يتعمد غالبية المسؤولين في العراق الاساءة الى شعبهم قبل أنفسهم و مناصبهم السيادية من خلال تصريحات و مواقف متضاربة، منطلقين في ذلك من جهل في أصول المخاطبات من ناحية و كيفية التعامل بدبلوماسية مع المستجدات من ناحية ثانية، يتصرفون بعقلية المعارضة لذلك ” يضيعون الخيط و العصفور” ، على غرار ما حدث مع الطائرة اللبنانية فقد طل علينا وزير النقل هادي العامري ليصف الحادثة الطائرة بانها فقاعة و زوبعة، محملا ” الارهابيين” مسؤولية مباشرة فيما يحصل للعراق، وكأن ” الحجي” لا يريد الاقرار بما اثارته الحادثة من جدل سياسي و رفض شعبي، لاعتبارت كثيرة من أهمها ” الزهد بالسلطة لا يعني فرعنة الأبناء”.
صحيح ان العامري ليس مسؤلا عن الحادثة من جوانبها التنظيمية لكنه صاحب القرار الأول في وزارة النقل، فكيف مر قرار المنع، أم أن ثقافة قراءة ” الأحاسيس و الأفكار” قد تحولت الى بديل عن التخصص المهني و المسؤولية الادارية، حيث بات ” الرفيق الحزبي و الطائفي” أكثر آهلية لتسنم المقاعد بعيدا عن التخصص و المعرفة بأبسط مقومات الادارية ، لذلك يكثر الشطط في هرم الدلة و تضيع الحلول، قبل أن يمتص المسؤول الصدمة و يبدأ مسلسل تقديم القرابين من مسؤولي الخط الثالث مثلما ستكشف عنه التحقيقات في مطار بغداد في الأيام المقبلة.
لقد أمتلك العامري شجاعة الاعتراف بالخطا و تعهد بمحاسبة أبنه عندما تستكمل التحقيقات، لكنه ايضا أبقى الأبواب مفتوحة أمام تسويات في المؤسسة الادارية و المالية سواء في بيروت أو بغداد، رغم اقراره بخطورة ما ارتكبه ” مهدي العامري الذي لا نعرف شكله وصورته الحقيقة على النقيض مما سربته بعض وسائل الاعلام ، ما يكشف عن مآساة عراقية متجددة في استعجال المواقف و سحبها مع تراكماتها بكل ما ينطوي عليه من ضعف في تقدير الموقف.
لا نعرف لماذا يتصرف المسؤول العراقي برد الفعل و يخلط الأوراق و كأنه ينسى موقعه المفصلي في الدولة و نتائج ذلك على مزاج الشارع العام؟، ثم الى متى يتحمل الموظف البسيط مسؤولية ما يرتكبه المسؤول و حاشيته ، ولماذا يتقدم القريب على المواطن رغم أن الأول يتنعم و الثاني يعيش شظف العيش، و من أين أتت هذه الأفضلية ” المكتسبة” و بأي شرع أو قانون!!أكيد أن مسؤولا لا يمكنه الاجابة على هذه التساؤلات لأنها تصطدم بوقائع مثيرة و مقلقة، بعد أن تحول المنصب الى وسيلة للثراء لا لتقديم الخدمات.
و الأغرب أن بعض المسؤولين في العراق غارقون بالفساد حد النخاع و مع ذلك يظهرون ورعا مفتعلا للتغطية على المظالم و تجاوز حدود الله في براءة الناس و مستقبل العوائل، مفارقة غريبة تتجذر في العراق بشكل مخيف و تحتاج الى ارادة ربانية لفضحها ، لأن المستفيدين من بقائها يزدادون ” كهولة ” في التقييم الانساني و الاعتباري ، حيث يكثر ” السماعين للقول” و تتراجع معدلات الحكمة بين صناع القرار لتنشطر الأزمات و يتحول أبن المسؤول الى شبح و قضية و استاذ بالصدفة!!
وهل من المعقول بعد ١١ سنة من العلامات الفارقة و المظاهر الطارئة أنه يصعب على المواطن العراقي التمييز بين صورة أبن رئيس الوزراء أو أغلب الوزراء ” المهمين و المؤثرين” بحكم خبرة السلاح و العلاقات الحزبية و المذهبية ، نقول هل من المنطق عدم معرفة المواطن بشكل و طول و هوايات أحمد المالكي و مهدي العامري، ما يزيد من امكانية خلط الأوراق و تسويق الاتهامات و غيرها، لان ” الجماعة ” يتصرفون و كأنهم بين أسوار المعارضة؟ و ما يتطلبه من ” كتمان شديد”، بينما الصحيح التعرف على هوية ” أولاد الذوات” لمنع التأويل و صناعة الأشباح و العلامات الزهد ” المفتعل” بالسلطة.
في أي زمن يعيش العراق و أهله!! سياسيون يتصرفون و كأنهم خارج الزمن و الحسابات و الملاحقات الدولية، يغلقون أبواب اللامسؤولية وراء ظهورهم و يقترفون الخطايا ليل نهار، و يرمون بها الى غيرهم، قبل الاقرار بالذنب مستفيدين من انشغال الشارع بهموم كثيرة افقدته القدرة على ترتيب الأولويات ، لكنها في المقابل لم تقطع عليه طريق القراءة الصحيحة للأحداث لذلك يتظاهر المواطن ضد الفساد و محاولات خلط الأوراق الشخصية و الانسانية على غرار الرفض الواسع للقانون الجعفري و مميزات ” المترفين”و التخوين السياسي، وهي بداية تحتاج الى دعم و مساندة ، لكي لا تبقى الفقاعات و الخارجون عن القانون سلاحا تستخدمه السلطة لتجييش المواقف ضد مطالب المواطنين و احترام خصوصية العراق، الذي يأنف من الفتنة و يكره أجندات المتحزبين لأنفسهم فقط.
رئيس تحرير ” الفرات اليوم”
[email protected]