23 ديسمبر، 2024 4:02 ص

الناظر إلى العمل التشريعي و التنفيذي في العراق يلحظ تداعي يومي للدولة الوطنية ، و كأن هنالك مشروع من أغلب الأطراف لإنهائها ؛ و المؤكد عندي أن ليس ثمة مشروع عند هذه الأغلبية لأنهم لن يتفقوا على شيء ، و إنما تشابهت غاياتهم و مصالحهم فصار الأمر كأنه مشروع منظم
بعد التغيير في العام 2003 لم يكن الأمريكيين يقررون لوحدهم عندما شكلوا مجلس الحكم على أسس طائفية بل أنهم تأثروا كثيرا بما كانوا يسمعونه من الأطراف العراقية ، و بعد انتهاء حقبة مجلس الحكم بدأت هذه الأطراف بما أطلقنا عليه بالمشروع ، فمنذ ذاك الوقت تتحرك أغلب هذه الأطراف أو الفاعلة منها في تعزيز الطائفية السياسية مشروعا و خطابا و سلوكا و أكثر من ذلك منهجا ، و هذا بطبيعة الحال يمثل الضد لمشروع الدولة الوطنية ؛ و من أجل بناء الدولة التي أطلق عليها بعد 2003 بالعراق الجديد عملت هذه الأطراف تحت شعار إعادة بناء الدولة التي خربها النظام البعثي الشمولي ، إلا أن هذا البناء تشريعيا و تنفيذيا صار يصنع مجموعات على أسس طائفية تواجه بعضها الآخر للحصول على أكبر قدر من الدولة العراقية لتبني كياناتها الخاصة .
الموضوع لم ينتهي عند تقسيم مجلس الوزراء على أسس طائفية ( الطائفية أينما وردت في هذا المقال فهي بالمعنى السوسيولوجي ) ، بل صارت تتوغل إلى المناصب و الدرجات الوظيفية كافة ، و كذلك صارت منهج ومنطق التشريع ، و هنالك تمثلات أخرى مثل الخطاب و الإعلام و السلوك و غيره ، حتى صرنا لا نرى شيء اسمه ( دولة العراق الوطنية ) و إنما مكونات تواجه نفسها و تواجه الآخرين
و لان العراقيين من القومية الكردية لهم وضع مختلف عن الآخرين يتمثل بـ ( الإقليم ) لذا تجدهم بلغوا مرحلة متقدمة على غيرهم في الحديث بصراحة عن إنشاء دولتهم الكردية ، رغم معرفتهم بمدى المتاعب التي سيعانونها إذا ما ذهبوا إلى هذا الخيار ، و على الرغم من انخفات الحديث عن الإقليم أو حتى عن الدولة السنية في العراق ، إلا أن مجرد طرحه من قبل السنة و الشيعة في وقت سابق يؤكد أن الوطن لأكثر من مرة خاصة في المراحل المعقدة يختفي بالكامل
 
لا زال هنالك حبال وصل أو بقاية ارتباط بين المكونات تتمثل بالشعور عند الكثير إلا أنه لا يستطيع أن يفعل الكثير و لا يمكن أن يكون ضامن للدولة و للوحدة ، إلا أن متعلقات أخرى مثل الجيش يمثل ضمانة مميزة لإستعادة الوطن ، فبعد نكسة حزيران في العام 2014 ، شعر أبناء الشمال و الغرب بحاجتهم إلى المؤسسة التي تتعالى على الهوية الفرعية لينقذونهم من سيطرة السلفية الجهادية ( داعش ) ، و هذا ما حصل بالفعل لذا يجد المؤمنون بالمواطنة في صور التعاطف بين المقاتلين من جنوب و شرق البلاد مع الأهالي من غرب و شمال العراق رمزية تحمل من الأمل الكبير على عدم ضياع الوطن العراقي .
و من المؤسسات التي تمثل متعلقات الدولة الوطنية هي السلطة القضائية ، فهذه السلطة و لأنها خرجت بدرجة ما من سياق ما حصل بعد العام 2003 في السلطة التشريعية و التنفيذية ، مستندة إلى قوة الفصل بين السلطات الدستورية ، أستطاعت أن تبقى بمأمن مما حصل في المؤسسات الأخرى بدرجة جيدة ، إلا أن الأهداف و المقاصد التي يتحرك بإتجاهها من أطلقنا عليهم بالفاعلين من الأطراف السياسية في العراق ، ألتفتت إلى أهمية أن يعاد بناء هذه السلطة على ذات الأسس التي أتبعت في السلطات و المؤسسات الأخرى ، و لذا تخوض هذه السلطة بل الدولة الوطنية في هذه المرحلة أكبر تحدي لها في القضاء على بقية متعلقات الدولة الوطنية .