23 ديسمبر، 2024 2:31 ص

تدهور نتائج امتحانات البكالوريا في العراق للعام 2017 من منظور الازمة العامة للتربية والتعليم

تدهور نتائج امتحانات البكالوريا في العراق للعام 2017 من منظور الازمة العامة للتربية والتعليم

أثار تدني نتائج الامتحانات العامة البكالوريا للصفوف السادسة الاعدادي الكثير من التساؤول والامتعاض لدى الشارع العراقي وكذلك لدى الاوساط الرسمية التربوية والسياسية, وقد بلغت نسبة النجاح في الدور الاول 28.4% وهي نسبة خطيرة في تدنيها او هي كارثة حقيقية في تاريخ التعليم في العراق. وعقب ذلك اعلنت لجنة التربية في مجلس النواب عن استضافة مدير المراكز الامتحانية في الايام المقبلة بسبب تدني نسب النجاح لصفوف السادس الاعدادي بكل فروعه، فيما اشارت الى ان كل الظروف والمعوقات لن تكون سببا في هذا الهبوط التربوي. وقد صوت البرلمان العراقي لاحقا وفي يوم السبت والمصادف 19ـ8ـ2017 على قرار يمنح طلبة السادس الاعدادي فرصة تحسين المعدل !!!.

لا يمكن الحديث عن التعليم الاعدادي ونتائجه المنخفضة جدا بمعزل عن خلفية التعليم في المراحل التي سبقته, فالتعليم بمراحله المختلفة هو حلقة وصل وتأثير متبادل لما قبلها وبعدها, وبالتالي فأن طالب السادس اعدادي هو من مخرجات مرحلة المتوسطة والابتدائية, وان النظر الى مشكلة انخفاض التحصيل الدراسي وتدني النتائج النهائية بمعزل عن ذلك هو شكل من اشكال العبث والهروب من الاسباب الحقيقية التي ادت الى ذلك, لأن ازمة التربية والتعليم في العراق بكل مراحله هي ازمة متصلة, وان تدني التحصيل في التعليم الاعدادي هو انعكاس لتدنيه في المراحل التي سبقته ومؤشر لضعف الكفاءة الداخلية للنظام التربوي والتعليمي !!!.

في دراسة تتبعية لأفواج الطلبة المسجلين في الصف الاول الابتدائي عام 2005 في العراق بلغ مليون تلميذ, اما الذين وصل منهم الى السادس الاعدادي وشاركوا في امتحانات عام 2017 بلغ عددهم 300 ألف طالب فقط, وهذا يعني ان العراق أهدربين متسرب من التعليم وراسب 700 ألف طالب, أي نسبة 70%, وحسب احصائيات وزارة التربية أن الطلبة الذين شاركوا بالامتحانات الوزارية ( البكالوريا ) عام 2017 لم ينجح منهم سوى 28.4% وهذا يعني أن فقط 84 ألف طالب قد تجاوزا السادس الاعدادي من مجموع المليون تلميذ الذين تم تسجيلهم في المدارس عام 2005 , وهذا يعني أن 916 ألف طالب وطالبة لم يتجاوزا السادس الاعدادي بفعل عوامل التسرب النهائي وترك الدراسة أو الرسوب لسنة أو اكثر في المرحلة الدراسية !!!.

هذه الانسيابية الضحلة بين مراحل التعليم العام المختلفة تشكل احد عوامل الاهدار البشري والمادي في التعليم حيث تكون مخرجات المراحل ضعيفة جدا يقابلها انفاق على التعليم بلغ في السنوات الاخيرة اكثر من 24 مليار دولار, ومن حق المرء ان يتسائل أين هي العوائد والفوائد من هذا الاستثمار المالي في هذا القطاع وأين هي مخرجاته الكمية والنوعية, وحتى من تواصل الى السادس الاعدادي فهذه هي نتيجته, فالمشكلة أكبر من تنحصر في نتائج أداء طلبة الصف السادس الاعدادي ونسبتهم الفقيرة.

لقد وقع نظام التربية والتعليم بعد 2003 أسوة بغيره من القطاعات الاجتماعية أسير للمحاصصة الطائفية والاثنية مما أخل بمهمة هذا القطاع الحيوي في التربية والاعداد وتركه فريسة للأجتهاد والفوضى وغياب فلسفة تربوية واضحة للنظام التربوي والتعليمي, الى جانب غياب فوضى في صياغة الاهداف التربوية للمراحل الدراسية المختلفة, والى جانب مالحق بالنظام التربوي والتعليمي جراء الاحتلال من تدمير وخراب شامل في مؤسساته التحتية من أبنية ومعدات ومختبرات ولوازم مدرسية وكادر تعليمي.

اليوم يعاني هذا القطاع من ازمة خانقة تتجسد في ابرز ملامحها: انعدام الابنية اللازمة والمهيئة تربويا للتعليم, ضعف الوسائل التعليمية من مختبرات ووسائل ايضاح واجهزة الكترونية مخصصة للعملية التعليمية, ضعف الكادر التدريسي وانعدام الحوافز التعليمية وعدم توفر الفرص الكافية لأعادة التأهيل وتجديد الخبرات, ضيق الفصول الدراسية بالدارسين من مختلف المراحل مما يثقل كاهل الطالب والمدرس في التركيز والاستفادة القصوى من الحصة الدراسية, التنقلات بين المدرسين وانعكاساتها على العملية التربوية, انتشار الدروس الخصوصية في مختلف المواد مما يرهق الطالب ماديا ويضعف عطاء المدرس في حصته المدرسية, عدم تغطية المدرسين لمفردات المنهج خلال العام الدراسي, غياب عنصر التشويق في المنهج الدراسي, ضعف صلة المنهج بحاجات الطلبة الحياتية, وضعف التنسيق بين المدرسة والمجتمع المحلي, انعدام الامن المجتمعي حيث الارهاب والقتل اليومي والاختطافات تعرقل حركة الدارس من والى المؤسسة الدراسية وغيرها من العوامل ذات الصلة المباشرة بالعملية التربوية.

وهناك عوامل اخرى خاصة بالطالب نفسه وبيئته المحيطة منها ما هو اقتصادي, حيث الطالب اليوم هو معيل في الكثير من الحالات لأسرته بسبب الفقر والعوز, او عدم تمكن الاسرة من الاستجابة لمتطلبات دراسة أبنائها مما يضطر الطالب على العزوف الكلي من الدراسة أو التأجيل, الخوف من الفشل وقلق الامتحان, عدم كفاية الوقت لبعض الطلبة, وصعوبة بعض الاسئلة الامتحانية, المناخ الامتحاني العام وما يسود في القاعات الامتحانية من اجراءات مشددة, انقطاع التيار الكهربائي في الساعات الامتحانية والدراسية العادية وخاصة في اجواء الحر الشديد, وكذلك المستقبل الغامض للطالب بعد انهاء المرحلة الدراسية حيث عدم الحصول على كلية او فرع للدراسة, وانعدام الجدوى من الدراسة في مجتمع كالعراق تزداد فيه بطالة الخريجين.

هذه بعض من العوامل التي تتحكم بالتحصيل الدراسي ونسب النجاح, ومن هنا يجب البحث موضوعيا في تدني مستويات النجاح التي وصلت الى حد يخجل منه تاريخ التربية والتعليم في العراق, بعد ان كان العراق يفتخر عالميا بمستويات انجازه التربوي والتعليمي, وكان يصدر الى الدول العربية خيرة كوادره لبناء انظمة التعليم هناك وسد الشواغر التدريسية !!!.