها الثقيل ,وتجاوزهما عبر البحث عن نقطة بيضاء في ايامها السوداء , للعمل في مدرسة ابتدائية تحمل اسم ( الشهامة) , ونلاحظ هنا المفارقة في اسم المدرسة والوضع الذي عليه (الأم – الشابة – الأرملة) , وتعامل كاتب العرائض ( الفحولي – المتوحش) معها بصفتها فريسة وغنيمة سهلة , في محاولة منه لاصطيادها. وفي قصة ( حقائق متقاطعة) يبني القاص قصته لإيصال الرؤى والأفكار باستثمار تسلية لعبة (الكلمات المتقاطعة) , المعروفة في الكثير من الصحف والمجلات , من خلال تقطيع القصة إلى مشاهد أفقية وعمودية كـ: ” أفقي- كان معروفا بالحلم- عمودي- من أسلحة المسلمين- أفقي- من شهداء الحب- عمودي- سلاح معكوسة”. كما احتوت ( جناحان من ذهب) بعض القصص و التي يمكن اعتبار مشاهدها المتعددة , بمثابة ثيّمات وبناءات لقصص قصيرة جدا. ثمة في “جناحان من ذهب” تراكم لهموم اجتماعية مضنية من خلال القراءة اليومية لأرث وأوضاع شخصيات حقيقية , غير متخيلة وتنتمي غالبيتها , لعالم القاع العراقي وهمومه , التي لا حد لها, مع الاهتمام بالبيئة الجنوبية ومكوناتها المخربة عبر الحروب العبثية المتعاقبة ، وفي بعض القصص تتداخل الأجناس الأدبية النثرية فيما بينها بحكم العملية الإبداعية ، ورغم ما تتمتع به القصة القصيرة من تفرد في الكتابة بسبب البناء السردي واللغوي. قصص (جناحان من ذهب) استفادت بشكل ما من الشعر، و السينما عبر اهتمام القاص بالمشاهد القصصية المتسارعة ، و البناء السردي شديد الإيجاز ، وكذلك الذهاب الى تقنية (السيناريو السينمائي), اضافة لطرحها المواضيع الاجتماعية بالتشابك مع الجوانب الإنسانية, وكذلك السرد المتنامي, مع انه يحدث ان يحتوي على نصائح وحكم بما يشبه (الكولاج) في الفنون التشكيلية , والتي تبدو لا علاقة لها بسياقات موضوعة القصة , مع معرفتنا بتداخل الأجناس الفنية والأدبية النثرية فيما بينها بحكم العملية الإبداعية، ورغم ما تتمتع به القصة القصيرة من دقة لابد منها , في البناء السردي واللغوي، إلا أن (جناحان من ذهب) بكليتها استفادت – بشكل ما – من تداخل الفنون ، عبر اهتمام القاص باللغة السردية , والإيجاز الذي يحمل حبكة قصصه. وثمة فيها لغة فنية شفافة و تصل أحيانا إلى تخوم قصيدة النثر، مع تشذيبها من الزوائد ,والسعي للاقتصاد اللغوي , دون التفريط بالضروري منه ، لخلق دلالات وبؤر محددة تتبلور عبر زمان ومكان القص. وسبق ان صدرت لـ(السعد) مجموعته (الجرح) عن دار الشؤون الثقافية العامة – بغداد, و حصل على بعض الجوائز القصصية ومنها جائزة وزارة الثقافة – بغداد- الخاصة بالأبداع , عن روايته (وهن الحكايات), و اختير مع مجموعة من القصاصين العراقيين والعرب ضمن (انطولوجيا القصة العربية) والتي صدرت باللغات الرومانية , والإنكليزية , والعربية.
* وزارة الثقافة – دار الشؤون الثقافية العامة – بغداد.