17 نوفمبر، 2024 1:34 م
Search
Close this search box.

ثلاث ملاعق فضة

1
يقول محمد الماغوط: «جلست في كوخي الشعري المتواضع ودفنت كستنائي العاطفية والجسدية والتاريخية ورحت انتظر.. يا رب.. ساعدني على قول الحق ومواجهة الواقع وتحمّل العطش والجوع والحرمان».
2
اغلبنا قرأ رواية دون كيشوت للكاتب الاسباني ميغيل دي ثربانتس والتي تدور حول الفلاح الذي اكثر من مطالعة الروايات التي تصف غزوات الفرسان وكيف تصفق لهم الاميرات بانتصاراتهم فاختلطت عليه الاحداث وحسب نفسه واحدا منهم لا اريد ان احرق بقية التفاصيل ونهاية الرواية لمن لم يطالعها ولكن يتبادر للذهن سؤال كثيراً ما شاغلنا هل العوز ومعاناته هو احد الطرق السحرية لأبداع اي اديب سواء أكان روائياً ام شاعراً ام رسام ؟؟ او أن الموهبة تأتي كطائر يحط اينما اراد الله و لا يفرق بين غني او فقير فقد ذكر الكاتب الأمريكي صامويل بنتام في مقدّمة كتبها لترجمة الجزء الثاني من «دون كيشوت » أن ثربانتس عاش حياة قاسية ولم ينل من المال ما يكفي لأن يعيش بشكل كريم، وحين ، فاز ثربانتس بجائزة شعرية كانت مكافأتها ثلاث ملاعق فضية. وماذا تنفع الملاعق الفضية لرجل جائع؟ ولكن هذا الجائع دلّه قلمه إلى «دون كيشوت » التي تقرأ إلى اليوم بعشرات الطبعات وعشرات لغات العالم و الملاعق، الفضية الثلاث التي حصل عليها ثربانتس في مسابقة شعرية «وليست روائية» تشبه حكاية القلق المرعب الذي كان يضغط على أعصاب وحياة الرسام الهولندي العبقري هو الآخر: فينسنت فان جوخ وإن كان هذا البائس الأخير قد ظهر إلى الحياة بعد ثربانتس بزمن فان جوخ لم يحصل على ملاعق فضية ولا خشبية، وفي حياته لم يبع من لوحاته سوى واحدة أو اثنتين، وهو الآخر عاش في عوز وجنون أفضيا به إلى قطع أذنه كما هو معروف ولا جديد في هذا، غير أن المقاربة أو المشابهة تفرض نفسها: لوحات فان جوخ تباع اليوم بملايين الدولارات في أعلى مزادات فنية في العالم وكان صاحبها جائعاً مجنوناً، وها هي اليوم أيضاً وحتى هذه اللحظة تعاد طبعات رواية «دون كيشوت » بلغات العالم كلّه، ويربح من ورائها الناشرون ملايين الدولارات، ولا ورثة لثربانتس لهم حقوق، وإن كان من ورثة فليس من نصيبهم سوى تلك الملاعق . انها مفارقة عجيبة لمبدعين والامثلة كثر وحتى في زمننا وكل الازمنة وخاصة اذا عاش المبدع في زمن الانتهازيين وصيادو الفرص وليس بعيدا الضنك الذي عاشه ماركيز كاتب رواية مائة عام من العزلة التي حصدت نوبل بجدارة
نختم المقال بقول عميق من الرواية
لا يمكن منع الرياح ، ولكن عليك أن تعرف كيفية صنع طواحين الهواء ويظل وارداً السؤال هل العوز ومعاناته طريق مُعّبد للأبداع ؟
3
الذي يطالع سيرة حياة الشاعر المغربي كريم حوماري ينتابه الاسى على حياة مبدع قطفت زهرة شبابه قبل اوانه ومع ذلك هو ترك ارثا فنيا من القصائد تلفت الانتباه
رأيت الشعب مشغولا بدفع العربة الى الامام
‎رأيت العربة مشغولة بدفع الشعب الى الوراء
‎رأيت شعبا من العشاق ينتحر
‎رأيت راهبا يحمل مقصلة
‎حاكما يحمل مشنقة
‎رأيت الجميع يحارب الجميع
‎وانا لم اشارك في المهزلة

أحدث المقالات