22 ديسمبر، 2024 2:35 م

بين “حي الثورة ” و “حي الرحمة”

بين “حي الثورة ” و “حي الرحمة”

“57 ” سنة عجاف عاشها الهاربين من كفر الجوع والإقطاع والشيوخ بهم، من محافظات الجنوب والفرات،حيث اتخذوا جناح الليل جملاً،فامتطوه بجلودهم العارية خفافاً دون عّز ،سوى عزة نفوسهم ونقطة حيائهم،وكرامتهم التي أبوا امتهانها.

وصل الغالبية منهم العاصمة “بغداد” سيراً على الأقدام.استقروا مجبرين قرب حركة العمل ومركز المدينة،فكانت “العاصمة والميزرة” محطتهم الأولى،ولأنهم لا يجيدون مهنة سوى الزراعة،فقد اشتغل معظمهم كعمال بناء مع “أسطوات بغداد”.

لم تهتم الدولة العراقية آنذاك كما اليوم بوضعهم،ولم تؤمن لهم وضعهم السكني،فاعتمدوا على أنفسهم ببناء بيوتهم،التي كان أساسها (قواطي الدهن)،يملئونها بـ “الطين”،ويشيدون “الجدران” ويسقفونها ب “البارية”،بعد أن يضعوا “أعمدة الخشب” ك “جسور”،ولشدة ألبوس سميت أحدى قراها “قرية المنكوبين” .

استطاع “اخو كميله” صنع الاستقرار،بوقت قياسي و زاحم البغداديين على مهنهم.

بعد “ثورة الزعيم 1958 “،تمت أزاحتهم عن البغداديين لامتصاص غضب سكانها،فمنحهم “عبد الكريم قاسم 144 م “،وعبرهم “قناة الجيش” في الوقت الذي كانت “منطقة شارع فلسطين”،تؤويهم جميعاً،وبمساحات اكبر مثلما وزعت بعد ذلك “600 ” و “400 ” م!!!.

(لازلت أتذكر ذلك الشيخ المصاب بحالة نفسية، وهو يرتجز أمام مركز شرطة الجوادر …..كرّيم يومك ما ننساه)،فهو يعتقد كما الكثيرين،بفضل الزعيم بإسكانهم !.

نتيجة الرمي السريع لهم في تلك البقعة،فقد غابت المدارس الابتدائية،وطبيعي المتوسطة،وهكذا المراحل الأخرى،حتى فقد جيل كبير منهم حق التعليم،وعلى قاعدة “التخلف الفكري يّولد الفقر والتخلف السياسي يّولد الاحتلال)،استُغلوا أبشع استغلال،سيما عندما تمكن “حزب البعث” من السلطة،فقد انخرطت شريحة كبيرة من شباب المدينة كـ “نواب ضباط” في “الجيش العراقي”،فكانوا حطباً لمعارك “القائد الضرورة”!.

استمرت “سياسة التجهيل” تجاههم،ومتلازمته الفقر في المدينة.

ليستمر الفقر والفقراء بدوامتهم!.

اليوم وعلى الرغم من الفارق الزمني السالف الذي استطاعت دول مجاورة،كانت صحارى قاحلة التحّول إلى قبلة يحجها ملايين الناسمن بلدان مختلفة ،بنصف ذلك الزمن.

يعيد الساسة الديمقراطيون،نهج أسلافهم الدكتاتوريون،في استهداف تلك الشريحة وتلك المدينة ومخرجاتها.

“حي الرحمة”،الذي يقطنه أحفاد أولئك الذي سكنوا مدينة الثورة عندما قذفهم الزعيم،بعد أن تشظوا من بيوتها ذات “144 م “،ولم تكفيهم وقوفاً!.

يستغلهم ساسة اليوم كـ “مشاريع انتخابية” تنتهي صلاحياتها مع قفل “صناديق الاقتراع” !.

عام “2013 ” شكل المالكي “لجنة مبادرة السكن”بشعار “لكل عائلة سكن” استطاعت من قطع شوط كبير في إنهاء معاناة الكثيرين،وتم تطويب مناطق عديدة.

حي الرحمة تم تطويب “600 ” بيت وظل “315 ” بيت دون سندات،كونهم لم يتواجدوا حين زيارة اللجنة!،فعمل لهم ملحق لتطويبهم،وهو حاصل على موافقات أصولية،ومتوقف الآن على رف احد المدراء العامين في أمانة مجلس الوزراء، منذ العام 2013 !!!.

الكارثة أمس قرأت خبر منشور يحمل قرار تطويب تلك الأراضي،بقرار جديد،لا يستند إلى قرار لجنة مبادرة السكن،التي منحت السندات مقابل”15 ” ألف دينار عراقي،وتريد بيع المتبقين قطع الأراضي البالغة “315 ” بيت بسعر خيالي،يعجز أهالي حي الرحمة من شراء بيوتهم التي سلبت منهم قوتهم وعرت أطفالهم حتى شيدوا كأسلافهم سقوفاً تصلح للبقاء،وليس للسكن فالمنطقة دون مجاري ولا تبليط ولا مدارس ولا مركز صحي !.

فهل يسلم جيلاً جيلاً ….بعده الجهل؟