26 نوفمبر، 2024 4:32 ص
Search
Close this search box.

تقنية السرد الذاتي في رواية “مزاج مراهقة” لفضيلة الفاروق

تقنية السرد الذاتي في رواية “مزاج مراهقة” لفضيلة الفاروق

إن تحليل نصوص المبدعة الجزائرية فضيلة الفاروق الروائية مغامرة تستحق المخاطرة لأنها تقدم جماليات جديدة في الرواية العربية إجمالا قد لا يتفق معها القارئ العادي في وطننا العربي على عكس مواطنتها الفرانكوفونية مليكة مقدم التي استطاعت بأسلوبها الروائي المتمرد أن تسلب عقل القارئ الغربي و قلبه من خلال كسر الطابوهات بشكل عام.

لعل ما يميز كتابات فضيلة الفاروق هو استنكارها لهيمنة المجتمع الذكوري الذي يحاول طمس هوية المرأة في المجتمع العربي و هذا ما جعلها تتصدى لذلك من خلال صرخة بطلاتها في وجه سلطة رجل متحيز للجسد و المتعة.

إن رواية “مزاج مراهقة” للفاروق تحاول خلق فضاء للبوح الأنثوي و كسر المحظور لا يخلو من مقومات السيرة الذاتية حيث تدور أحداث الرواية بين آريس (باتنة) أين ولدت فضيلة الفاروق (اسمها الحقيقي فضيلة ملكمي) و قسنطينة التي تعد محطة مهمة في حياة الأديبة.

تستند تقنية السرد الذاتي في “مزاج مراهقة” على لسان بطلتها “لويزة والي” الطالبة الجامعية التي تقع في متاهة العشق الممنوع بين رجلين من عائلة واحدة (الأب و ابنه). تجد لويزة نفسها ضحية لشيء اسمه الغرام بين شخصية الوالد “يوسف عبد الجليل” ذلك الكاتب الصحفي المشهور الذي تزوج من إمرأة فرنسية شاعرة تدعى “إلزا برونو” و علاقتهما فشلت في النهاية لإختلاف الدين و العادات و التقاليد التي دفعتهما الى نتيجة حتمية ألا و هي الطلاق و رغم كل ذلك فقد أثمر حبهما ميلاد الإبن “توفيق”.

عودة “يوسف عبد الجليل” و ابنه كانت سريعة الى أرض الجزائر و شاءت لعبة القدر أن تنسج خيوطها الخفية لتجمع البطلة “لويزا” بشخصية يوسف العاملة بحقل الصحافة و الأدب كونها على علاقة صداقة بخالها “عبد الحميد”. تبدو

البطلة مسكونة بعشق ذلك الرجل المحترم و المحب للجميع حيث أعجب بكتاباتها الجريئة الصادمة منذ الوهلة الأولى.

القدر أكبر من أي حظ يصطنعه الإنسان ليتناسى روتين الأيام حيث يظهر الابن “توفيق عبد الجليل” ليكسر حبا من زجاج جمع “لويزا” بأبيه و لا تجد البطلة سوى صديقتها “نرجس” لتقاسمها حلاوة الحياة و مرارتها بعد زلزال نفسي هز كيانها و هي لا تزال طالبة في قسم الأدب العربي.

لاقت مشاعر “توفيق” الصد من “لويزا” فهي ظلت متعلقة بأبيه و كأنها كانت تبحث عن الملامح الأبوية التي تفتقدها في تلك المشاعر المتضاربة التي رسمها في طريقها القدر للقاءه خصوصا أنها كانت ترفض بشدة سلطة والدها المتمثلة في الجانب المادي لا أكثر كما تقول الساردة: “…والدي لم يكن أكثر من كومة ‘دوفيز’، كان له بريق ‘الفرنك الفرنسي’ و هذا ما يزيد حرماننا منه، لدرجة صرنا نتعامل معه بحياء و خجل كأنه أحد الغرباء.” (ص 15).

أم “لويزا والي” إمرأة سيئة الحظ لكونها ضحية رجل خائن اختار السلطة كسياط لجلد ضحيته المقهورة الماكثة في البيت أين كانت تجد ملاذا في مشاهدة المسلسلات المصرية التي لا تخلو من معناة المرأة العربية عموما بينما هو فضل أمواج الغربة المتمردة حيث تقول الساردة: “…لم تعني له أكثر من ورقة صالحة… لمسح حذائه… بل فضل على طهرها نصف عاهرات فرنسا و الجزائر.” (ص 14).

رغم رفض البطلة لتلك المعاملة الأبوية إلا أنها لم تستطع أن تكره والدها الذي حاول مساندتها لتواصل دراستها الجامعية حينما رفض رجال العائلة ذلك خوفا على وقوعها في شباك الرذيلة المتفشية في المجتمع الجزائري حيث تقول الساردة: “كان كل شيء لم يخرج عن إطار الحلم بعد، حين نجحت في شهادة البكالوريا و فاجأنا والدي باتصال من فرنسا مقر إقامته و عمله قال: ترتدي الحجاب و تذهب إلى الجامعة. و فيما بعد عرفت أن رجال العائلة رفضوا التحاقي بالجامعة، و أن والدي حاول إيجاد حل وسط لإرضاء جميع الأطراف.” (ص 12).

واجهت البطلة ذلك القرار بالرفض رغم السلطة الذكورية التي فرضت عليها ارتداء الحجاب مكرهة، فهي قبل كل شيء مسألة قناعة في نظرها حيث تقول الفاروق على لسان الساردة: “لم أجد وسيلة لحرق دمه غير نزع الخمار من على رأسي و الإلقاء به في وجهه.” (ص 65).

دخول البطلة “لويزا” الى الحرم الجامعي جعلها تكتشف أمورا كثيرة من خلال علاقتها بفتيات كشخصية “سماح” التي كانت تقاسمها الغرفة في الحي الجامعي و التي لم تبخل عليها بتقديم النصائح و التوجيهات خصوصا حينما فاتحتها البطلة بعلاقتها بإبن عمها حيث تقول الساردة: “…إنه يكتشفك لا غير، و حين يزور خباياك، و يعرف كل شيء، لن تصبحي مثيرة بالنسبة له، سيستيقظ عرق والده فيه، و سترين عمك فيه يحاكمك على كل التصرفات، اسمعي كلامي ‘اللي فاتك بليلة فاتك بحيلة’.” (ص 37-38)، ثم جمعتها الصدفة بصديقة أخرى تدعى “حنان بن دراج” التي تعرفت عليها هي الأخرى في احدى الأحياء الشعبية في ولاية قسنطينة.

و على الرغم من تركيز المبدعة فضيلة الفاروق على سرد قصة البطلة “لويزة والي” في “مزاج مراهقة”، بوصفها القاسم المشترك لهواجس شخوصها النسائية بشكل خاص إلا أن إستعادة الماضي و استرجاع عالم الطفولة و المراهقة تكنيك آخر تقوم عليه السيرة الذاتية التي عكست ملامح من حياة الروائية بإمتياز.

أحدث المقالات