فنزويلا من دول أمريكا الجنوبية، عدد سكانها حوالي ٣٠ مليون نسمة. تتوزع جغرافيتها بين جبال الانديز وبين غابات الأمازون فضلا عن تمتعها برحابة السهول وبساحل الكاريبي.في عام ١٥٢٢ سقطت فنزويلا تحت الاحتلال الإسباني ولكنها من أولى المستعمرات التي أعلنت استقلالها وذلك في عام ١٨١١، بيد أن استقلالها لم يترسخ حتى عام ١٩٥٨، ولم تستقر فقد عانت مثل سائر بلدان أمريكا اللاتينية من الانقلابات والدكتاتوريات العسكرية حتى انتخابات ١٩٩٨ التي أصبح فيها هوغو شافيز رئيسا وقاد الثورة البوليفارية مستهلا بتكوين جمعية تأسيسية عام ١٩٩٩ لكتابة دستور جديد للبلاد.
تعدّ فنزويلا من البلدان الأكثر تحضرا في أمريكا اللاتينية، وكانت من الاقتصاديات المستقرة فبعد تصديرها البن والكاكاو صارت من أكبر منتجي النفط ومصدريه في القرن العشرين، ولم يدم الاستقرار اذ فجأة ضربت البلاد عاصفة عاتية اسمها أزمة الديون الخارجية، ووصل اقتصادها إلى ذروة التضخم عند 100٪، وارتفعت معدلات الفقر إلى 66٪ وانخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي إلى نفس مستوى أعوام الستينات.
ورغم أن الفساد في فنزويلا مرتفع أصلا حسب المعايير العالمية منذ أواسط القرن الـ 20، وتحديدا بعد اكتشاف النفط اذ تفاقم الفساد السياسي، وبدلا من استخدام كلمة “النفط” أصبح “براز الشيطان” هو التعبير الشائع في البلاد، أقول رغم هذا فقد صنفت فنزويلا أخيرا واحدة من أكثر الدول فسادا في مؤشر مدركات الفساد وفازت بالتسلسل 164 من أصل 178 بلدا، وقطفت المرتبة الرابعة في العالم لمضبوطات الكوكايين بعد كولومبيا والولايات المتحدة وبنما، وارتفع معدل الجريمة وزادت نسبها بحدة، حتى صار معدلها من بين أعلى المعدلات في العالم، وبلغ معدل القتل في العاصمة كاراكاس حوالي ٩٢ لكل مائة ألف شخص، (وفقا لمجلة الإيكونومست) وهو ثاني أعظم معدل للقتل في مدن العالم الكبيرة، وازدانت البلاد بما يقارب من 33 سجنا مكتظا بأكثر من خمسين ألف سجين بدرجة مجرم.
نعم، تردى كثيرا حال فنزويلا و(طاح حظها)، طبعا ليس بسبب الأزمة المالية العالمية عام ٢٠٠٨، وليس بسبب رحيل رئيسها الثوري شافيز عام ٢٠١٣، وليس بإدعاء أن النفط نقمة
وليس نعمة، وليس بسبب الصراع المستديم على السلطة الساحرة، بل لأن فنزويلا وفي لحظة غياب الوعي عند حكمائها استأذنت أحد وزراء محاصصتنا كي يأتي وفد منها للاستفادة من التجربة العراقية لأن أهل فنزويلا النائية (دايخين) بتجربتنا و(صافنين) عليها حسب تصريح وزيرنا، وجاء الوفد وأخذوا زبدة تجربتنا الخلاقة وصار ما صار بهم.
وأراد معالي الوزير أن يرى بعينه نتائج خططه وجداول عمله وفيض نصائحه وانعكاس تجاربه، فتوكل وزار فنزويلا، وحسب الاختصاص والعائدية اتجه إلى جامعتها العتيدة، وما أن نزل من سيارة الدفع الرباعي حتى امتطاها ثانية بعد أن تجمهر الطلبة البوليفاريون وهم يهتفون:
– ارجع.. ارجع.. فاشل…. ارجع.. ارجع.. فاشل.
وفعلا رجع، وهو غير مكترث ولا مبال، رجع وكله عزم وإصرار بأن يستفيد من هذه الشهادة الجماهيرية الحيّة على فشله ليصبح في أقرب غربلة رئيسا للوزراء.