23 ديسمبر، 2024 6:11 ص

بنت الهدى منبع الوعي الصافي

بنت الهدى منبع الوعي الصافي

القلم يتصبب عرقا خجلا وينزف دما أسفا لهذا البرود والجحود وعدم اﻹنصاف واﻹهمال لرمز من رموز الثقافة واﻷدب واﻹنسانية، إنها السيدة المظلومة الشهيدة آمنة الصدر ((بنت الهدى))…
إنها بحق أسم على مسمى، فهي بنت الهدى وأم الهدى وسيدة الهدى ورمز الهدى وأستاذة الهدى وتلميذة الهدى…وﻷنها كذلك كان اﻷهمال والتهميش وعدم اﻹنصاف من قبل الكثير! ، وكأن اﻷدوار موزعة بين من أرتكب جريمة إعدامها وبين من يحاول محاربة فكرها وقضيتها العادلة التي ضحت بحياتها الطاهرة من أجلها…
إنهم يخافون منها ويخشون فكرها وترعبهم كلماتها…
نعم هي بنت فاطمة الزهراء وبنت زينب الحوراء ، هي العلوية الطاهرة الشهيدة ، هي منبع الهدى الصافي…
سلام عليها وعلى أخيها الشهيد المظلوم وعلى آل الصدر الكرام..لقد مضى ست وثلاثون عام ومازالت كلماتها تنبض بالحياة ومازال فكرها ينير العقول بالمعرفة والقلوب بالهداية والطمأنينة والسكينة.
لقد أهتمت الشهيدة بنت الهدى كثيرا بنشر الوعي والهداية بأسلوب رائع واضح مؤثر ، فقد أتخذت من اﻷدب وسيلة لنشر الوعي اﻷسلامي وقيم الحق والعدالة…
ولا ينبغي لنا أن نغفل الفترة الزمنية التي عاصرت الشهيدة العلوية بنت الهدى حيث كانت وقتئذ اﻷفكار اﻹلحادية مهيمنة على العالم والشرق اﻷوسط ، وقد تصدت الشهيدة بنت الهدى لهذه التحديات العظيمة بالحكمة والموعظة الحسنة التي تميزت بها أعمالها اﻷدبية من شعر وقصة ومقالات رائعة…وقد تركت لنا الكثير من اﻹعمال اﻷدبية الرائعة والتي لم تكن تستهدف من خلالها الا نشر الوعي والهداية ، كان لا يهمها من ذلك سوى رضا الله….
إن تراث الشهيدة بنت الهدى يستحق الدراسة والبحث واﻹهتمام….
وينبغي الان أن أستشهد بشئ من أفكارها فقد جاء في رواية الباحثة عن الحقيقة ما نصه:
(( الحقيقة يا ولدي أن حاجة الإنسان للدين حاجة ضرورية وحتمية لا غنى له عنها ولا يمكن لأي شيء عدى الدين أن يسد له تلك الحاجة ، قلت معترضاً أو متسائلاً : ولماذا ؟
قال :لأن الإنسان بطبيعته البشرية وبتكوينه الفطري تواق الى الراحة ، والراحة لا تتكامل بدون سعادة إذن فهو تواق للسعادة أيضاً والسعادة لا تتحقق إلا إذا شملت جميع جوانب الإحساس لديه ، الفكر ، والعاطفة ، والدين هو المنهج الوحيد الذي يتكفل بتجسيد مفهوم السعادة الفكرية والعاطفية ، وذلك لما فيه من مثل خلاقة وعطاءات بنائة ، وأنظمة وقوانين تربوية صالحة …
وهنا عدت لأقول :ولكنك ذكرت أن ليس هناك ما يعوض عن الدين ، أو ليس في العلم وتقدمه وأثاره ما يعوض عنه بعد كل ما قدم من وسائل تكفلت بتحقيق الراحة والنعيم للإنسان ؟
قال :كلا يا ولدي فهو حتى لو أراد أن يستعيض بالعلم عن الدين ويلتمس ضالته من السعادة في رحابه ، سوف لن يتمكن أن يجد فيه ما يريد لأن العلم عاجز عن تحقيق السعادة بمفهومها الصحيح ، فهو وان وفر له عن طريق التكنلوجيا جميع اسباب الراحة الجسمية فجعله يقطع العالم عن طريق الطيران بساعات ، ويستمع الى الصوت البعيد عن طريق الأثير ، ويشاهد سطح القمر وهو جالس في بيته بواسطة التلفاز ، لكنه لن يتمكن ان يحقق له السعادة الكاملة لأنه لن يتمكن أن يقضي على الظلم الذي لا تتقبله طبيعة الإنسان أو أن يمحو ما تكرهه الفطرة الإنسانية من نفاق ورياء ، وحقد واعتداء ، واستغلال القوي للضعيف ، والتزاحم على المال والمقام ، لأن جميع ما يقدمه العلم خاضع لعاملين يتحكمان به هما عامل الخير وعامل الشر، والإنسان هو الذي يوجه منجزات العلم ومخترعاته بالوجهة التي يريد ، فالطائرة مثلاً قد تكون قاذفة قنابل مدمرة وقد تكون وسيلة نقل مريحة ، والتلفاز قد يصبح أداة اعلامية صالحة وقد يستحيل الى جهاز خلاعي مقيت ، والبارود نجده يستعمل مرة في شق الطرق ويستعمل مرة أخرى في ازهاق أرواح بريئة ، وهكذا والى آخر ما في العلم من منجزات ، إذن فسوف يبقي الإنسان يصطدم مع ما لا يريده ولا يرغب فيه وذلك يعني عدم تحقيق السعادة الكاملة والراحة الحقيقة …
قلت : ولماذا لا تكون المثالية الاخلاقية هي العوض عن الدين ؟أعني لو تحقق شمول هذه المثالية واستيعابها لمناطق الحس لدى الإنسان لعمت مشاعرالإنسانية وطبقت قواعد العدالة بين المجتمع ؟
قال :ولكن هذه المثالية الخلقية لن تستطيع هي أيضاً أن تحقق له السعادة أو تشيع في نفسه الرضا ، لأن المثالية الاخلاقية وليدة حالات طارئة وليست قاعدة ثابتة راسخة ، فالرحمة مثلا ، وهي احدى مظاهر هذه المثالية وهي ايضاً مما تتوق اليه طبيعة الإنسان هذه الرحمة لا تتواجد في قلب الإنسان الا بعد وجود مقدمة ، والمقدمة هي أن يبصر هذا الإنسان ما يستدعي الرحمة وما يثير لديه دوافعها ، ومثل ذلك لو تصورنا غنيا يعمر قلبه بالرحمة والرأفة وهو مجبول على مساعدة الفقراء والمساكين ، هذا الغني لا يتمكن أن يساعد اكثر من الفقراء الذين يراهم فقط وفقط لأن هذا الفقير هو الوحيد الذي يثير في نفسه عوامل الرحمة ، أما لو لم يبصر بفقير فهو لن يستفيد من رحمته شيئاً ولن يستفيد منها المجتمع ايضاً ، والرحمة هنا مثال عن الأخلاق والتعاطف الاجتماعي . ولهذا ، ولكون هذا التعاطف ليس نتيجة لقواعد ثابتة فهو لن يؤدي دوره الكامل في سبيل تحقيق الراحة والسعادة للإنسان البشري لمحدودية مجالاته وضيقها … وكنت استمع اليه مقتنعاً ولكن خطر لي أن أسأل من جديد قائلا :ولكن ما رأيك بشعور المصلحة المتبادلة ؟ اليس فيه ما يغني عن الدين ويحقق الراحة للإنسان ؟ …
قال :كلا ، فإن هذه المصلحة المتبادلة لا يمكن لها أن تحقق السعادة والراحة أيضاً ، قلت لماذا ؟
قال : لأن فيها ثغرات لا تمكنها من تحقيق السعادة والراحة وهي تعارض المصالح وتباينها بين الأفراد ، فما أكثر ما تكون مصلحة زيد قائمة على أساس من نقيضها عند عمر ، وما أكثر من شيدت صروح على أنقاض صروح ، وعمرت بلدان نتيجة خراب بلدان ، وسعد أفراد لما شقوا به الآخرون ، اذن فإن الشقاء سوف لن ينمحي بتحقيق قانون التبادل المصلحي والسعادة سوف لن تتواجد نتيجة سيادة المصلحة في المجتمع ، وسوف يبقى الإنسان يواجه مالا يريد ، ويجد مالا يريح ، ولهذا فهو يبقى يفتش عن الراحة التي تتوق اليها طبيعته في كل حال من الأحوال …
قلت :ولكن الا تتمكن التربية الصحيحة والتنوير الفكري ، والتهذيب النفسي من تحقيق ذلك للإنسان ؟
قال :ولكن هذه التربية الصحيحة التي تتصورها تحتاج هي بدورها الى مربين ، والمربين في حاجة الى مربين أيضاً وهكذا الى مالا نهاية ، فالتربية لا تبدأ من الصفر ، والصفر لا يخلق أرقام ، ولهذا يبقى الإنسان حاملا معه الشعور الملح بالحاجة الى الدين ، الدين الذي يحقق له جميع صور السعادة والراحة منطلقة من قواعد ثابتة لا تتغير ولا تتلون ولا تخضع للتبديل والتحريف،….)).