22 ديسمبر، 2024 8:08 م

المقالات , القصائد , القصص , والنصوص , وما تجيد به قرائح المبدعين بأنواعهم ومشاربهم وإهتماماتهم , جميعها وبلا إستثناء تشترك في كونها تمثل ” بوح الحسرات” , أي مكتوبة بمداد الحسرة واللهفة والتشكي والتظلم , وتميل إلى جلد الذات والإمعان بالرثاء الذاتي والموضوعي , وفي إطار أسود , وألوان قاتمة لا تعرف الحياة , بل تستضيف ألوان الموت والغياب والإنقراض.
ما هذه الكتابات , وكيف يكون هذا هو الإبداع؟!!
ما نقرأه عبارة عن لطميات وبكائيات وندب ما بعده ندب , ترى أ بهذا تُبنى الأمم وتتطور الأوطان , وتحقق الأجيال كينونتها المُثلى؟!!
فمجتمعات الدنيا مرت بظروف أقسى مما تمر به مجتمعاتنا , لكنها تصدت لها بإقدام وإصرار وإيمان وثقة بالنفس وقدرة على تجاوزها , وكان لنخبها الثقافية الدور التنويري والتأهيلي الفعال لتحدي محنها وملماتها الجسام.
فأوربا بدولها المتنوعة قد عانت الويلات تلو الويلات بتصارعاتها الطويلة مع بعضها , لكنها تعافت منها وتحررت من قيودها وإنظلقت في فضاءات حياة أخرى منورة بالأفكار الإنسانية الوهاجة السامية.
وكذلك الصين واليابان والكوريتان وحتى أمريكا , فهذه أمم وشعوب مرت بظروف شرسة قاسية أوردتها الحروب والدمارات والخرابات والصراعات الداخلية المريرة , لكنها أوجدت قادة حكماء ونخب ألباء أناروا دروبها ورسموا خرائط وجودها القادم.
فهذه المجتمعات حققت إرادتها لأنها كانت تفكر بصناعة المستقبل , وما توطنت في ماضيها ولا تمحنت بما حصل , وإنما الإقدام والتوثب ديدنها , ودينها صناعة الحياة الأفضل.
أما في مجتمعاتنا فأن النخب كافة لا تجيد سوى البكائيات والرثائيات والتعبير عن الفشل والخسران والإنكسار والتأكيد على الحطام والإنهزام , حتى صارت النكسات من ضرورات الحياة في مجتمعات تحارب أحياءها وتحي أمواتها , وتحسبهم هم الأحياء.
إن المطلوب من النخب الثقافية الكتابة بمداد الحياة وحبر المستقبل , وأن يتمكن الإبداع من إستحضار المستقبل بدلا من الإمعان بتجسيد الماضي والإنقضاض به على الحاضر , وتحويله إلى أصنام مقدسة , ونسف أسس الحياة وعناصر المستقبل , فالعلة في النخب التي تجيد النحيب على الأطلال وتمعن النظر في الحفر.
فهل من قدرة على الكتابة بروح ذات إرادة متفائلة وقدرة على البناء والعطاء الأصيل , بدلا من التحسر والعويل؟!!