تؤكد المعطيات الميدانية بانه حان وقت دفن العملية السياسية في العراق، بعد ان تم تشييعها أكثر من مرة، لكنها لم تصل الى مثواها الأخير، بسبب تنفس اصطناعي مؤقت، ولملمة غير موفقة لاحشاءها، ما أزكمت رائحتها كل الأنوف، الا أولئك المستفيدين من امتداد الخلل أطول فترة ممكنة، لذلك ينحتون في صخر الفتنة ليل نهار، من خلال اللعب على كل الحبال!!
ليس من المعقول استمرار حوار الطرشان بين الكتل السياسية ، و وصول الأمور حد التخوين و التسقيط بمستويات معيبة جدا، بل لا تليق باطفال حارة منسية في العراق، الذي لم يتعود أبناؤه على لغة سياسية بهذا المستوي، أوهكذا تسويف هجين للحقائق، مقابل تمسك قاتل بسلطة لا تحمي نفسها، وتحالفات تزحف على بطونها تضورا من جوع الثقة المفقودة، ما يستدعي موقفا شعبيا حقيقيا، يقول لكل السياسيين ” لقد ملئتم قلوبنا قيحا، فاستعدوا للرحيل”.
لقد وصل العراقيون مرحلة فقدان حتى خيبة الأمل، لأن القضية تجاوزت كل حدود المنطق، وأضحت حلبة صراعات ومهاترات مخجلة، والا كيف يصل الحال الى ما هو عليه، قيادات حكومية ارهابية، كما يصفونها، وحكومة ميليشيات كما يقول آخرون، فمن سيثق بما يسمونه العراق الديمقراطي الجديد، وبأي صورة سيتحدث المسؤولون فيه، عفوا المتهمون، مع العالم بعد انعدام الثقة بالسياسيين العراقيين، لأنهم من سدة الحكم الى الملاحقات القضائية، وتعودوا الخروج من المولد بلا حمص أو فتافيت، لأنهم أعداء بكل معنى الكلمة!!
هل من المعقول ان يصبح كل مسؤول متهم ، و كل قضية تؤطر بطائفية وعرقية ومزاج شخصي، وكان القانون اعيد تفصيله على مقاسات الأمس القريب، ومع ذلك يصدعون رؤوسنا بمفرادات الشفافية والمهنية والاستقلال، رغم أن مسؤولا لم يحدد لنا،مثلا، عدد المعتقلين من حمايات وزير المالية رافع العيساوي، فاختلفت الأرقام بيم 10 و 50 و 100، بتصريحات تصدر من مسؤولين كبار!!ثم ما هذا العدد المفتوح للحمايات، ومامبررات ذلك طالما أن المسؤول لا يعرف شوارع بغداد، ولا هو مثابر على توسيع المشاريع ، اللهم الا بوعود الانتخابات!! ثم لماذايتفنون بحماية المسؤول ويتركون الشعب يواجه مصيره وحيدا!!
أيهما الأهم شعب موحد أم مسؤولين معزولين و متناحرين!! الجواب لا يحتاج الى تفسير، عكس كل هذه النفقات التي تخصص للمسؤول قبل وصوله الى كرسي التوافقات والمحاصصات، وقبل اكتشافه وجماعته بانهم من الارهابيين أوقطاع الطرق أوالمفسدين في الأرض، والأمثلة كثيرة، فهل هذا معقول، ولماذا الاستهانة بهيبة العراق وسرقة حتى دموع شعبه، عبر تقليد غير موفق لذكاء الحرباء!!
نحن نعرف ان النفخ في قربة الشراكة مضيعة للوقت، لانها مثقوبة بل معطوبة ولن ينفعها الترقيع، لأن العملية السياسية في العراق بنيت على باطل، وتمت لفلفة اركانها بتوافقات ومحاصصات هي أقرب الى التخريب منه الى الاصلاح، لذلك يتعمق الخلل وتتنوع أشكاله، لتنتهي هيبة المنصب و حصانته، طالما ان المسؤول غالبا من يتحول من صف صنع القرار الى ساحة القضاء، وهو اجراء متحضر لو أنه نفذ بدقة، وابتعد عما يسمونه التسقيط السياسي، مع تأكيدنا على أن قطرة دم عراقي ستبقى أطهر من كل أجندات اللاوعي!!
ونحن هنا نرفض خندقة الفشل بعناوين طائفية أو عرقية، لأن مسؤولا لم يخدم طائفته بدليل واقع الخدمات من جنوب الوطن حتى شماله، لذلك عليهم تقاسم خصومتهم فما بينهم، كوا الشعب لانهم لن يفتنوه هذه المرة، وليحصدوا ما زرعت أيديهم وعقولهم، لأنهم تسربوا بعيدا عن مصلحة الوطن وأهله، لذلك لا يمكنهم العيش الا في رحم الأزمات، كونها وسيلة جاهزة لتوجيه الأنظار بعيدا عن فشلهم المطبق، وحبذا لو حاكموا أنفسهم قبل حساب أخر، سيكون للشعب فيه رايا!!
رئيس تحرير ” الفرات اليوم”
[email protected]