18 ديسمبر، 2024 5:27 م

تباين التركيبة السكانية وسياسية الدولة

تباين التركيبة السكانية وسياسية الدولة

مسألة التباين في التركيبة او التشكيلة السكانية مسألة ليست جديدة ولاتخص بلد ما او إقليم او قارة ما وانما مٍسألة ظهرت بشكل لافت ومثير في القرن العشرين وبالضبط بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية وشملت هذه المسألة معطم أجزاء المعمورة تقريبا بتفاوت بعد ما تزايدت المجاعات والحروب
( Famines and Wars) وغيرها من الكوارث الطبيعة وغير الطبيعية . وبمرور الزمن اصبحت نسبة التباين في التركيبة نسبة عكسية أي كلما زادت نسبة الأجانب نقصت نسبة المواطنين وذلك في معظم بلدان العالم وخاصة تلك التي تشهد سلام دائما ورخاءا او ثراءا وتبدي مشاعر إنسانية الىجد ما في استقبال من يقدم اليها لمختلف الأسباب كما قد لايغفل في ذلك المسؤولون في الدول المضيفة مصلحة وامان وسلامة البلد لأغراض انتخابية ويضعوها في مقدمة اولياتهم في كثير من الأحيان .
كما اصبح القادمون الجدد او الوافدون (Immigrants ) ينافسون السكان الأصليين) (Nativesفي مجالات عدة مما يثير حفيظة بعض افراد هذه القئة الأخيرة التي أصبحت تنادي بالحفاظ على تراث الامة وعلى افضلية المواطن الأصلي بكل شيء يجري التنافس عليه. الا انه اصبح في ايدي هؤلاء القادمين الجدد مفاتيح البلاد ولايمكن الاستغناء عن خدماتهم ولايمكن لمسؤولي السلطة استبدالهم بل اخذ نفوذ المهاجرين يتزايد ووصل الكثير منهم الى اعلى مراتب السلطة بل الى قمتها والتي اصبح بيدهم زمام الأمور كما حصل في اسكتلاندا و بريطانيا وايرلاندا وسنغافورة حيث وصل الى القمة مسؤولون كبار من أصول هندية وصينية وكما حصل في أمريكا اللاتينية حيث وصل الى قمة السلط مسؤولون من أصول عربية شرق اوسطية.
وليسأل سائل : كيف حدث الذي حدث وتزايد اقبال المهاجرين على بلدان غير بلدانهم – بعيدة اوقريبة بشكل لافت ؟. وجوابنا عن ذلك هو كما ذكرنا في مقالات سابقة ان الكوارث الطبيعية وغير الطبيعية التي هي من عمل الانسان كالحروب والتطهير العرقي والملاحقة السياسية Political Persecution) )والهجرة من اجل تحسين مستوى المعيشةEconomic Immigration)( والصراعات القبلية والسياسية و الدينية والقبلية والطائفية conflicts دفعت الكثير من مواطني دول العالم الثالث بشكل خاص الى ركب المخاطر ومغادرة اوطانهم والهجرة الى اوطان توفر لهم الحد الأدنى من المعيشة الكريمة والمستقبل لهم ولاولاد ولمن يعيلون داخل اوطانهم الاصلية.
فقد تدفق المهاجرون (Migrants Flow ) الى اوربا وامريكا من مختلف الاعراق بعد الحرب العالمية الثانية,وحروب العالم الثالث الأخرى كالحرب الإيرانية – العراقية في ثمانينيات القرن الماضي. فمثلا تدفق اليهود الى اوربا وامريكا وقارات أخرى واستقروا هناك واقاموا الاعمال التجارية والبعض منهم حققوا احلامهم ومشاريعهم الكبرى على حساب غيرهم وذلك بتقربهم من السلطة هناك حيث أعطيت لهم الوعود في ذلك الوقت بانشاء وطن قومي لهم في فلسطين العربية وتشريد أهلها .كما لايخفى على احد ان بعض هؤلاء المهاجرين يسئون حسن الضيافة ويقومون باعمال غير لائقة ومستفزة لثوابت ومقدسات دولهم الاصلية وللدولة المضيفة لأغراض شخصية كحرق الكتب السماوية المقدسة.
الكثير من هؤلاء المهاجرين في الحقيقة كانوا يمثلون عماد البنية التحتية لبلدانهم(Infrastructure ) التي استثمرت فيهم و بذلت المال والوقت والجهد في اعدادهم وتنمية خبراتهم ومهاراتهم ومواهبهم املا في خدمة بلدانهم الاصلية ولكن الظروف والأسباب القاهرة المتنوعة اضطرتهم للمغادرة للعيش والعمل في بيئة غير بيئتهم ,هذه البيئة الجديدة في حاجة لخدماتهم مقابل مبلغ من المال قد يكفي للعيش ويعيل ذوي القربى داخل البلد الجديد وخارجه.
في معظم البلدان المستقرة من ذوات الاقتصادات القوية(Emerging Markets ) والمستقرة سياسيا أصبحت نسبة المهاجرين في التشكلية السكانية القياسية وفق لبعض الدراسات اكثر من 50% . من جهة أخرى اخذ السكان الاصليون يقلقون على حاضر ومستقبل البلاد من عدة نواحي وليس اقلها اللغوية والصحية والاجتماعية حيث على سبيل المثال تشوهت اللغة الاصلية للسكان الأصليين وأصبحت لغتهم الاصلية على وشك الاختفاء كما اخذوا يقلقون على اعراف وتقاليد البلد وتراثه وماضيهم العريق. مما توجب على قادة هذه المجتمعات مراجعة سياساتها وإعادة ترتيب أولوياتها.
المهم في كل هذا هل ستشتمل المراجعة وإعادة ترتيب الأولويات في الخطط الخمسية او العشرية للدول المضيقة ( Host states) ستشتمل على الضبط والتقليل من كل أنواع التأثيرات في اصالة المجتمعات المضيفة بشكل يتناسب عكسيا مع الازدهار و الإبقاء على الرفاه الاقتصادي والتطور النسبي؟ نتمى ذلك .
ما اردنا قوله ان الهجرة شيء لامهرب منه( inescapable ) لكثرة الكوارث التي يتعرض لها سكان الكرة الأرضية كما ان استقبال المهاجرين والترحيب بهم وايواءهم شيء لايقدر بثمن أيضا لكن يجب الا يعتمد اقتصاد البلاد المضيفة بشكل كبير جدا وكليا على قدرات هؤلاء المهاجرين بل توظيفها لخدمة الطرفين وعدم احداث تاثيرات سلبية متبادلة او الحد من هذه التأثيرات حاليا ومستقبلا من خلال التخطيط السليم والطويل الأمد والمراجعة وإعادة ترتيب الاولويات وفقا لمصالح البلد المضيف أولا والتغيرات الزمنية.