23 ديسمبر، 2024 12:13 ص

تاريخ التشريع عند اليهود الكُردستانيين/ج2

تاريخ التشريع عند اليهود الكُردستانيين/ج2

فقد أمر موسى (عليه السلام) بوضع نسخة التوراة في تابوت العهد (الأمانة) وعدم طلوعها إلا في كل سبعة من السنين لإسماع بني إسرائيل، كما وضح كيفية وضعها في تابوت العهد. ينظر: عباس محمود العقاد: ابو الانبياء الخليل ابراهيم، سلسلة كتاب اليوم، ص29. فضاعت وقد ذهب بعضه، إلا أن النبي عزرا (عزير) كان قد عمل نسخة من التوراة بعد تدميرها على يد الملك البابلي نبوخذ نصر، بدعم من الأنبياء حجي وزكريا، وقد اتفق العديد من الباحثين على أن النسخة الأصلية من التوراة قد ضاعت عندما احتل الملك البابلي بختنصر (نبوخذ نصر) أورشليم القدس ودمر المعبد وسبا اليهود إلى بابل. وضاعت هذه النسخة في حادثة ملك البطالمة أنطيوخوس الرابع إبيفانس (175-163ق.م) عام 165ق.م. قاسم عبده قاسم: اليهود في مصر منذ الفتح العربي حتى الغزو العثماني، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، الطبعة الأولى، 1980، ص 64.
ولذلك عندما أرغم الملك أنطيوخوس الرابع اليهود على عبادة الاصنام، رفض كاهنهم الأكبر هذا الأمر وقاد حركة مقاومة يعاونه أبناؤه الثمانية، وتمكن الكاهن (متانيا) بمساعدة أصغر أبنائه المدعو (يهوذا المكابي) استعادة الهيكل من جيوش البطالمة، وقيل ايضا ان نسخ العهد القديم التي كانت موجودة كتبت ما بين سنتي ألف و1400م، وان جميع الكتب التي كانت قد كتبت في المائة السابعة والثامنة اعدمت بأمر محفل شورى اليهود، لأنها كانت تخالف معتقداتهم مخالفة كبيرة. ابن حزم: الفصل في الملل والنحل، ج1، ص113.

والتوراة تتضمن خمسة وأربعين سفراً، والسفر: يسمى كل كتاب من كتب العهد القديم سفر ويجمع على أسفار، واللفظة عبرانية من أصل (سيفرSefr)، بمعنى كتاب، أي جزء كامل من التوراة، وهي تقابل لفظة كتاب التي استعملها ابن النديم. ومن العبرانية أخذت السريانية لفظة (سيفروSefro) وهي فيها أيضاً بمعنى سفر ينظر: جواد علي: علم ابن النديم بالنصرانية واليهودية ضمن كتاب أبحاث في تاريخ العرب قبل الإسلام، دراسة ومراجعة: نصير الكعبي، بغداد – بيروت، المركز الأكاديمي للأبحاث، 2011م، ج2، ص303 – 305.
وقد وردت هذه اللفظة في القرآن الكريم بصيغة الجمع (… ويحمل أسفاراً)، (سورة الجمعة: الآية 5). وذكرت في كتب اللغة بالمعنى المعروف من اللفظة عند السريانيين. ينظر: البكري، معجم ما استعجم، ص369.
وتعني لفظة (سفرSefar) في السريانية درس وكتاب وتفقه وتعليم. وقد عرف علماء اللغة العربية السفر بالكتاب الكبير، أو الجزء من أجزاء التوراة، و(سفر الكتاب) كتبه. والكرام السفرة هم الكتبة. وذكر بعضهم: أن الاسفار هي الكتب بالسريانية، وقال آخرون: هي الكتب بالنبطية. و(Sefro) بمعنى كاتب مسجل، فقيه، أستاذ، رئيس. ويجمع فيها على (Sofra). افرام برصوم، الالفاظ السريانية في المعاجم العربية، دمشق، 1951م، ص84 وما بعدها.
وينقسم كل كتاب، أي سفر، الى إصحاح، وقد قسم العبرانيون الكتب الى إصحاحات، للتسهيل على القراء. ويطلق على الاصحاح عنده (براشا Parashaho). ومن هذه اللفظة جاءت كلمة (فراسات) التي ذكرها ابن النديم عنهم بمعنى السورة. ينظر: جواد علي، المرجع السابق، ج2، ص306. وقد أدخل عليها ابن النديم أو محدثه بعض التعديل، فصارت على هذا النحو. أما لفظة إصحاح، المستعملة في الترجمات العربية الحديثة، فإنها لفظة معربة عن السريانية، وهي فيها، بمعنى فصل من كتاب، ولم ترد إلا في الأسفار المقدسة. ينظر: أفرام برصوم، المرجع السابق، ص20.

ويرى اليهود أن الأسفار الخمسة الأولى هي التوراة التي نزلت على نبي الله موسى (عليه السلام)، وأما الأسفار الأربعون الأخرى فتتضمن أخبار أنبياء بني إٍسرائيل من بعد موسى وتاريخهم وأناشيدهم ونبوءاتهم. والأسفار الخمسة هي:
سفر التكوين: ويتناول الخليقة من آدم، والطوفان، وقصة إبراهيم وإسحاق ويعقوب ويوسف.
سفر الخروج: ويبحث في أحكام العقيدة اليهودية وفي خروج بني إسرائيل من مصر، وفي أحكام الزواج.
سفر اللاويين: ويتناول أحكام العبادات، والزواج والزنا.
سفر العدد: ويروي أخبار الأسباط، وحياة الأسرة والميراث.
سفر تثنية الإشتراع: ويتضمن وصايا موسى، وأحكام الطلاق. ينظر: العطار، أحكام الأسرة عند المسيحيين واليهود، ص9-10

والمصدر الآخر من مصادر الشريعة اليهودية هو (التلمود) ويعتبره الربّانيون هو التوراة الثانية، وهو عام ويتضمن كتابي: (المشنا) و(الجمارة) ويطلق بنوع خاص على الجمارة وحدها، ولا سيما التلمود البابلي ويتضمن الوصايا العشر والشرائع الدينية والمدنية والتعاليم والأحكام التي بلغها موسى شفاهة لقومه وجمعها علماء اليهود فيما بعد، وأطلقوا عليها المشنا. وكانت عملية جمعها جرت بعد عودة اليهود إلى فلسطين بعد السبي البابلي في عهد الملك الفارسي الأخميني كورش الكبير (560-529ق.م) حيث خشي اليهود أن تضيع أقوال موسى فجمعوا الأحبار بزعامة الكاهن (عزرا) ودونوه. توفيق سلطان اليوزبكي: تاريخ أهل الذمة في العراق، دار العلوم للطباعة والنشر، الرياض، 1403هـ -1983م، ص242.

أما كتاب (يشوع) الذي يلي التوراة والتلمود في الترتيب، وهو في مقدمة كتب الأنبياء عند اليهود، ويبحث في افتتاح الأرض المقدسة. وأما كتاب (زبور) داود عليه السلام فقصد به ابن النديم (المزامير) وهو من أصل عبراني، ويقابله في السريانية أيضاً (مزمور)، وورد في القرآن الكريم بلفظ (الزبور)، والظاهر أن اللفظ من أًصل عربي جنوبي ومعناها (الكتاب). جواد علي: علم ابن النديم بالنصرانية واليهودية ضمن كتاب أبحاث في تاريخ العرب قبل الإسلام، ج2، ص304. والمصدر الأخير من مصادر الفكر الديني عند اليهود هو الفقه، وهو مصدر لفهم أحكام التوراة والتلمود، ويسميه اليهود بـ (المدراش) أو الدراسات، وتتضمن أقوال الفقهاء، وأشهرها مدراش (رباه) التي تدور كل دراسة منها على كتاب من كتب التوراة الخمسة وقد تمت كتابتها عند القرن السادس الميلادي، ولغة هذه الكتب عبرية. ينظر: عباس محمود العقاد: ابو الانبياء، ص43.

ويشرف على تنفيذ هذه التعاليم والشعائر اليهودية وتفسير نصوص الكتب المقدسة الحاخام (حخام) وهو الحبر أو الرئيس الديني الأعلى والفقيه، وأما (الحزان) وهو في العبرية بلا ألف (الحَزَنَ) ولكنها تنطق كأنها بألف، وهو المشرف على الكُنَيس، والقيم على الصلاة، والإمام المصلي وهو أيضاً بمثابة الخطيب يصعد المنبر ويعظهم. والامام الذي يصلي بهم يسميه القلقشندي (الشليمصيور). القلقشندي: صبح الاعشى في صناعة الانشا، بيروت، دار احياء التراث العربي، ج5، ص474. فيما يسميه الكرد ب (المعلم) ولا يفرقون في ذلك، وهذا ناتج في حقيقة الامر أنه لم يكن يتواجد عند اليهود الكردستانيين رجال دين بمرتبة كبيرة، رغم وجود أكاديميات دينية يهودية قديمة في بلادهم، مثل: أكاديمية بارزان التي خرجت علماء ومفكرين كبار من الطائفة اليهودية لهم صيت عالمي. مثل: شموئيل ناثانيل بارزاني، وابنته الرُبِيّة آسيناز شموئيل بارزاني، وزوجها يعقوب مرزاحي حاخام العمادية، والحاخام شمعون يونا بارزاني، مؤلف كتاب (شيحيطات بارزاني) أي تذكّية بارزان، والتي صنفها في سنة 5420 يهودية أي سنة 1660م، وقد نقل هذه المخطوطة الرحالة اليهودي الألماني (وولتر فيشل) الى المانيا أثناء زيارته لكردستان.