22 ديسمبر، 2024 2:36 م

تاريخ تسرب الأفكار العَلمانية إلى كردستان/ج12

تاريخ تسرب الأفكار العَلمانية إلى كردستان/ج12

تطورت العصبة الماركسية الماوية الكردستانية بعد ذلك وتحديداً في بداية سبعينيات القرن العشرين رويدا رويدا وإلتف حولها العديد من الشباب الواعي، ومن الذين إنضموا إليها في ذلك الوقت، يتذكر جلال الطالباني في مذكراته بعضاً منهم : أبو شهاب من كركوك، وشاسوار جلال (آرام) من السليمانية – قتل في منطقة قره داغ على يد القوات العراقية- وآخرين من مناطق مختلفة.
وقد استطاعت الكوملة خلال بضع سنين من النشاط السري(1970-1973م) الدؤوب من بناء جهاز حزبي متين يمتد الى العديد من المحافظات الكردية ويضم عدداً لا بأس به من الاعضاء؛ إلا أن ذلك الخط البياني المتصاعد أخذ بالتباطؤ والتراجع خلال الفترة من عام1973-1974م، حيث واجهت الكوملة العديد من التحديات والتي برزت في البداية من خلال سيل من التساؤلات التي أخذت تطرح من داخل التنظيم على اختلاف مستوياته ولم تستطع قيادة الكوملة(= السركردايتي) أن تقدم الاجابات المقنعة عليها وكان محورها:
هل نحن تنظيم (قومي ذو طابع ماركسي) أم تنظيم ماركسي خالص يمكن أن يتسع ليشمل العراق كله.
عندما نتهم الحزب الشيوعي العراقي بالتحريفية ما هو البديل على مستوى العراق؟
تحديد موقف واضح من مفهوم كردستان الكبرى.
لماذا لا يعقد كونفرانس أو اجتماع موسع لانتخاب القيادة وفق الطرق الشرعية والأصولية المتعارف عليها.
وقد تسببت تلك التساؤلات في اثارة البلبلة والاختلاف داخل صفوف التنظيم مما دفع ب(لجنة إقليم السليمانية) الى توجيه رسالة بهذا المعنى الى الطالباني وكانت الرسالة بعنوان (الدعايات داخل التنظيم)، وقد رد الطالباني عليها برسالة جوابية وجه فيها اللوم الى الكادر القيادي على تهاونه وطالب باستمرار العمل رغم كل المصاعب والعقبات… غير أن الاحداث ما لبثت أن جاءت متلاحقة باندلاع القتال في كردستان في آذار 1974 مما دفع باللجنة القيادة (= السركردايتي) الى اصدار تعليماتها في نيسان 1974 الى منتسبي الكوملة تركت لهم فيها الخيار في الالتحاق بصفوف الثورة، غير أنها طلبت فيمن يرغب منهم أن يكون من المؤثرين اجتماعياً على شرط أن لا يؤثر التحاقه على وضع التنظيم في منطقته.
بعد ذلك توالى التحاق أعضاء الكوملة بالثورة، وكان في مقدمة الملتحقين عدد من أعضاء (السركردايتي) وعلى رأسهم: (شهاب الشيخ نوري) و(فريدون عبدالقادر) وكان بمعيتهم لفيف من الكادر المتقدم ومجاميع من طلبة جامعة السليمانية من أفراد الكوملة، حيث قتل ثلاثة منهم أثناء الغارات الجوية على مدينة قلعة دزة في 24/3/1974م التي اتخذها طلبة وأساتذة جامعة السليمانية الملتحقين بالثورة مقراً بديلاً لجامعتهم في مدينة السليمانية. ويتطرق السيد مسعود البارزاني الى هذه الحادثة بالقول:” كما قامت الطائرات في 42 نيسان بقــصف مـركــز الجــامـعــة في قلعــه دزه، أدى الى إسـتشـهـاد مائة وثـلاثة وعشـرين طالبـاً جامـعـياً وجـرح أكـثـر من أربعمـائة منهم. كـانت أعظم كـارثة تُمنى بهـا الثـورة في كـردسـتـان منذ قيـامـهـا وأعظم جـريمة يرتكبـهـا النظام بحق الشعب الكردي وستبقى ذكرى بشاعتها في ضميره خالدة”. (البارزاني والحركة التحررية الكردية، ج3، ص333).
وبعد التحاق شهاب الشيخ نوري قائد الكوملة، التقى بالسيد ادريس البارزاني عضو المكتب السياسي لحزب البارتي الذي بادره بالقول:” متى تقومون بالثورة ضدنا”، لكن شهاب تجاهل مقصده ورد عليه قائلاً:” بأنه جاء ليلتحق بصفوف الثورة شأنه في ذلك شأن أي مواطن كردي شريف… ومع تغافل قيادة البارتي ازاء ذلك فأوعزت الى جهاز مخابرات الحزب الديمقراطي الكردستاني(= الباراستن) برصد ومتابعة كل تحركات قادة وكوادر وأعضاء الكوملة الملتحقين بصفوف الثورة وتم اعداد قائمة بأسماء (72) منهم… ليتم تصفيتهم في الوقت المناسب”. ينظر(صلاح الخرسان، التيارات السياسية في كردستان العراق، ص334-335).
ويبدو أن محاور السيد الطالباني سأله حول وجود مندسين أو جواسيس داخل العصبة، ويشير الطالباني الى ذلك بالقول:” وفي تلك الفترة إشتبهنا بشخصين بأنهما أخبرا البارتي وكانا يتقربان اليه أحدهما (م.م) الذي لم يكن جبانا، والثاني ( س.ب ) الذي أوصل نسخة من برنامج العصبة الى الملا مصطفى(= البارزاني). أما البارتي والناس عموما فقد شعروا بوجود تنظيم جديد ولكنهم لم يعرفوا إسمه ورموزه تحديدا، وبعد أن سافر (= جلال الطالباني) الى الخارج عام 1972، بقي هؤلاء الرفاق في الداخل منهم: شهاب شيخ نوري، وفريدون عبدالقادر، وجعفر عبدالواحد وكانوا من أنشط أعضاء التنظيم الجديد”.
والى جانب وقوع الكوملة في دائرة الرصد الامني فإن حالة من التخلل والارتباك أخذت تدب في صفوفها بسبب التناقضات في مواقف اللجنة القيادية التي التئم شملها بالتحاق باقي أعضائها بمناطق الثورة فيما بعد. ففي أواخر عام1974م صدر بيان عن السركردايتي أشاد فيه بالحرب الدائرة في كردستان معتبراً إياها حرباً عادلةً يخوضها الشعب الكردي ضد جلاديه ومحتلي أراضيه حتى لو كانت قيادتها عشائرية اقطاعية. ولكن لم يمض سوى شهر واحد على صدور ذلك البيان حتى صدر بيان آخر اعتبر القتال الناشب حرباً غير عادلة اكتوت الجماهيرالكردية بنيرانها التي أحرقت الاخضر واليابس.
وكان أكثر تنظيمات الكوملة تأثراً بتلك المواقف المتناقضة (تنظيم السليمانية)، إلا أن انهيار الثورة الكردية اثر التوقيع على اتفاقية الجزائر في6/3/1975 غطى على كل الانتقادات التي وجهت للجنة القيادة من داخل التنظيم.
وكان جلال الطالباني قد سارع بعد الاعلان عن اتفاق الجزائر الى الاتصال بالسركردايتي… طالباً منهم الاستمرار في المقاومة المسلحة والشروع بحرب عصابات طويلة الامد، إلا أن ذلك لم يكن ممكناً في مثل تلك الظروف العصيبة، بل قررت السركردايتي الاستجابة لقرار العفو الذي أصدرته السلطة العراقية، وكان أول من سلم نفسه سكرتير اللجنة القيادية: شهاب الشيخ نوري في منطقة بنجوين وبرفقته كل أعضاء السركردايتي، جعفر عبدالواحد، فريدون عبدالقادر وغيرهم.
ورغم أن السيد الطالباني سافر الى خارج الوطن فإنه مع ذلك كان يتابع بكل دقة نشاطات العصبة، من ناحية نقاط القوة والضعف، ومن الذي كان يديرها أو يقودها في تلك الحقبة، واحتياجاته الى الدعم من جميع النواحي:” كنت أتابعهم من بعيد، وشعرت ببعض الأشياء التي رأيتها مضرة بالعصبة. الأول، هو الأسلوب الهاديء الزائد عن اللزوم لشهاب شيخ نوري في إدارة الأمور والذي لم يكن مناسبا لحل مشكلات التنظيم، فقد أحدث مشكلة مع آوات عبدالغفور وآخرين مما أدى الى خروجهم وتشكيل عصبة الكادحين فيما بعد. كما كان أسلوب فريدون عبدالقادر فوضويا أيضا، كان يحب الظهور، فعلى سبيل المثال لو وافقنا على رأيه لكنا سنصدر مجلة ونضع فوقها شعار المطرقة والمنجل مع نجمة حمراء، وكان ذلك الشعار المعروف لجماعة الماركسيين(= الشيوعيين)، فقد كان يولي أكبر إهتمامه بالمظاهر، في وقت كان يفترض أن نولي الأهمية القصوى بالمضامين وليس بالشكليات، ولو فعلنا ما كان فريدون يريده لكان ذلك سببا في إنكشاف أمر العصبة سريعا”.
وفي حال انكشاف تنظيم العصبة، فيذكر بأن الجهات الثلاثة: الحكومة العراقية والحزب الشيوعي العراقي، وحزب البارتي بقيادة الملا مصطفى البارزاني كانت تعادينا، كل بطريقته ىالخاصة:” وفي حال إنكشف التنظيم فبالتأكيد كانت السلطة ومعها الحزب الشيوعي ستعادينا، كما أن البارتي لن يتردد في توجيه ضربة قاصمة للتنظيم والقضاء عليه. كان رأيي أن نعمل بقدر أكبر من السرية، وأن نكون دقيقين في إختيار وقبول الأعضاء، وكنت مع فكرة أن نوسع خلايا التوعية ونطورها ونعممها على جميع المناطق وأن يتم إختيار الأشخاص الكفوئين منها للقيام بالعمل التنظيمي خصوصا حين يطلب أي شخص برغبته الإنضمام الى التنظيم وليس إجباره، وحين ينضم الى التنظيم عندها سنكشف له ماهية التنظيم وكيف يعمل، ولكن للأسف ما حصل كان فوضى وإستعجال في كسب الأعضاء للتنظيم الجديد”.