استيقظ الشاعر فريد الدين العطّار يوماً ، فوجد أنه الهُدهُد. تفقد الهدهدُ كلّ الطيورِ، وانطلق بهم في رحلة العرفان إلى جبل الكاف بحثاً عن الملك الحكيم السيميرغ. عبر الهدهدُ بجيشه من الطيور سبعة وديان، هي وادي النداء، وادي الحب، وادي الاستنارة، وادي العزلة، وادي الوحدة، ووادي الدهشة، حتى وصلوا إلى وادي الموت. خاف الكثير من الطيور، وفقد الهدهد الكثير منها الذي مات في الطريق، ولم يبق في آخر الرحلة إلى جبل الكاف غير ثلاثين طيراً. لم تجد الطيور على الجبل غير بركة ماء، نظروا فيها، فلم يجدوا غير صورهم على الماء، فعرفوا أن كل واحد منهم هو الملك السيميرغ. تلك هي الحكاية التي ينقلها لنا الشاعر النيسابوري فريد الدين العطّار، المولود عام ،1145 في خمسة آلاف بيت من الشعر، والتي يأتي اليوم الشاعر التشيكي بيتر سيس، فيجعلها كتاباً للطفل، وللكبير أيضاً. لكن العطار يتهم بالزندقة. يحرق بيته، فيخرج في بلاد الله الواسعة، ولا يعود إلى دياره إلاّ وهو شيخ نيف على السبعين ليموت على يد الغزاة المغول. ذهبت الطيور بحثاً عن مخلوق قوي وحكيم، لكنها لم تجد في آخر الرحلة غير صفاء الرؤيا، حيث تتحد أنوار العقول بأنوار الروح. تلك هي الحكاية القديمة، الجديدة، وكنا أحقَّ من التشيكي بنقلها إلى صغارنا وكبارنا لو كنا نقدس العقل، ونطلب الرؤيا الصافية. ونبلغ مع مؤلف الكتاب ذروة المأساة البشرية، حين يقف الهدهد على قمة الجبل بعد أن تمزق الجناح، وثقل العقل، فيوجه بعينين دامعتين نداء البشرية من زمن عاد وحتى اليوم: خذ بيدي من الظلمة إلى النور..!
لمن يوجه النداء؟ لا ندري، لكننا نعرف اليوم ظلمة العقل الأشدَّ إيلاماً ووحشةً من ظلمة القبور
وما المرءُ إلاّ كالشِّهابِ وضوئِهِ
يحُورُ رماداً بعد إذْ هوَ ساطِعُ
Peter Sis, The Conference of the Birds. New York: Penguin, 2011