19 ديسمبر، 2024 1:55 ص

بين الدولة والحكومة : الماضي يعتقل المستقبل قراءة مجاورة (الثورات العربية… سيرة غير ذاتية)

بين الدولة والحكومة : الماضي يعتقل المستقبل قراءة مجاورة (الثورات العربية… سيرة غير ذاتية)

فتحي المسكيني – أم الزين بنشيخة المسكيني
(*)
* في معجم الثورة : الشيوعية ليست إلحاداً / ص247
* لا حق لليسار أن يخطىء هذه المرّة
* لا ينبغي أن نتجاهل أنّ اليسار العربي هو من ساهم،بقدر كبير من رسم
معالم الإنسان العربي الحديث، وهو الذي أدخل ثقافة المواطنة والمجتمع المدني وهو الذي غرس في هذه الشعوب مبادىء الحرية والعدالة الاجتماعية والنضال ضد القمع والهيمنة.
*أنّ مفكّري اليسار ومناضليه هم من ساهم في تحويل الإنسان العربي من الرعية إلى المواطن ومن الانطواء على التراث إلى الانتماء النشيط إلى باحة الكونية..
*أن قوى اليسار العربي هي التي دافعت عن قضايا المرأة ومنحتها حقوقها
*قوى اليسار هي من صممت الفكر النقابي والمنظمات النقابية واتحادات الشغل ودافعت عن الكادحين والكادحات والفقراء والمهمشين في كل مكان من البلاد العربية .
*كفّوا عن الربط بين الله والسياسة
وبين ما هو جليل إطلاقا وما هو بشري وماكر..
*كل مَن يواصل الاعتلاء عن هموم الشعوب مذنب
في حق التاريخ والذاكرة والماركسية ودماء الشهداء
وجرحي الثورة وآلام المساجين الشيوعيين الذين
أضطهدهم الطاغية العربي
*كل من يريد أن يكفر لا حاجة له أبداً بأن يكون ماركسيّا
بل لنا في تاريخنا العربي الإسلامي مرجعيات وأسماء
شهيرة أخطر بكثير من الماركسية على الدين الإسلامي
*فلا أحد يشك في أنّنا جميعاً مسلمون في انتمائنا للثقافة
التي ولدنا في رحمها، وتربينا على آياتها وأعيادها وآدابها
لكنّنا أيضاً من جهة أخرى نحن كونيون لأننا أبناء الإنسانية
التي تعمل من أجل أن نكون جديرين بها
*أن الماركسية لا تنشر الإلحاد فتلك مسألة لا تهمها
*ضرورة أن يبحث اليسار العربي عن طرق مغايرة للتعامل مع الأحزاب الإسلامية، فالصدام مع الإسلاميين والخوض في معارك التكفير والإيمان استراتيجية غير ناجحة في التصالح مع الشعوب العربية والالتحام بأحلامها وأوهامها.
هذه المنجّمات الرائعة والضرورية التي اطلقتها الأستاذة الباحثة أم الزين بنشيخة، في القسم الثاني المخصص لها من الكتاب ص222- 223: أراها لافتات ملونة تزيدنا بهجة ً ونحن (أبداً على هذا الطريق) كما قالها سميح القاسم في 1971 وكان يمكن أن تكون هذه اللافتات العتبة النصية لكتاب (الثورات العربية… سيرة غير ذاتية)
(*)
أرى أن (الثورات العربية … سيرة غير ذاتية) من الكتب الضرورية.. تتناول ما يجري،بوعي اجتماعي حداثي يمازج بين الوضوح الإعلامي والشحنات الفلسفية التي تجعل فعل القراءة مصغيا لعذوبة سرد عميق يتحاور في موضوعات مستجدة واجهتها المنطقة بتوقيت القرن الحادي والعشرين.
(*)
العنوان يشتغل على الثورات العربية، لكننا حين نقرأه نراه يقتصر على تجربة الثورة في تونس، وما جرى في تونس على أهميته الثورية ، لا يوسق المتغيرات الثورية العربية كافة..
(*)
الحرية : هي الشخصية الرئيسة في هذه السيرة غير الذاتية، والمفكّر به نصيا لا يخرج عن مشغل المثقف والثقافة العربية. اعني اتصالية
: الهوية ——— الحرية —— الحقيقة..
وهذا الثالوث الوجودي، هو من أهم الهموم الفلسفية لدى المفكر فتحي المسكيني وقد توقف فيه عميقا في كتابه (الهوية والحرية ).. وهنا في (سيرة غير ذاتية…) يعود لحفرياته المعرفية متسائلا : (هل لدينا سياسة هوية مناسبة لحريتنا؟) وكيف (نواجه أنفسنا بشكل مناسب لحقيقتنا؟/ 100) أما الأستاذة الباحثة أم الزين فهذا لقائي النصي الثاني، لقائي الأول كان في 2016 مع روايتها (جرحى السماء)
(*)
من خلال تجربتي في الحراك الوطني العراقي، أقول بسخرية مرّة ٍ
: الدولة غير مسؤولة عن حياة مَن يثور أكثر من اللازم. لأن الدولة لا ثورية تعلو على ثوريتها – ذلك من الأمراض المزمنة لأي دولة – ومن يحاول .. فالدولة بريئة عما يجري له، فهذا المختلف ثوريا بحيازته مطاليب غير مجازة من قبل الحكومة التي هي( سلطة من سلطات الدولة معنية بتنفيذ خطة وسياسات الدولة أسوة ً بالسلطات الأخرى : القضائية والتشريعية والإعلامية ./ د. يعقوب الشراح )
وهي مطاليب المطالب: تحتاج رعاية ً رسمية ً من أجل ترشيد استهلاكها، فما في حيازة المواطن الثائر : تعود ملكيته للمال العام : وهذا مرض آخر من أمراض الدولة – وبهذه الحيلة الفقهية تنتصر الدولة التي لا تسمح لأحد أن يعيش أو يموت : إلاّ بمشيئتها !! – الدولة هنا تسرق مطلقية المطلق وتقوم بسحبها من علوها وأرضنتها في الواقع اليومي . فأنت هنا تغضب الحكومة ومن يغضبها فقد تمادى (إلى أبعد ممّا تحتمله الحكومة في الشعور أو العنف الثوري فإن عليك أن تسدد فاتورة الغضب غير المرخّص له على حسابك../142)
(*)
منذ سقوط الطواغيت العرب والأحزاب الإسلامية تحقق انتصاراتها الانتخابية ويتأطر حضورها في انتصارها الذي لا يملك أي نسبة ضئيلة من الانتصار الميداني بين الجماهير المخذولة . وهنا تتساءل الباحثة أم الزين بنشيخة :
(ما العلاقة بين الانتصار الانتخابي في جمع الأغلبية والانتصار السياسي في تحرير الشعوب من الأستبداد؟ وبأيّ شيء تعدنا الاحزاب اليمينية في شأن معارك التحرر من الاستبداد ومعارك التنمية ضد سياسات التفقير والبؤس للعهد البائد؟ /220 )
والدولة سيكون حجاجها بعذر شرعي !! : فقد اصبح التغيير ما بعد سقوط الطغاة : من الاعباء الأخلاقية الواجب تنفيذها وسنكون أمام تنويعات مرعبة من التصفيات وفي الهواء الطلق وهكذا ينتصر عدل الدولة وتطمئن الحكومة التي ترفض قوانين الدولة المدنية، ولا تؤمن بشرعيتها الدينية !!
(*)
يحاول بعض المفكرين الإسلاميين: انتاج نسخة محدثة من الحكم الإسلامي (دولة الوقت التي تعمُرُ العالم): دولة إسلامية موائمة للقرن الحادي والعشرين كما يرى المفكّر الإسلامي أمحمد جبرون* أما الباحث مولاي أحمد ولد مولاي عبد الكريم ولد جعفر، فيشتغل على مفهوم(الدولة المحايدة) تأسيساً للتوافقات العلائقية بين الدولة والدين وعلاقة السياسي بالديني
(*)
بعد سقوط طاغية العراق وظهور فجر الحرية سرعان ما انبجس الفجر دما عراقيا واصبح المواطن مستهدفا من الارهاب والفوهات الكاتمة في الهواء الطلق والسؤال الضروري هو كيف وبعد فترة سريعة من الخلاص، صارت (كل غرائز الحرية مذنبة أو غير مرحب بها في ساحات الحكومة../ 150) ؟! فمن تمكن غادر البلاد خوفا على نفسه وهكذا تجردت الحرية من مقومات المكان الأخلاقي، وتمازج المستقبل والآخرة، ولم يعد الصبر ممكنا ًأمام سيادة الفساد والجوع والأرهاب، وتغليق أبواب الوظيفة أمام شباب العراق، إذن (ماذا يفعل المعتصمون بالوطن؟) وكيفية استعادة الوطن المفقود؟ كيفية تصنيع عراق بلا شوائب التدخلات، وهكذا توزع الشباب العراقي بين منزلتيّ : الفرار من المكان / التشبث بالمكان، والمنزلة الثانية اجترحت نمطا جديدا من الأمكنة، من خلال هذه الامكنة : يتأثل وجه جديدٌ : للصداقة والمخاصمة. لقد اكتشف الوعي الشبابي العراقي: (الاعتصام فنّ عصبي لتنشيط القوى الحية في الجموع وتحويلها إلى كتلة رعب عددية، لا تستعمل العنف إلاّ عرضا، لكنها تلوّح بقوة الصمت العمومي../118/ فتحي المسكيني) وقد تعرض المعتصمون في مدينتي البصرة قبل سنوات إلى اعتداء من قبل هراوات الحكومة ثم استشهد في ساحات التظاهرات في البصرة والناصرية وبغداد عشرات الشهداء.أضطر الشباب العراقي إلى استمرار التظاهرات والأعتصامات في الهواء الطلق المسقّف بالهراوات والمسيل للدفع والرصاص الحي وخراطيم المياه وهنا اتضح الفرق الوحيد بين زمن الطاغية وفجر الحرية الموهومة : أن القطن الذي حشره أزلام الطاغية في أفواهنا تلقفته مراكز النفوذ والقوى بعد سقوط الطاغية وحشرته في آذانهم . وهكذا رأينا (كل طرف يستعمل حرّيته الشخصية مثل كمين أخلاقي للآخرين../ 99) ومن جانب آخر لنكن في منتهى الدقة التاريخية، التظاهرات انطلقت شرارتها من البصرة بمبادرة الحزب الشيوعي بتاريخ 2011 ضد الفساد ومن أجل تشغيل الشباب العاطلين وشارك في التظاهرات التيار الديمقراطي والتيار الصدري وجرى تنسيق بين المتظاهرين، وكانت فئة من الشعب تتظاهر رافعة مطالبيها الخاصة وكان بين تجمع هذه الفئات وبين المتظاهرين برزخ، فهذه الفئات تشارك مرة ً واحدة ً وتنسحب.. واستمرت التظاهرات سلمية لكن في 2018 تكبدت التظاهرات كوكبة تلو الآخرى من الشهداء في البصرة وميناء أم قصر والناصرية وبغداد، وفي 2018 تكاثرت العناصر الشبابية غير المؤدلجة لأي طرف تطالب بكل أسباب الحياة الكريمة، وهنا صارت السيادة في التظاهرات للطلبة من مختلف الأعمار وقد استشهد كوكبة من الطلبة بالرصاص الحي الذي كانت تطلقه القوات العسكرية.. وما تقوله الباحثة أم الزين بنشيخة ينطبق على أوضاعنا، فعلا أن شريحة الشباب هي المؤهلة للثورة ( أولئك الذين لم ينخرطوا بعد في أجهزة الدولة، ومن ثّم لم يتطبعوا بعد بطابع المؤسسة../79) ..ما جرى ويجري (تبديل كلي لدورة الزمان التاريخي، تحت إرادة شعوب حرة لا يمكن لأي جهة مهما كانت قوتها أن تعطلها.. لم يثر الشباب الذي عجزت الدولة عن إقناعه بالانتماء إليها/ 80/ ) ما فعله الشباب المعطّل بالقوة (هو لا يريد أن يكون وثناً انتخابيا أو أعلاميا لأي حاكم.. هو يريد أن يوقف القدر المزيّف الذي اخترعه الحاكم وحوّله إلى برنامج مستمر..) لا خلاف مع جاء بين القوسين لكن التجربة العربية تنفي القول التالي (الحاكم لن ينتهي وحده،بل سوف تنتهي معه رؤية شاملة وطويلة الأمد لمفاهيم الحكم والحاكم والمحكوم في ثقافتنا العميقة ../81) أعني أن الواقع العربي قد جرّح هذا القول ذلك لأن بسقوط الطغاة العرب فقست تماثيلهم عشرات الطغاة وبنسخة أكثر رداءة مما دعا بعض الناس أن يترحموا على زمن أولئك الطغاة. من هذه الفوضى المبرمجة دموياً ينبثق الألم بهذه الصيغة السؤالية (هل كانت الدكتاتورية أنسب من أيّ حلم ديمقراطي من أجل أنّها أقدر على الحفاظ على شروط السلم الأمنية ../86)
(*)
النعمة الوحيدة التي نالها المواطن هي نسائم الديمقراطية والتي بدورها لا تخلو من شوائب..ومن هذه الانتفاضات العربية ومنها انتفاضة تشرين العراقية. نرى أن (ولادة الشخص الإنساني كمشكل مدني جذري،لأول مرة وليس كمخلوق توحيدي أو حتى كمواطن لدولة قانونية حديثة) لكن كل هذه المكاسب النزرة ما تزال تقاوم بكل روحها الوثابة للنقلة الكبرى من طور المواطنة القسرية إلى طور الشخصية الحرة التي تمتلك حقاَ ثوريا في أختراع المصير وهذه المرة ليس المصير الذي يحتكره،، حزب،، يستمد شرعية تاريخية.. بل المصير الذي لم يعد يقبل بأي نوع من الشرعية التاريخية، وهذه الديمقراطية المنتزعة هي ضمن الاستحقاق المدني، لا فضل فيه لأحد، لا لعلماني ولا لأصولي.. هنا تكون الديمقراطية نوعاً من الحرية المدنية لا الأيديولوجي .. وسنلاحظ كيف يكون نزع اللثام من اليقينات المتآكلة: (إن الدولة المدنية هي عنوان بلا أي مضمون جاهز/ 87) لكن هذا لا يعني أن الحرية المدنية محسومة لصالح الليبرالين، بناء على أن هذه الحرية المدنية : قيمة ليبرالية محض. لكن هؤلاء نسوا أو تناسوا : أن المدني ليس ليبراليا ً بالضرورة. وهنا علينا أن نفرّق بين المدني والقانوني الذي هو أكتشاف حقوقي حديث، أما المدنيّ فهو يعيدنا إلى زمن أسخيلوس وأثينا. وهكذا علينا أن نعي أننا نعيش معا، لكننا لا نعيش سوية ً..(ربما يكون القانون الحديث عادلا، لكنه ليس بالضرورة يكون منصفّا) وسبب هذا الازدواج / التضاد، هو أن القانون(بنيته الصورية في واد، ومضمونه الاخلاقي في وادٍ آخر..) والحرية حين يساء استعملها، تكون حرية غير مفهومة وهكذا حرية ستكون خطرا كبير ولكن ليس على أمن الدولة ، بل على قيمة المواطنة التي لا معنى لوجود الدولة من دونها، والخطورة تكمن أن من يتسنم السلطة،العودة إلى المنزل، ثم يبدأ العد التنازلي للمواطنة، حتى تصل إلى الصفوف الخلفية، وهكذا تصير المواطنة (عبء أخلاقي على الحاكم الشرعي . كأن الشرعية هي تعليق للمواطنة وتعويض لها بتمثيلية مفارقة. ومن ثم فإن أقل حس قويّ بالمواطنة سوف يظهر في مظهر تصرف مشط وغير مؤدّب وهامشي تماما /152)
وهذا ما جرى في مدينتي البصرة وفي مدن العراق حيث واجهت الحكومة التظاهرات بالرصاص الحي في 2018 وما بعدها، هل كانت انتفاضة تشرين بلا قيادة؟ هنا علينا أن نتمهل ونقول ملء المنطق الجديد،أن مفهوم القيادة نزع جلده التقليدي العقائدي أو العسكري أو الطائفي، لقد اجرت انتفاضة تشرين تحويرا على مفهوم القيادة هنا في البصرة وفي محافظات العراق الثائرة، صارت الجماهير لاتحتاج : (مفهوم القائد والزعيم والرمز الثوري عامة، حيث تتحول القيادة من النخبة والزعامة والصنمية التقليدية الإستبدادية إلى ،، قيادة ميكروسياسية آنية ومؤقته ومتكثرة ومتدفقة،، /195/ أم الزين )
(*)
في كتاب (الثورات العربية … سيرة غير ذاتية) جوانب أخرى تستحق قراءتي المنتجة في القريب العاجل ..
*فتحي المسكيني – أم الزين بنشيخة المسكيني / الثورات العربية… سيرة غير ذاتية/ جداول / لبنان /ط1/ 2013
*د. يعقوب الشراح / الخلط بين الدولة والحكومة/ الرأي / 19/ يناير/ 2016
* بخصول مولاي أحمد/ راجع مجلة (الباب) ص39 /ع/7/ خريف 2015
*بخصوص أمحمد جبرون / ص198 / المصدر السابق

أحدث المقالات

أحدث المقالات