17 نوفمبر، 2024 5:44 م
Search
Close this search box.

تلعفر وآلام الإنتصار

تلعفر وآلام الإنتصار

عادةً ما تحتفل الشعوب بالإنجازات المتحققة في بلدانها، كأن يكون إنتصاراً عسكرياً أو فوزاً رياضياً أو بناءً معمارياً …الخ، فتصدح الحناجر بالأناشيد والأغاني الوطنية، وتعلق الزهور على أبواب البيوت، وتدق اللافتات على الطرقات إيذاناً بالنصر المتحقق، فكثيراً من كتب عن الفرح بالانتصارات على الإرهاب في الموصل، والسعادة الغامرة بإنهاء حلم الدولة الداعشية، وأنا اكتب عن آلام الإنتصار، والحزن العميق بعد القضاء على دولة داعش.

بين ليلةٍ وضحاها سقطت ثلاث محافظات بيد داعش، آلاف الشباب ذبحوا على يد دولة الإرهاب، أطفالٌ أُحرِقَتْ, نساءٌ أغتُصِبتْ, شيوخٌ قُتِلتْ, أموالٌ نُهِبتْ, بِيوتٌ هُدِمتْ، لكنّ الغريب أن الفرح كان يتلألأ في عيون مواطنيها بقدوم داعش، وارتفع صخب أصوات الأهازيج بدخولهم, ونحرت الأضاحي بقدومهم, وتكالب بعض رجال الديّن وشيوخ العشائر على مبايعتهم, وتبارك ساستهم فيما بينهم علناً، لذلك الفتح في محافظاتهم، وأهدِيتْ الصبيان غلماناً لهم, وقُدِمتْ النساء جوارياً بين أيديهم، وكأن داعش فاتحين وليسوا غاصبين لأرضهم ومنتهكين لديارهم.

لن تمر الا شهور قلائل حتى بدأت تتعالى صرخاتهم, ويرتفع صوت نحيبهم، يطلبون إنقاذهم من بطشِ الإرهاب وسطوته، فإختفوا ساستهم, وأزيلت منصات خطبهم, التي كان يعلن من عليها تباشير الفتح, وإصدار بيانان الترحيب بالعصر الجديد، وغابوا عن شاشات الإعلام المأجور, الذي كان يغيب الحقائق بحقيقتها, ويدلس الوقائع ويزيفها, وأصبحوا أهليهم أجانباً, وأبنائهم أغراباً, وناخبيهم إرهاباً، وكأن الأمر لا يعنيهم بشيءً، حينها كانت جحافل القوات الأمنية بكل صنوفها، مدعومةً بالحشد الشعبي، تحركت وهي تحمل مناياها على راحات أكفها, مؤتزرةً بأكفانها, أقسمت بكل ما هو مقدس، أنها لن تعود لا بنيل إحدى الحسنيين النصر أو الشهادة، وفازوا بالإثنتين فحققوا النصر ونالوا الشهادة، وهذا ليس بغريباً عليهم، فهذا الذي تربوا وترعرعوا عليه.

لكن الذي يدعو للغرابة والإستهجان، ويزيد من حرقة القلب لدى الكثير من العراقيين، أن سياسييهم الذين دفنوا رؤسهم تحت التراب كالنعّام، عندما تعالت أصوات أهيليهم وأبنائهم وناخبيهم بطلب بتحريرهم، فأخرجوها اليوم مغطاةً بأتربة الخيانة وغبار العار، وهم يردون الجميل للمحررين والمضحين بطلب الخروج من أراضيهم وتركها لأبنائهم، ابنائهم الذين كانوا بالأمس يهبون أعراضهم للإرهابي الأجنبي, أبنائهم الذين كانوا بالأمس جزءً لا يتجزء من داعش، اضحوا اليوم هم اهل الديار، وأبنائنا المضحين هم الغرباء، أبنائنا الذين لم يبخلوا بأرواحهم من اجل العراق.

قد إستغرب البعض من عبارة “آلام الإنتصار”، نعم هناك آلام وحزن عميق ليس من الإنتصار ذاته، وإنما من تصرفات من تم تحريرهم، وإرجاع بناتهم وزوجاتهم اللاتي كنَّ سبايا وجواري لدى داعش، الذين احتفلوا بالأمس بدخول الإرهاب وتقديم القرابين بين أيديهم، لم نسمع إحتفالهم بعودة أراضيهم وتحريرها، ولم نسمع تلك الأهازيج التي تغنوا بها سابقاً أن تغنى لهم، ولن نسمع أشعاراً موصلية ينشدونها لأجل الإنتصارات والتحرير، ولم يشكرهم احداً على تضحياتهم، بل اصبح رد الجميل هو المطالبة بخروجهم من المحافظات التي حرروها بدمائهم، ولم يكتفوا بهذا القدر فأخذوا يتهمونهم بما ليس فيهم يروجون الأكاذيب والدسائس ضدهم.

الفتنة والطائفية والتناحر لا تبني الوطن, ولا تحمي الشعب, ولا تضمد الجراح, ولا تحيّ الأمم بعد موتها، قُضِيَ على الإرهاب واجتثت جذوره، وتحررت الأراضي, وأُعِيدت الدور لساكنيها، بسواعد العراقيين جميعهم، وبكل تشكيلات وصنوف القوات الأمنية، وبمختلف أنواع الدعم من الخيرين، ولا ينقصنا سوى ان نسمع الأناشيد الوطنية التي تدعو للوحدة والتعايش السلمي، والأهازيج التي تشعر الجميع بإنتمائهم لذلك الوطن، بفتوى المرجعية وسواعد الأبطال، تلعفر أصبحت تل الظفر والإنتصار.

أحدث المقالات