نعم بين اسلام القرآن…وأسلام الفقهاء … بون شاسع وكبير.علينا ان ننبه المشتغلين بالنص الديني الى ضرورة البحث والتدقيق في أصول التاريخ الاسلامي لنصحح ما يحتاج الى تصحيح ،وتصفية ما يحتاج الى تصفية ، مما شابه من عدم الدقة فيما قدمه الفقهاء تفسيرا لا تأويلاً فاضاعوا صحة النص وكل جديد ، في قرآنٍ منزلٍ كان المفروض ان ينتج أمة واحدة “ان هذه أمتكم امة واحدة وانا ربكم فأعبدون،الانبياء 92”..لا ان ينتجوا لنا مذاهب ومسارب مختلفة ومتخالفة فرقتنا وابعادتنا عن كل استقامة ووحدة وتجديد حتى رمتنا خلف الأمم .
ان النص القرآني المقدس في الاسلام بطبيعته نظرية اشكالية ،لأحتوائه على المعنى الظاهر والباطن .. لذا فهو بحاجة الى جدلية لمعرفة التأويل الصحيح له من التفسير الفقهي،كما في الأديان الأخرى لأنتمائه الى عصرِماضٍ بعيد.أمتاز بالعاطفة الروحانية النابعة من القلب لا العقل ..وكانت تهدف الى زرع الأيمان في العقيدة متجاوزة طرق البرهان ،بين العقل والقلب في التأويل والتفسير للوصول الى حقيقة ما يهدف اليه النص.لذا أوجدوا بينهما جدلية.
الاول يهدف الى زمن ومعرفة النص لغوياً ،والثاني يهدف الى متابعة العملية التفسيرية من أجل الكشف عن المستويات الباطنية للنص.فالنص يقرأهُ العام والخاص وكل منهما يفهمه حسب مستواه العلمي واللغوي،لذا من واجب الفقيه والعالم ان يبين مقاصده بيسر وسهولة لمعرفة القصد في التحقيق لكل المستويات.والثاني يهدف الى المعنى الحقيقي له في التطبيق كي لا يحدث الاختلاف الذي شق ظاهر وباطن عقيدة المسلمين..وبمرور الزمن تحولت الى تقليد . بعد ان احتلت مرجعيات الدين الصدارة في التقديس “قدس سره” دون الحاجة لما ورد في النص المقدس فضاعت قيمة التنفيذ …وكلها خدمة للسلطة لا الدين..
ان دراسة النص يجب ان تكون على مستويات مختلفة من حيث الفهم الظاهر والباطن ، لأن كل منهما يهدف الى اهداف مختلفة الواحد عن الأخر،ولا يمكن فهمهما الا بالتجربة المعرفية لكل جيل لكي تسوقه الدراسة الى ادراك المستويات التي لم تستطع الاجيال الماضية ادراكها ،هنا تلعب الصيرورة الزمنية (التاريخ) دورا في الأدراك والفهم الظاهر والباطن للنص المقدس .
هذه الحالة ظلت حبيسة النص عند فقهاء المسلمين الذين اشتركوا في التفسير الظاهر للنص في القرون الاولى لحركة التفسير، لعدم ادراكهم حقيقة التأويل لأنهم جاؤا في زمن لم تصل المعرفة العلمية للتأويل الى ما يتطلبه النص في التحقيق..في وقت ان اللغة العربية لم تستكمل تجريداتها الحسية بعد..في الزمن الاول للدعوة.
ولأن المفسرين الاوائل والحاليين لم يطرحوا الأدبيات الاسلامية عقيدة وسلوكاً دون ان يدخلوا في العمق الفلسفي للعقيدة الاسلامية حتى انطلقت اطروحاتهم من مسلمات بحاجة الى اعادة نظربعد ان دارت في حلقات مفرغة لم يصلوا بها الى حل المعضلات الاساسية للفكر الاسلامي مثل اطروحة القضاء والقدر والحرية القائمة على نظرية “لكم دينكم ولي دين” ومشكلة المعرفة والدولة والحقوق..لذا فشلوا في انتاج فكر اسلامي معاصرلحل اشكاليات التطور..بعد ان أهملوا المنهج العلمي الموضوعي في التطبيق..حتى بقي التفسير اللغوي ترادفيا دون تحديد،علما ان لغة القرآن خالية من الترادف كما أقرها ابن جني في نظرية الخصائص والجرجاني في نظريته اللغوية دلائل الأعجاز.
ان التأويل يتجاوز التفسير الحركما في قوله تعالى” هو الذي خلق السموات والأرض في ستتة ايام ثم استوى على العرش،سورة الحديد أية 1″.هنا التبس التفسير النصي على المفسرين ففسروه وكأن الله له عرش يجلس عليه كما عند الملوك”أنظر غالبية المفسرين”..بينما التأويل يقول ان الاستواء على العرش هي سلطة الله المطلقة على الخلق.. ويقول أخوان الصفاء وخلان الوفاء في رسائلهم : “ان العرش هو الحد الفاصل بين عالم المادة وعالم الروح..والروح هي اللامدرك وهي التي لا تموت وانما الذي يموت هي النفس”كل نفسٍ ذائقة الموت” ويقول الحق “يسألونك عن الروح ..قل الروح من أمرربي وما آوتيتم من العلم الا قليلا) .هنا تدخل الدراسة المعمقة في نظريات اشكالية الحقيقة والوهم ..
اي معرفة الحقيقة..فأين التفسير منها..؟
وكما وصف القرآن الجنة والناروما فيهما:” في جنات النعيم على سررٍ متقابلين..يطاف عليهم بكأسٍ من معين ..وعندهم قاصرات الطرف عين،وزوجناهم بحور عين الصافات 43-48″…أقرأ كل التفاسير ترى فيها ما تتصوره انت من نعيم ونساء ولذة للشاربين وهذا هو المتعارف عليه بين نقاد النص القرآني ..ألم يكن هذا هو التصور التفسيري العام الظاهرالذي نشروه في المنهج المدرسي كحقيقة وتعلمناه وأصبح من الصعب نزعه من الأفكار وكأنه حقيقة ..لكن الباطن هو غير هذا ..هو: ما وراء ظاهرة الوصف المادي من معانٍ روحانية.لان الانتقال بالجنة يكون بالروح لا بالجسد.فهل بحثوا هم في الروح وأفهونا ما هي..؟ أبدأً.
وحين يشبه القرآن بمثل الجنة يعني التشبيه والتمثيل ليريد القول بتقريب معنى التصور لا غير، أي يخاطب العامة والخاصة وهم قليلو علم بلغة النص الجزل.يقول الحق :” انزل المطر” وهو الوجه الظاهر للنص أي انزل العلم الذي يجب ان يأول لصالح التطور في الحياة .لذا كانت الآيات القرآنية مُحكمة أي واضحة للجميع..أما الآيات المتشابه فيتطلب التأويل أي التبصر في المعاني الباطنية للنص فيها..هنا يقول الحق :”وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم،النساء 113″.والرسول يدرك ظاهره وباطنه.لكنه لم يذكرالباطن لعلمه بالصيرورة الزمنية في تغيير معاني الكلمات وحتى لا يلتبس على الناس الأمر … جعل تأويلة للزمن دون تحديد.
وقد حوى القرآن ثلاثة حدود هي “الصراط المستقيم والاستقامة ونظرية التطور(الحنيفية) والتي سميت بنظرية الحدود،وقد حوت الوصايا العشر واجبة التنفيذ دون خرق.. وتحديد مفهوم الأخلاق..والمعروف والمنكر، وكلها مستمدة من الآية الكريمة”لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة،الاحزاب 21”..كلها جعلها التفسير في خانة الأهمال دون تنفيذ..فأستبد الحاكم بها فضاعت الحقوق والمعايير.
لذا فقد وقفت المعتزلة موقف الضد من التفسير الظاهرللنص وخصوا التأويل للعقل من أجل الكشف عن بواطن الامور ورد المتشابه الى المحكم.لذا فأن المعتزلة واخوان الصفاء اتجهوا بدراساتهم نحو الحركة العقلية في دراسة النص وليس الظاهر منه.
ان التاسيس القرآني للمجتمع يهدف الى بحث الظاهرة القرآنية واكتشاف القوانين التي تحكم الظاهرة ..لكي يتماشى مع نظريات التطور في كيفية نشوء القوانين المجتمعية لتأسيس الدولة لا سفسطائيات المفسرين..حين فسروا النص على هواهم ليقفوا الى جانب السلطة ..فاصبح ولي الامر هو الحاكم في وقت ان ولي الامر هم عامة الناس وليس الحاكم.
هنا فأن دراسة النص تاويلاً يعني خلق المجتمع المتطور لا المجتمع الذي نعود به الى الزمن الماضي والعودة عبر الزمن مستحيلة.
نتمنى من اصحاب المناهج المدرسية ان يعودوا الى دراسة النص تأويلا لا تفسيرا.. لنبدأ بتطيق القانون الذي يحكم الظاهرة ويفرض نفسه على ميلاد المجتمع الجديد…وهنا تكون المعاصرة..ومن هنا تكمن نظرية التجديد. ليكون مشروع الـتاويل للنص القرآني المقدس مشروعا قابلا للفعل في ظروف العصرالحديث.
[email protected]