20 ديسمبر، 2024 12:28 ص

في تلك الصحراء المجدبة الخالية من كل روح إلاماتغضن جلده وجفت روحه من بشريعيشيون على هامش الحياة مرضى جائعين يأكلهم الجرب ووتنهشهم الهوام وفي اعماقك تهجع قبائل من الظلام تزيد من عفونة الذات لتسلبها آخر قطرة من الآدمية رامية بها بعيداعن الإنسانية والعقل لتتركها فريسة سهلة للجهل وضيق الافق والأمية هكذا كان صحابة الرسول بأستثناء البعض ممن يعرف الكتابة وهم القلة القليلة يعدون على رؤوس الأصابع هؤلاءكانوا يحرصون على استيعاب كل ما يقوله الرسول وتطبيق كل ما يأمر به، ورغبة من النبي في حصر الجهود والطاقات على حفظ القرآن واستيعابه وجمعه، وخشية أن يلتبس الأمر على بعض الصحابة – وهم حديثو عهد بالإسلام – نهى في بداية الأمر عن كتابة السنة النبوية، فقال:”من كتب عني شيئاً سوى القرآن فليمحه”(1).
ثم -كمايرى أهل السنة والجماعة-أمن الالتباس عند بعض الصحابة فسمح لهم بالكتابة: فعن عبدالله بن عمرو بن العاص قال: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه فنهتني قريش وقالوا:أتكتب كل شيء تسمعه ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشريتكلم في الغضب والرضا؛ فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأومأ بإصبعه إلى فيه فقال:اكتب فوالذي نفسي بيده ما يخرجه منه إلا حق.(2).
يقول علي محمد محمود مبررا ذلك(فالرَّسول – عليه الصَّلاة والسَّلام – الذي اتَّخذ لنفسه كُتَّابًا للوَحْيِ يُسجِّلون عنه ما نزل عليه مِن لَدُن ربِّه، قُرآنًا مُتعبَّدًا به، مُعجِزًا للبَشَر ومتحدًّى بأقصرِ سُورةٍ منه – هو الذي نهى عن كتابة الأحاديث الَّتي تُفيض بها أقوالُه وأفعالُه وتقريراتُه في مَطلع الإسلام، وفي الوقت الَّذي تَكاثرَ فيه الكَتَبةُ لديه بما فيه الكفاية، فقد كان معاوية بن أبي سفيانَ – رضي الله عنه – من الملازمين للكتابة للنبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم -في الوحي وفي غير الوحي، وكان يُزامله في ذلك ثابتُ بن قيس، ويزيدُ بن أبي سفيانَ أخو معاويةَ، والمغيرةُ بن شعبةَ، والزُّبَير بن العوَّام، وخالدُ بن الوليد، والعلاءُ الحضرميُّ، وعمرُو بن العاص، وعبيدُ الله الحضرمي، ومحمد بن سَلَمةَ، وعبدُ الله بن عبد الله بن أُبيِّ بن سلول؛ كل هؤلاء كانوا طَوْعَ أمر الرَّسول – صلَّى الله عليه وسلَّم – ورهنَ إشارته، لو أنه أشار عليهم بتدوين الأحاديث، لكانوا أَطْوَعَ له مِن بنانه في كتابة آي الذِّكر الحكيم في الصُّحُف حِينًا، وفي جريد النَّخل (العسب)، أو الأكتاف (العِظام العريضة الرَّقيقة)، أو في اللِّخاف (الحجارة البِيض الرقيقة) حينًا آخرَ، فالوسائلُ الكفيلة بحفظ السُّنَّة وتدوينها كانت متوفِّرَةً على القدر الذي تسمح به الظروف؛ خوفًا مِنَ الضياع، وحمايةً لها مِنَ النِّسيان والفوات، والكُتَّابُ كذلك مُؤهَّلون بإيمانهم واستعدادهم لِمِثل هذه المسؤولية الخَطِرَة؛ بَيْدَ أنَّ للمسألة خلفيةً أخرى تبدو فيها وَجاهةُ الفكرة، وسَدادُ الرأي، وهي أنَّ القرآن في ذلك الوقت كان ينزل مُنجَّمًا حَسْبَ الحوادثِ والأحوال، والمؤمنون يتتبَّعون نُزوله بفارغ الصَّبر، وعظيم الاهتمام، وكانت الهِممُ كلُّها منصرفةً إلى تلقِّي هذا الفَيض الإلهيِّ بكلِّ دقَّة وعِناية، فلم يكتفوا فيه بالحفظ في الصُّدور؛ بل أضافوا إليه تخطيطَ السُّطور؛ لتتضافر كلُّ الجهود في الحفاظ على نصِّه المقَدَّس، فلو أنَّ السُّنَّة في هذه الحال حَظِيَت بما حَظِيَ به القرآنُ الكريم من تدوينٍ وكتابةٍ، وجمعٍ بالصُّدور وبالسُّطور – لاختلط الأمرُ؛ ولكان تمييزُ كلٍّ منهم عن الآخر عسيرًا صعبًا، وأقلُّ ما في الأمر انتهازُ المنافقين والمتربصين هذه الفرصةَ السانِحَةَ للكَيْدِ للإسلام، والتشويش على مصدر الشريعة الأَوَّل بالخلط والتمويه وإشاعة القِيل والقالِ؛ فلذلك كان الرَّسول – صلَّى الله عليه وسلَّم – بكياسته وفطنته، وذكائه وبُعْدِ نظره – يأمرهم بكتابة القرآن وَحْدَه بين يديه، وينهاهم عن كتابة غير القرآن، وفي ذلك يروي مسلمٌ في “صحيحه ” عن رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – : (( لا تكتُبوا عنِّي، ومَن كتب عنِّي غيرَ القُرآن، فَلْيَمحُه))، ومثل هذه الفكرة طافت بِخَلَد أبي بكر – رضي الله عنه – الَّذي دعاه حِرْصُهُ على الدِّين أولاً إلى أنْ يجمعَ خمَسَمائةِ حديثٍ، ثم قال لعائشةَ: ائتيني بنارٍ، فلمَّا جاءتْه بها، أَحرقَ ما جمع.ومِن هُنا تبدو لنا الحَيْرَة المتمثِّلة في تفكير الخُلفاء الراشدين، فقد تَنازعهم عاملانِ:أَوَّلُهما: الحرصُ على السُّنَّة وكتابتها وتقييدها في الصُّحُف؛ خَوفًا مِنَ اندراسِها، أَوِ اختلاطها، أو دَسِّ الدَّسَّاسينَ فيها؛ وهو أمرٌ مُحَبّبٌ إلى النفوس، أثيرٌ لَدَى العقول الناضجة، والقلوب المُتفتِّحَةِ التي كان يتحلَّى بها الصَّحْبُ الأوائلُ.
وثانِيهُما: الخوفُ مِن مُزاحمة القرآنِ في أَخَصِّ خَصائصِ حِفظه؛ وهي كِتابتُه وتدوينُه؛ ولذلكَ قال عُمرُ بنُ الخَطَّاب – رضي الله عنه -: “إنِّي كنتُ أردتُ أن أكتُب السُّنَنَ، وإنِّي ذكرتُ قومًا كانوا قبلَكم كتبوا كُتبًا فأكبُّوا عليها، وتركوا كتابَ الله، وإنِّي – واللهِ – لا أَشوب كتابَ الله بشيء أبدًا”، ولم يُدَوِّنِ السُّنَّة، وتركها رهينةَ الوعْيِ والذَّاكرة، وفي هذا أيضًا قال أبو سعيد، الذي روى حديثَ النَّهْيِ عن كتابة السُّنَّة حين سُئِلَ رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: (( أنكتُب ما نسمع منكَ؟ قال: أتُريدونَ أنْ تجعلوها مصاحفَ))، وفي ضَوْءِ هذا يُفَسَّر ما جاء عن أبي بَكرٍ وعُمرَ – رضي الله عنهما – مِن كَراهةِ كتابةِ الحديث، وأمرِهما بالاقتصار على كتاب الله – تعالى – في الحَلال والحَرام؛ بل بلغ الأمرُ بهما إلى حَدِّ أنَّهُما كَرِهَا رِوايةَ الحديث كثيرًا؛ بَلْهَ كتابتَه؛ لِحرصهما الشديدِ جدًّا على التَّأكُّدِ والتَّثبُّت مِمَّا يُروى بعدَ أنْ أَكثرَ المُكثِرون مِنَ الرِّواية، وتعددتِ النقولُ وتخالفتْ أحيانًا؛ ولهذا كَانَا يَطلُبانِ شُهودًا في كثيرٍ مِنَ الأحيان؛ لِيُزَكُّوا الراويَ فيما ينقلُه مِنَ الأحاديث عَنِ الرَّسول – صلَّى الله عليه وسلَّم – بعدَ وفاتِهِ).(تدوين السنة وإحجام الأوائل،علي محمد محمود،ص4-5).
نستنتج من ذلك أن النبي لم يكن يثق بعقول أصحابه لأنهم لايستطيعون التفرقة بين القرآن والسنة والأمر الثاني الخوف من مزاحمة السنة للقرآن وهذا أمر غريب حقا فالسنة كانت هي الاساس العملي لسلوك الصحابة جميعا فهي مكملة للقرآن وشارحة له ومبينة لغموض نصوصه فكيف تختلط بالقرآن إلا إذا كان الصحابة أغبياء الى درجة عم التمييز!!!
وبعد وفاة النبي اختلف الصحابة في كتابة الحديث وتدوينه في الكتب، فكرهها طائفة منهم: هم ابن عمر وابن مسعود وزيد بن ثابت وأبو موسى الأشعري وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة وأباحتها طائفة منهم: عمر والإمام علي وعبد الله بن عمرو وأنس وجابر وابن عباس. ومن بعدهم من التابعين كالحسن البصري وعطاء بن أبي رباح وسعيد بن جبير وعمر بن عبد العزيز.تم استقر الأمر والإجماع على جواز كتابة الأحاديث، بل على استحباب ذلك. ومنهم من قال بالوجوب لمن خشي النسيان ممن يتعين عليه تبليغ العلم للناس.للحديث بقية……………………………………………………1-رواه الحاكم في المستدرك رقم (437) وقال صحيح على شرط الشيخين 1/216.2-أحمد وأبو داود واللفظ له رقم (3646) باب في كتاب العلم 3/318.‪© 2016 Microsoft‬ الشروط الخصوصية وملفات تعريف الارتباط المطوِّرون العربية

أحدث المقالات

أحدث المقالات