الحلقة السادسة
بين الحقيقة والخُرافة ….في دولة الاسلام ..جدلية
حقيقة نظرية المهدي المنتظر
أثناء اعدادي لرسالة الدكتوراه في جامعة القاهرة العتيدة عام 1979 ،كلفني الاستاذ المشرف البروفسر حسين مؤنس “رحمه الله” ان اكتب فصلا عن نظرية المهدي المنتظر عند الشيعة..بأعتبار ان البحث يتقارب مع هذا التوجه عند العباسيين.فأستجبت للامر ، رغم ان التكليف كان صعبا لعدم ثبوتية المصادر والاراء المتضاربة فيها عند فقهاء الشيعة أنفسهم والغالبية منهم من الايرانيين الذين ..تندر في كتاباتهم الحيادية في البحث والتنقيب وخاصة شيوخ البويهيين .غامرت لا بل نفذت طلب استاذي الجليل فكتبت هذا العنوان “المهدي وأصل التسمية” بعد جهد جهيد واتعاب لا توصف في البحث والتنقيب عن المصادر الاساس التي كتبت في هذا العنوان (المهدي المنتظر ) عند الشيعة دون اثبات أكيد.
اجمعت مصادر اللغة العربية ان كلمة المهدي تعني هو الذي هداه الله الى الحق وبه سمي الرسول بالمهدي ،”ابن ماجة في المقدمة ص6″وقد رددها حسان بن ثابت في مدح الرسول(ص) حين يقول :
ما بال عيناك لا تنام كأنما كحلت مآ قيها بكحل الأربدِ
جزعاً على المهدي أصبح ثاويا يا خير من وطأ الحصى لا تبعدِ
بعد وفاة الرسول تعددت القراءات والتسميات فنسبوا الكلمة للامام علي(‘ع) ومنهم من نسبها للحسين بن علي (ع) ومنهم من قال انه محمد بن الحنفية الباقي الذي لا يموت..وسيظهر اخر الزمان ليملأ الأرض عدا بعد ان ملئت ظلما وجوراً ،أبن سعد الطبقات ج5ص68″.
وقد تلقف الخلفاء هذا اللقب فراحوا يلقبون به كل من ارادوه ان يكون خالدا لهم في التاريخ ،النوبختي فرق الشيعة ص27.لكن فكرة هذا اللقب اتسعت وتطورت واكتسبت دلالات حتى ارتبطت بخيط اساس هو ان المهدي فكرا وعقيدة ترمز الى ما اتفق عليه بالمنتظر الغائب لتخليص البشرية مما اصابها من حيف السلطة ورجالها ،حتى غدت فكرة المهدي تتجه لطموح اتجهت اليه البشرية بمختلف اديانها للخلاص من الظلم ،”محمد باقر الصدر في بحثه المهدي ص7 “.
ولا بد للباحث المتقصي من ان يشير الى ان فكرة المهدي تنتمي في جوهرها الأبعد ،الى ما تعارف عليه علماء الانثر بولوجيا بفكرة الانبعاث التي ارتبطت بأقدم معطيات البشرية الفكرية، ولنا ان نتسائل اليس لفكرة الآله الذي يموت في الاساطير وبموته يحل في الارض الخراب ثم يبعث من جديد فتملأ الارض خضرة وربيعا علاقة بفكرة المهدي المنتظر الذي سيملأ الارض عدلا بعد ام ملئت ظلما وجورا.لقد كانت المناطق المحيطة بالبحر المتوسط مكانا لمثل هذه الافكار،فمنذ عهد الاغريق القدماء يموت آودونيس ثم يبعث فتبعث معه الحياة ،وهو عند البابليين تموز ،وعند المصريين أزوريس،وعند سكان اسيا الصغرى آيتس ..ويلاحظ ان هذه الاسماء كلها ليست الا اوجها متعددة لتسمية واحدة وفكرة واحدة هي فكرة البعث بعد الموت :”انظر الكتاب المقدس الاصحاح الثامن ص 1185 “.
وليس من شك في ان فكرة المهدي في الاسلام ذات علاقة وثيقة بفكرة المنتظر المسيح الذي سيبعث بعد موته،حتى ان بعض الشيعة من المسلمين يعتقدون ان بعث المهدي يرافقه بعث المسيح وبعث السيد الخضر ،الطبري دلائل الامامة ص72.
ولقد اكتسبت فكرة بعث المهدي في الاسلام اهمية عظمى بعد ما تناقلت كتب الاحاديث المزورة قول الرسول (ص) لا تقوم الساعة حتى تملأ الارض جورا وظلما وعدوانا فيخرج من اهل بيتي من يملأها قسطا وعدلا اسمه اسمي وكنيته كنيتي..الطبقات ابن سعدج5 ص68 وكلها احاديث موضوعة لا صحة لها بالمطلق.
عقيدة المهدي دخلت الفكر الشيعي الوهمي منذ البداية .. ثم تناقلها العباسيون حتى غدة شعارا يرفعه كل الثائرين والخارجين على حكوماتهم لذا رفضها ابن خلدون وعدها نزعة عصبية في الاسلام .
ثم تبناها العباسيون وخاصة عهد المنصور العباسي (ت158 للهجرة) ليضيفوا شرعية لحكمهم الطويل بعد ان فشلوا في الحصول على شرعية له والمنصور نفسه يعرف ان ابنه المهدي ليس هو المهدي المقصود.. لكنه اصر وسمى ولقب محتضنا فكرة رائعة يستطيع بها ان يدعم اركان سلطان اللا شرعي الذي قام على السيف لا العدل .لانه ادرك ان لهذه الفكرة سحراً رائعاً في آذان الناس،وهي طريق صائب لولاء الرعية .
لكنه ما درى ان التخلي عن التعصب في الدين امر ضروري لمعرفة الحقيقة الدينية التي تتغير وتتطور بمرور الزمن وهي ليست مطلقة ومنقوشة فروق حجر..من هنا استخدم المنصور اصحاب القلم لتأييدها فهم الاسرع في الخيانة ، لانهم الاقدر على تبريرها كما نشاهد اليوم عند المثقفين الخونة وباعة الاوطان منهم ومن المعممين الذين يدعون لتطبيق الدين بعد ان انهارت قيم الحياة المقدسة عندهم واصبحوا يتعاملون من نظريات الفساد والتعامل معها بشطارة لاسقاط قدسية النضال والدين معا.واليوم حائرين لا يعرفون كيف يخرجون من عنق الزجاجة التي تهشمت على رقابهم.
بحث طويل يحتاج الى حلقات دراسية موسعة في المستقبل لبيان لصحة الادعاء من عدمه.
[email protected]