22 ديسمبر، 2024 11:26 م

تحية معرفية بتوقيت الثامن من آذار ..إلى المرأة العراقية

تحية معرفية بتوقيت الثامن من آذار ..إلى المرأة العراقية

أول قصيدة في العالم : الشاعرة إنخيدوأنّا : 2285- 2225
العهد الآكدي الجديد، بمثابة قطع معرفي فهو يبّث عهدا جديدا، بدأت فيه ملامح الحضارة الرافدانية: حدثت متغيرات كبرى: لغويا وقوميا وسياسيا، فقد ظهرت مقومات جديدة على المستوى الحضاري، إذ برزت مقومات وعناصر حضارية جديدة، وبشهادة العلاّمة في التأريخ العراقي طه باقر – طيّب الله ثراه – أن اللغة الآكدية ،وهي (السامية الشرقية من عائلة اللغات السامية): بدأت تحتل المكان البارز بكونها اللغة الرسمية المدونة إلى جانب كونها لغة محكية منذ أقدم الأزمان. وأستمرت اللغة الاكدية في بروزها وتفوقها على اللغة السومرية في العصور التالية إلى أن صارت اللغة السائدة منذ العصر البابلي القديم(الألف الثاني ق.م) تدويناً وتكلماً..
(*)
من الظواهر الجديدة وبتوقيت إتساع الخريطة الآكدية بفضل صهيل الخيول وصليل السيوف، أتخذ سرجون الأكدي: لقب (ملك الجهات الأربع)،وسيرث ُ اللغة َ حفيده (نرام – سين) ويرى العلاّمة طه باقر بخصوص اللقب: كونه مظهراً مِن مظاهر أزدياد رقعة المملكة/ 386/ مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة.. ونلاحظ أن العلاماتية الجغرافية : الجهات الأربع، لا تكتفي بشحنة الجغرافية اللانهائية، بل لهذه العلامة جذورها التاريخية فهي لقب حصريا في حيازة الآلهة العظام : آنو/ أنليل/ شمش بصفتهم أسياد الكون أما الملك الذي يتلقب بألقابهم فهو إله بالوكالة!! ونرى أن هذا من السلوك المريض لدى الحاكم مازال يواصل وظيفته لحد الآن : القائد الضرورة/ عز العرب/ الرئيس المؤمن وليس فقط على المستوى السياسي، فالفني ينافسه في ذلك : كوكب الشرق/ الشحرورة/ سندريلا الشاشة/ العندليب الأسمر/ مطرب العرب… وهنا نلتقط مفتاحا لهذا اللغز العابر من الأسم إلى اللقب بدرجة إنزياح مسرفة أحيانا.. هكذا تكون اللحظة الخلاّقة.؟ (فليس بوسع الخيال البدئيّ الأسطوري أن يتخيّل نظريّة الخلق إلا ّ بوصفها نظرية تسمية…/ 78/ سعيد الغانمي/ فاعليّة الخيال الأدبي )
(*)
لا تكتفي السلطة باللقب فالملّقب يشعرها لعبة ً إعلامية ً. وهذا ما فعله سرجون الأكدي لتثبيت سلطانه وطاعته (أن سرجون أدخل أسم الملك في العقود القانونية مع أسماء الآلهة..ومن الوسائل التي أدخلها سرجون لتوطيد وحدة المملكة توحيد التقويم بعد أن كان لكل مدينة في العصر السابق تقويمها الخاص بها وأسماء أشهرها وأعيادها الخاصة../387/ طه باقر ).. وسرجون لم يثق بولاء المدن السومرية التي أخضعها إلى حكمه.. لذا عيّن من جانبه حكاماً على المدن والولايات التابعة. وفي عهد حفيده (نرام- سين) صار حكام الولايات يلقبون أنفسهم (عبد الملك )!! واستمر هذا العرف من العبودية التسموية الوظيفة في العهود التالية من الحكم .
(*)
في 1922 قام علماء الآثار من جامعة بنسلفانيا والمتحف البريطاني في التنقيب والبحث في مدينة أور.. قائد البعثة الآثارية شاب إنكليزي يدعى ليونارد وولي، وأثناء التنقيب وتحديداً في الفصل الثالث من فصول البحث الأثني عشر يكتشفون قرصا مُدوّراً صغيراً من المرمر قرب مكان إقامة الكاهنة الكبرى في معبد إله القمر: مع الرسمة التي في القرص مكتوب
(إنهيدوانا، امرأة نانا الخق، زوجة نانا
أبنة سرجون، ملك الجميع،
في معبد إنانا في أور..)
(*)
هذا القرص سيكون شاهد عدل، يفصل المتخيل عن الوقائعي لأنه
(قبل العثور على القرص، لم يكن الباحثون يعرفون ما إذا كان سركون شخصاً تاريخياً حقيقيا،أو أسطورياً متخيلاً.لم يسمع أحد قطّ بإنهيدوانا قبل ذلك. وها وقد مرت خمس وسبعون سنة منذ أكتشاف إنهيدوانا، قام فيها الباحثون بالكشف عن/ وفك مغاليق آلاف الألواح الطينية المشويّة واللقى التي وسّعت نطاق معرفتنا عن العراق القديم،من بين الخمسة آلاف،أو أكثر، من الألواح الأدبيّة العراقية القديمة،يوجد من أعمال إنهيدوانا ثلاث قصائد طويلة لإنانا، وثلاث قصائد لنانا، وأثنتان وأربعون تسبيحة معبيّة/ 66/ بتي دي شونك ميدر ).. هنا تتداعى ذاكرتي المكتبية نحو الجهود الريادي للباحث العراقي العظيم – طيّب الله ثراه – طه باقر(1912- 1984)
الذي أثرى المكتبة العراقية والعربية بمصوغاته من سرد الأحفورية
فمن خلال ترجمته قرأنا (ألواح سومر) التي ألفها صموئيل كيريمر
وطه باقر هو الدليل المؤتمن الذي أرشدنا (إلى موطن الآثار والحضارة) وأصدرت هذا الكتاب السياحي مديرية الفنون والثقافة الشعبية بوزارة الارشاد 1963.. لكن اللافت للنظر أن العلاّمة طه باقر لا يذكر ولا مرة ً واحدة : الكاتبة وأول شاعرة في العالم: الكاهنة إنيخدوانا بنت الملك سرجون الأكدي التي لها دور فاعل في حكم أبيها سرجون بالأخص دورها الايجابي في تهدأة أضطرابات أور.. في الوقت الذي يذكر ولديه اللذين حكما من بعده وهما: ريموش الذي حكم تسع سنوات ومانشتوسر الذي حكم خمس عشرة سنة ثم حفيد سرجون الذي حكم قرابة ثلث قرن من الزمن.من هنا من لحظة غياب اسم الكاهنة والكاتبة وأول شاعرة في العالم،علينا أن نعلن أمتنانا العظيم للدكتور العراقي الأستاذ كامل جابر، المقيم في الولايات المتحدة الأمريكية فهو الذي ترجم هذا الكتاب الضروري لنا وللعالم العربي أجمع. والذي جعلنا في الوقت نفسه نستعيد نتفا من كتب الآخرين عن الشاعرة والكاتبة والكاهنة إنخيدوانا(وجاءت الترجمة بلغة عربية سلسة، لا ألتواء فيها،تيسر عملية قراءته وتغري بها.. ويبقى الكتاب مهماً ومفيداً وخاصة بما يقدمه من تحليل للفكر الديني ولتطور الوعي الفردي في حقبة مهمة من حقب التحول الفكري والسياسي في تاريخ العراق القديم/142/ سامي مهدي/ آفاق نقدية )
(الحاضر مفتاح الماضي)
في كتابها (صلوات إنهيدوانا) تخبرنا المؤلفة بتي دي شونك ميدر في الفصل الرابع من كتابها : في عام 1922 قام علماء الآثار من جامعة بنسلفانيا والمتحف البريطانيّ، بمغامرة مشتركة للتنقيب والبحث في مدينة أور التي دُفنت تحت ركام من الرمال في جنوب العراق.وقد غيّرت أكتشافاتهم معرفة العالم وفهمه للتاريخ، وحقبة ما قبل التاريخ. اللّقى الغنيّة التي عثروا عليها في تنقيبهم، سلّطت الضوء على 3500 سنة من الحضارة المبكرة أبتداء ً بالقرى الأولى، التي بُبنيت على حافة الأهوار الملحية حوالي 4000 قبل الميلاد، في ما يُعرف اليوم بالعراق الحديث، وتراكمت طبقات عدّة كان وجودها متخيّلا فحسب. كانت أور مركزاً للحضارة السومرّية التي أزدهرت على طول الفرات، وليس بعيداً عن نقطة أندماجه بدجلة، حيث يكوّن النهران دلتا عظيمة في رأس الخليج الفارسي. البعثة كان يقودها شاب إنكليزي يدعى ليوناردو وولي في تلال أور، طوال إثني عشر فصلاً وكانت الظروف في معظم الأوقات عصيبة.. في فصلهم الثالث يعثر المنقبون على قرص مُدّور صغير قرب مكان إقامة الكاهنة الكبرى إيهندوانا في معبد إله القمر نانا،القرص يصوّركاهنة تترأس طقس إراقة، كان مكسوراً ومشوّهاً بصورة متعمدة وعندما تم ترميمه، وجمعت قطعه معاً، ظهر نقش على ظهره ِ:
(إنهيدوانا، إمرأة نانا، زوجة نانا
أبنة سركون، ملك الجميع
في معبد إنانا في أور
منصّة أنت ِ بنيت ِ
ومنصّة
مائدة السماء،،آن،، سميّت )
هكذا أكتشف المنقبون وصفاً (صورة قلمية) لإنهيدوانا،الكاهنة الكبرى لإله القمر، وأوّل شاعرة معروفة في التاريخ، والتي تعتبر كتاباتها أقدم عمل لمؤلف معروف على أنّه شخصيّة تاريخيّة وذكرت بالاسم في القصائد والترانيم

(*)
إنخيدوانا : هي الخطوة الموسوعية الأولى التي أشرقت من بلاد الرافدين فأضأت العالم آنذاك وهاهو يستضيء بها مجدداً من خلال توالي البحوث العالمية عنها. علماء الأحفوريات يجلونها ويشهدون أن نصوص إنخيدوانا سبقت شعريا ملحمة كلكامش، وهي أول ناشطة نسوية . وأولويتها النسوية تكشفت الآن للعالم مع تصاعد النقود النسوية وهنا أصبحت إنخيدوأنا كمنجز معرفي في الشعر والسرد والكاهنة والحكم المستنير: ضرورة معاصرة في قرننا الحادي والعشرين. يعود الفضل هنا إلى مكتشفها في مقابر أور الملكية وتحديدا في المعبد (كيبارو) وهو عالم الآثار السير (ليونارد وولي) وإنخيدوأنا :هي عمة الملك (نرام – سين) حفيد سرجون الآكدي. وهي أول من حصل على لقب (كاهنة – آن) وهو منصب ذو أهمية سياسية كبرى تشغله بنات من العائلة المالكة والريادة هنا للكاتبة والشاعرة (إنخيدوانا).. ومن أجل أن يضمن سرجون الآكدي، سلامة حكمه في أور نصّبها كاهنة ً على أهم معبد في أور السومرية.. ومن خلال علماء الآثار أصبحت إنخيدوانا هي أول شاعرة في العالم وليس الشاعرة سافو لأن إنخيدوانا سبقت سافو الأغريقية بنحو سبعة عشر قرنا.. وقد تركت إنخيدوانا أعمالا شعرية ً غزيرة وتراتيل أطلقت عليها (تراتيل المعبد السومري) وكانت كتباتها باللغة السومرية.. وفي دراسة مستفيضة من الشاعر العراقي البصري الصديق الأستاذ عبد الله حسين جلاب، يؤكد عبدالله جلاب على أن لها قصائد نثر وها بدوري أضع مقبوسات من كتاب(قصيدة النثر تواقيع)
للصديق الشاعر والباحث عبد الله حسين جلاب : عبدالله يرى أن قصيدةُ النثرِ هي قصيدة ً آكدية ً بأمتيازٍ تفرّدت بأبتكارها الشاعرة ُ(إنخيدوانّا) أبنة ُ سرجون الأكديّ قبل الميلاد،فهي رائدتها الأولى في التاريخ البشري،وهي أقدم من ملحمة جلجامش،أجمل قصيدة نثر، بثمانية قرون وأقدم من إلياذة هوميروس بأحد عشر قرناً وأقدم من الشاعرة الإغريقية الغنائية سافو بسبعة عشر قرناً، فلا علاقة ولا سبق َ لأي شاعرةٍ أو شاعرٍ من الغرب والشرق،بكتابتها،قبل الميلاد. مؤلفاتها الموقّعة باسمها، منجم معلومات فنيّة دُرّست ْ ونُسِخت ْ ورتُّلت، بعد وفاتها،لمئات السنين، فهي شاعرة خاطبت قرّاءها بضمير المخاطب وأعلنت اسمها وهويّتها دون لبس في الوقت الذي نجهل فيه هوية معظم مبدعي الأدب السومري منه ملحمة جلجامش. وفي نصوصها مستويات متعددة. وفي هذا السياق تلخّص (جانيت ربرتس : مثلّت إنخيدوانا شخصية قوية ومبدعة، امرأة متعلمة أنجزت أدواراً متنوعة في مجتمع معقّد، بطموحات لا تختلف عن طموحات نساء اليوم./7 -8 / عبدالله حسين جلاب )
التسبيحة الثامنة عشر للشاعرة والكاهنة لمعبد نانا في أور

يا أور
تتناسل ثيران واقفة
في أجمة الماء والقصباء
الصخرة البيضاء أكشنو كال
عجل بقرة عظيمة
بكل ّ الحب ّ في السماء المقدسّة
بقرة وحشية
أحبولة نصبت على عُش ّ
أور
أول آكل ثمار في كل الأرضين مرور القمر
مزار في المكان النقيّ
أول فناء أرض لآن
يا بيت سيون
الأميري يليق ببابك الأماميّ
الملوكي يليق بحائطك ِ الخلفيّ
عيدك تسبيحة أدا
الطبول المقدسة و(أوب) المعدنيّ وال (آلا)
المغطاة بالجلود
تملأ مآدبك
ضياؤك الفياض
ربوبيتك المخلصة
أشياء نفيسة
في الكيبار، غرف الكاهنات
ذلك المزار الفخم للنظام الكونيّ المقدّس
يتابعون مرور القمر
ضوء القمر المتضائل ينشر على البلاد
ضوء النهار الجارف يملأ كّل بلاد
أيها البيت
وجهك المشع
أفعى عظيمة في هور القصب
أساسك
أيّها المزار
الأبسو الخمسون
البحار السبعة
يفحص الأعمال الباطنية
وما تخفي صدور الآلهة
أميرك
مالك الأمر
تاج السماء العريضة
هو أشمبابار
ملك السماء
يا مزار السماء
بَنى هذا البيت على موقعك المشرق
وشيّد مقعده على منبر
التوقيع
إنخيدوأنا الآكدية

الشخص الذي وضع هذا اللوح
هو إنخيدوأنا
مَلِكي
ما أ ُبدِع َ هنا
لم يبدعه ُ أحد من قبل
(*)
التمردات في أور تسببت في تدهور مكانة الشاعرة والكاتبة والكاهنة والحاكمة إنخيدوأنّا.. في زمن أخيها ريموش أشتدت الأضطرابات، فجُرِدت من مكانتها.. والسؤال إذا كان يمكن تجريد الحاكم فكيف يمكن تجريد الكاهن أو الكاهنة والكهانة مرتبة تنافس كل من بيده مقاليد الأمور بالنسبة لكل الأطراف، ولا ندري مدى صحة لسان التاريخ حين يعيدها للحكم في عهد (نرام – سين) وهو حفيد سرجون الآكدي وإنخيدوأنا هي عمته..

قروض
*في بحثي أقترضتُ من المراجع التالية
*طه باقر / في تاريخ الحضارات القديمة/
*سامي مهدي/ آفاق نقدية/
*سعيد الغانمي / فاعلية الخيال الأدبي/ محاولة في بلاغيّة المعرفة من الأسطورة حتى العلم الوصفي/ منشورات الجمل/ ط1/ بيروت – بغداد 2015
*عبد الله حسين جلاب/ قصيدة النثر تواقيع/ دار أمل الجديدة/ ط1/ 2016