يوماً بعد آخر، يزداد ثقل الإنسان بما يحمله من هموم حياته، وأثقال يومه، فكيف إذا اضيفت إليها تراكمات قرون من الأحداث والتقييمات التي تكاد تتحول إلى سدود بوجهه كلما قرر ان يخطو خطوة إلى الأمام؟!
وفي الوقت الذي يعمل البعض على استثمار وتوظيف ذاكرته لتكون سبباً للتقدم، ووسيلة للنهوض فيغدو الشاب منهم وقد حمل خبرة السبعين او التسعين عاماً بل وخبرة القرون الماضيات، تتحول تلك الذاكرة عند آخرين إلى عبءٍ كبير، يصيب أجيال الشباب بأمراض الشيخوخة باكراً، لتحول دون قدرتهم على العمل وتجاوز المصاعب والتحديات التي تواجههم!.
ترشيد الذاكرة هو المطلوب، وهي عملية ليست بالجديدة، بل هي أساس في العلاقة مع الماضي، وسبيل لجعله وسيلة تحفيز لا عاملاً لتثبيط الجهود والهمم، ولا سيما في الأوطان والدول التي تعاني من الأزمات دون انتهاء.
ان على كافة المؤسسات التعليمية، والمدنية، والرسمية، ان تجعل من هذا الترشيد عنواناً ومنهجاً متبعاً، وهو ذو نتائج وفوائد جمة، كونه يحقق الاستخدام الامثل للمدخلات المعرفية والمعلوماتية المتوفرة لنا من خلال تراث الأجداد المنقول لنا شفاهاً أو كتابة، مثلما انه يوفر حالة التوازن المطلوبة في التعامل مع الأزمان ، فليس العبور إلى المستقبل ممكناً دون المرور بالحاضر، وليس الحاضر إلا هو نتاج تفاعل الماضي معه.
وكما هو الحال في مجال ترشيد الطاقات، فإن ترشيد الذاكرة لا يعني رفضها أو مقاطعتها دون شك، بل هو يعني التعامل معها بطريقة وصورة اكثر نفعاً وفائدة، ولا يخفى على الجميع كم لدينا من إرث متراكم ضخم بحاجة إلى اعادة ترتيب وترشيد.