الوطن بحاجة إلى قلب واسع رحيم وعقل حكيم , إلى إنسان يستطيع أن يغسل القلوب بماء المحبة والصفاء والنقاء , إلى إنسان يقدر فيعفو ويتمكن فيصافي , الحب يتفجر من قلبه والصفاء يفوح من عيونه , فلماذا لا نكون جمعينا ذلك الإنسان؟!
يقول الأمام علي (ع ) ” أولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة”
ويقول أيضا ” أعقل الناس أعذرهم للناس”
الوطن بحاجة إلى قطع حلقة المشاعر السلبية المفرغة , التي مضى في دوامتها , منذ إبتداء عهده بالأحزاب والثورات والجمهوريات وممارساتها , التي بذرت الأوجاع وأفرزت الأحقاد المتقيحة والإنتقامات المتعفنة , فاستنقعت النفوس بمستنقعات التحزبية والكرسوية والأمراض السلطوية , فتكدرت الخواطر وضجت الأرض من الدماء المسفوحة والمظالم المسموحة.
فهل سنتشافى من الآهات والويلات والصراعات, وهل من فرج…؟!
ما أسهل توريث الأحقاد والشرور , وما أسهل الظلم عند المقتدرين ….!!
لكن البطولة تكمن في العفو والغفران , وبث روح الصفاء والتقاء التي تطهر النفوس وتعيد المحبة إلى القلوب , فيربح الجميع ويتحقق الأمان , وإلا فالكل سينتهي إلى أودية الخسران والعدم.
إن الحقد شر , والإنتقام شر , فلنسعى إلى الخير وننبذ الشر!!
ولنا أسوة برسول الله (ص) الذي عبّر عن سياسة الصفاء والنقاء والمحبة والغفران , التي فجرت الإيمان بالقلوب والإبداع بالعقول , وجعلت الظالم يخجل من ظلمه , فتجلده نفسه به كل يوم ألف جلدة وجلدة , وتلك أعظم عقوبة يمر بها ظالم من البشر , أن تجعله يعيش في معصرة مظالمه التي تطحنه طحنا أليما , عندما يرى من هم في مكانه ويقدمون خيرا منه ويحققون كل طيب ومفيد
يقول أبو دلامة:
“العفو أحسن ما يُجزى المسيء به يهينه أو يريه أنه سقطا”
الظالم يستحق أن ينال منه ظلمه , لا أن نعطيه مبررات تأكيد الظلم والدفاع عنه بما نقوم به من مظالم , فنزين صورته ونوفر له شعورا بأنه كان رحيما ومصيبا فيما كان يقوم به.
” وأقبلوا على بعضهم يتلاومون, قالوا ياويلنا إنا كنا طاغين” القلم 30, 31
الوطن بحاجة إلى مَنْ ينادي:
حي على الصفاء
حي على النقاء
بحاجة إلى مَن ينتصر على نفسه وآلامه وجراحاته ومقاساته وكل ما ذاقه وعاناه من مرارات , فيصرخ بأعلى صوته وبكل قوته وروحه..أن هيا إلى الصفاء والمحبة وتبا لناعور الكراهية والتحزبية , ولكل ما يورث الأحقاد..
. “فاصفح الصفح الجميل” الحجر 85
” وليعفوا وليصفحوا, ألا تحبون أن يغفر الله لكم” النور 22
إن أعظم الشرور التي تُصاب بها الأمم والشعوب هي أن تعجز عن إيقاف التفاعلات التي تورث الأحقاد , وتوريث الأحقاد طامة كبرى تصيب الأمم والشعوب , ولهذا فأن قادتها وساستها يحذرون ذلك كل الحذر ويمنعونه أشد المنع , فلنعي هذه المأساة البغيضة وأن نضع لها حدا , وأن لا نتحرك تحت ضرباتها الموجعة القاسية.
يقول غاندي “إذا قابلت الإساءة بالإساءة فمتى تنتهي الإساءة”
الأحقاد تفجر في النفوس مشاعر سلبية مؤذية لا تنفع الحاقد أو المحقود عليه.
الأحقاد تحرق أسباب الخير وتدمر البصر والبصيرة , وتضع الشعوب في قدر يغلي من الآهات والمصائب التي لا تنتهي.
الأحقاد ترفضها الأديان والشرائع السماوية وتدعو إلى نبذها , وتحقيق المحبة والإخاء بين أبناء البشر أينما كانوا ومن أي جنس يكونوا.
أرجو من الله أن يعم الصفاء والنقاء والرقاء والرخاء بلادنا , وأن يسعد الجميع بها ويأنسون ببعضهم , ويتعاونون على ما هو خير وصالح للبلد , وللأجيال التي علينا أن نورثها الطيبات وأن نقيها من السيئات والموبقات.
علينا أن نفكر بأبنائنا وحياتهم ورفاههم وعزهم وسعادتهم , وأن لا نحملهم أوزارنا وآثامنا وأخطاءنا وخطايانا.
علينا أن نحترم الأجيال القادمة ونعيش ونفكر ونمارس من أجلها , لا من أجل أنفسنا وحاجاتنا الصغيرة.
وأملنا أن يقينا الله تعالى من الظلم والظالمين , ويشرح صدورنا للمحبة والأمان والسؤدد.
ولنتمثل هذا القول الجزيل:
“لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرا
فالظلم مرتعة يفضي إلى الندم
تنام عينك والمظلوم منتبه
يدعو عليك وعين الله لم تنم”