وكأن لا موضوع لهذا الشعب غير اللغة التي يكتب بها حبيب العربنجي، وهي لغة نتكلم بها ونتغازل بها…لغة نشتم بها ونلعن بها… لغة لم أشكلها أنا وليس لي الفضل في إزاحة التراب عنها، فهي لغة موجودة ودائرة بيننا جميعا، غير أن لي صوتاً أعلى من صوتكم، وجرأة أحسد نفسي عليها حين أكون منتحلاً صفة العربنجية كي أزيح عني ستار الحياء وأنا أشتم الذين تركونا عراة ننظر بعيون حاقدة إلى جراحاتنا النازفة… تلك الجروح التي ما كانت لها أن تكون لو لا غفلتنا من أن القادم ليس تغييرا بقدر ما هو إرتداد تأريخي في الثقافة والأخلاق والإنتماء.
ربما سأضطر بين حين وحين، أن أكتب بهذه اللغة كي يعرف من في نفسه شيء ما، ما هي ثقافة حبيب العربنجي، وما هي حدود لغته وقابلية صياغته لما يريد أن يقول. قلت من قبل ولكن يبدو أنكم لا تقرأون بقدر ما تسمعون، قلت أنني عربنجي في بلد محتل ، أفتخر بالجزء الأول – أي كوني عربنجياً – وأخجل من الجزء الثاني، فالإحتلال لا يفرق عن الزنى بالمحارم في وسط شارع مزدحم، ونحن ننتمي الآن إلى وطن نتاج صنيعة زنى المحارم حين تعاون من ينتمون إليه حقيقة أو تزويرا، في دعوة قوات الإحتلال إلينا… أليس هذا هو الزنى بالمحارم !؟
عذراً لقرائي الذين سيجدون في ما أكتب اليوم لغة لم يألفوها ، أعتذر منهم، ولكنني أكتب بها لغاية في نفس حبيب العربنجي، وإذا كان يعقوب قد قضى غايته حين طلب من أخوة يوسف أن يدخلوا من أبواب متعددة، فانني لم أزل أبحث عن غايتي وأنتظر ساعة قضائها، لأقف تحت نصب الحرية في بغداد وأعلن بأعلى صوتي… أنا مَن لبس قناع العربنجي في زمن الإحتلال!
ليسمعني الذين يسترخصون اللغة التي أكتب بها، وهي لغة الشارع وأفتخر بذلك كما أفتخر أنني أبن شارع… شارع حمل ذكريات طفولتي وهمسات مراهقتي… شارع نزفت عليه لهذا السبب أو ذاك، شارع كم أختبأت فيه خوفا وخجلاً…شارع كم تمنيت أن أكتب على جدرانه كلمات تاهت في مجاهل الخوف في الذاكرة، كنا نخاف أن نحمل في أيدينا علبة صبغ كي لا يتهمنا أحد بان ما مكتوب في الجدار الفلاني هو من نتاج إيدينا، كنا نركض إلى البيت حين نمر من أمام جدار عليه كلمات ما، في مثل هذه الشوارع كبرت وأخذت لغتي، وإليها أنتمي فخرا في وقت تخجلون من ماضيكم وحاضركم ومستقبلكم، ملعونين أينما كنتم في صفحات التاريخ.
هذا أنا… لا إنتماء لي غير إنتمائي لشارع عراقي في أية مدينة عراقية، لغتي تجمع الكل، لا إتجاه لقبلتي غير محراب الوطن، أصلي صلاة المحبة، وأتيمم بتراب مشى فوق ذراتها أبي ، ففي كل ذرة تراب في ذاك الشارع، قطعة أو صورة منه !
وهذه دعوة لكل من يريد العربنجي أن يستمر بلغة الشارع، عليكم أن ترفعوا أصواتكم بلغة شوارعكم، لا تخجلوا منها قدر عدم خجلنا من إنتمائنا إلى وطن محتل بإرادتنا، نعم نحن شئنا ذلك حين أعتقدنا – ويا لغفلة ما أعتقدنا – بأن التغيير سيأتي من الخارج، ونسينا أن ما ينمو في حدائق أوروبا وأميركا لا يقدر أن ينمو في شمس بغداد.
عذرا للجميع…. هي محطات سأتوقف عندها لأكتب بهذه الطريقة ، لأسكت من في نفسه مرض ، وأعلن أن العربنجية في هذا الزمن العاهر، إنتماءٌ ومدرسة وثقافة، فقد لوثتم كل شيء، ولم يبقَ غير أن نكون ما نريد، لقول ما نريد، فبعض القول حكمة، وكل القول عبرة، والإحتلال قصاص !.