17 نوفمبر، 2024 10:33 م
Search
Close this search box.

تلك قصته

ما أرادَ أن يستقلَّ سيارته في الذهاب الى الشركة، وعلى الرغم من بعد المسافة  بين سكنه وعمله فضّلَ أن يقطعها ماشياً. ربّما كان يخشى أن يظلّ سادراً في أفكاره فيحدثُ له ما لا يُريدُ وهو يقودُها كأنه في حُلم. او ربّما لم يُرد أن يسيرَ في الدرب الذي اعتاد على رؤيته منذ خمسة عشرَ عاماً. اليوم اختار طريقاً لا تعرفه السيارات وسط غابات لا تسمعُ فيها غير لغات الطيور التي تُشبهُ لغة طفلته الصغيرة.لم يشعرْ بالتعب وهو يقطعُ المسافة تلك التي أخذت من وقته أكتر من ساعة ونصف الساعة. تُرى: أأرادَ ان يُعاقبَ نفسه لأنّه أعطى أجمل أيام شبابه واخلاصه في عمله الى تلك الشركة أم لأمر آخر؟. لم ينظر اليها يوماً الّا وكأنّها بيته الذي يخشى عليه. بيته الذي يُعيدُ ترميمه كلما أحسَّ حاجته الى التجديد. كم ترك بيته ليُغادر بعيداً عنه في جلب ما يُبشّرُ أربابَ العمل بالربح الوفير.                                    
منذ ُ زمن وهو يطمحُ في أن يكتبَ قصّة ً يبعثُ بها الى احدى الصحف ليرى اسمه واضحاً ويحسبُ عددَ مَنْ قرأها. اليوم َجاءتُه القصةُ تطرقُ بابَ روحه بعنف. لم يبقَ أمامه الّا بضعُ دقائق وسيصلُ، ذا هو أمامَ المبنى الذي ألفه منذُ سنوات وطبع فيه أجملَ ذكرياته. المفتاحُ الذي سيفتحُ به باب الشركة لن يُسمحَ له باستعماله ثانية، سيتخلى عنه مُرغماً لأرباب العمل. أولَ مرّة يُحسُّ أنّ يده عاجزةٌ عن فتح الباب، ماذا؟ … هل تغيّرَ شيءٌ، بل أشياء. ذا هو في القسم الذي عمل فيه خمسة عشرَ عاماً، ها هم زملاؤه يحيّيونه ويُحيّيهم، كآبة ٌ ، خجلٌ، تعنيفٌ، ظلمٌ ، خسارةٌ ، كلّ هذا مرسومٌ على وجوههم. دخل غرفته التي كان يعملُ فيها، ذاك كرسيُه، وتلك منضدتُه، وهذا دولابُه. فتح النافذة المطلة على الساحة، تُرى مَنْ سيفتحُ النافذة ذي غداً أو بعد غدٍ، مَنْ يجلسُ هنا، مَنْ يمشى هنا، مَنْ يفتحُ الجهاز هذا، مَنْ يردُّ على الهاتف .. مَنْ.. ومنْ ؟                                     
ذهبَ يلتقي مُديره أعاد اليه المفاتيح وكلّ ما يمتُّ الى العمل ، ودّعه وتمنى له الخيرَ في مسيرة حياته. زملاؤه الذين استغنت الشركةُ عنهم جاءوا مثله لتبرئة ذممهم ممّا لديهم ، حالُهم حالُه، ودّع زملاءه الجالسين في مكاتبهم . شعرَ أنّ جسمَه يحتاج الى الهرب، الهروبُ من اللاعدالة في المكان انصافٌ لمَنْ يهربُ منه ،غادر من دون أن يلتفت، حملته قدماه الى مقهى بعيد عن الشركة، جلس ساعةً، طلب غداءً ، ثم أخرج من حقيبته ورقة وقلماً ، بدأ يكتبُ    قصتَه التي طالما حلم بكتابتها.                                   
قبل أسبوع قرأ عن حاجة بعض الشركات الى كفاءات في مجال تخصصه لم يُثر الأمرُ انتباهه، اذ ما فكّر يوماً في أن يكون أحد ممّن تتخلّى الشركةُ عنهم، فهو الكفءُ والمخلص المُتفاني في عمله، علاقتُه بالزبائن حميمية، وأقرانُه في العمل يُكبرون فيه روحَ المساعدة والإخلاص. ينبغي عليه أن يتّصلَ بشركات أعلنت عن حاجتها . سأكون أنا مّنْ يختارُ. والأبوابُ مفتوحةٌ أمامي. وستكونٌ لي أيامُ جديدة تلبّي طموحي.      

تلك قصته
ما أرادَ أن يستقلَّ سيارته في الذهاب الى الشركة، وعلى الرغم من بعد المسافة  بين سكنه وعمله فضّلَ أن يقطعها ماشياً. ربّما كان يخشى أن يظلّ سادراً في أفكاره فيحدثُ له ما لا يُريدُ وهو يقودُها كأنه في حُلم. او ربّما لم يُرد أن يسيرَ في الدرب الذي اعتاد على رؤيته منذ خمسة عشرَ عاماً. اليوم اختار طريقاً لا تعرفه السيارات وسط غابات لا تسمعُ فيها غير لغات الطيور التي تُشبهُ لغة طفلته الصغيرة.لم يشعرْ بالتعب وهو يقطعُ المسافة تلك التي أخذت من وقته أكتر من ساعة ونصف الساعة. تُرى: أأرادَ ان يُعاقبَ نفسه لأنّه أعطى أجمل أيام شبابه واخلاصه في عمله الى تلك الشركة أم لأمر آخر؟. لم ينظر اليها يوماً الّا وكأنّها بيته الذي يخشى عليه. بيته الذي يُعيدُ ترميمه كلما أحسَّ حاجته الى التجديد. كم ترك بيته ليُغادر بعيداً عنه في جلب ما يُبشّرُ أربابَ العمل بالربح الوفير.                                    
منذ ُ زمن وهو يطمحُ في أن يكتبَ قصّة ً يبعثُ بها الى احدى الصحف ليرى اسمه واضحاً ويحسبُ عددَ مَنْ قرأها. اليوم َجاءتُه القصةُ تطرقُ بابَ روحه بعنف. لم يبقَ أمامه الّا بضعُ دقائق وسيصلُ، ذا هو أمامَ المبنى الذي ألفه منذُ سنوات وطبع فيه أجملَ ذكرياته. المفتاحُ الذي سيفتحُ به باب الشركة لن يُسمحَ له باستعماله ثانية، سيتخلى عنه مُرغماً لأرباب العمل. أولَ مرّة يُحسُّ أنّ يده عاجزةٌ عن فتح الباب، ماذا؟ … هل تغيّرَ شيءٌ، بل أشياء. ذا هو في القسم الذي عمل فيه خمسة عشرَ عاماً، ها هم زملاؤه يحيّيونه ويُحيّيهم، كآبة ٌ ، خجلٌ، تعنيفٌ، ظلمٌ ، خسارةٌ ، كلّ هذا مرسومٌ على وجوههم. دخل غرفته التي كان يعملُ فيها، ذاك كرسيُه، وتلك منضدتُه، وهذا دولابُه. فتح النافذة المطلة على الساحة، تُرى مَنْ سيفتحُ النافذة ذي غداً أو بعد غدٍ، مَنْ يجلسُ هنا، مَنْ يمشى هنا، مَنْ يفتحُ الجهاز هذا، مَنْ يردُّ على الهاتف .. مَنْ.. ومنْ ؟                                     
ذهبَ يلتقي مُديره أعاد اليه المفاتيح وكلّ ما يمتُّ الى العمل ، ودّعه وتمنى له الخيرَ في مسيرة حياته. زملاؤه الذين استغنت الشركةُ عنهم جاءوا مثله لتبرئة ذممهم ممّا لديهم ، حالُهم حالُه، ودّع زملاءه الجالسين في مكاتبهم . شعرَ أنّ جسمَه يحتاج الى الهرب، الهروبُ من اللاعدالة في المكان انصافٌ لمَنْ يهربُ منه ،غادر من دون أن يلتفت، حملته قدماه الى مقهى بعيد عن الشركة، جلس ساعةً، طلب غداءً ، ثم أخرج من حقيبته ورقة وقلماً ، بدأ يكتبُ    قصتَه التي طالما حلم بكتابتها.                                   
قبل أسبوع قرأ عن حاجة بعض الشركات الى كفاءات في مجال تخصصه لم يُثر الأمرُ انتباهه، اذ ما فكّر يوماً في أن يكون أحد ممّن تتخلّى الشركةُ عنهم، فهو الكفءُ والمخلص المُتفاني في عمله، علاقتُه بالزبائن حميمية، وأقرانُه في العمل يُكبرون فيه روحَ المساعدة والإخلاص. ينبغي عليه أن يتّصلَ بشركات أعلنت عن حاجتها . سأكون أنا مّنْ يختارُ. والأبوابُ مفتوحةٌ أمامي. وستكونٌ لي أيامُ جديدة تلبّي طموحي.      

أحدث المقالات