25 نوفمبر، 2024 6:38 ص
Search
Close this search box.

بانُوراما مِنْ تراجيديا الحَربِ وَالحِصار/ج1

بانُوراما مِنْ تراجيديا الحَربِ وَالحِصار/ج1

قِتالٌ عَنِيفٌ مُتواصلٌ
لِحربٍ ضَروسٍ سِجَال
عَلَى خَطِّ نارٍ مُستَعرٍ
بِطولِ وَعرضِ البِلاد
مفتوحٌ فيه زمنُ الليل عَلَى النهار
بَعدَ ثَماني سَنوات (1)
تَوقَفَ القِتال
لِيستَرِيحَ رأس المُقاتِلِ
مِنْ أزيزِ الرَّصاصِ
وَأخبار حوار المدافع
وَخِطابات النّار وَالثَّار
وَالإنتقام وَالقِصاص
وَمن تَراب السواتِر
وَرُعب اجتياز حقول الألغام
وَعَفَن الملاجئ والخنادق
وَظلمة مَخادع الجنود الرطبة
المتخمة بالرائحةِ النتنةِ
مِنْ جواريبَ الصوفِ وَبساطيل الجلد
وَالمليئة بمختلفِ أنواعِ الحشرات
وَالعقارب وَجيوش الفِئران والجِرذان
وبَعْدَ طوفانٍ مِنْ الدَّمِ المُراق
عَلَى أرضِ العراق
حَلَ السَّلام
فِيما النّاسُ تَتَداولُ وَتَجتَرُ مَا مَرَّ
بأيامِ تِلكَ السِّنِينَ الصِّعابِ مِنْ شَجنٍ وَمِحَنٍ
دُهِشتُ لحكمةٍ تَقول:
{دَوامُ الحالِ مِنْ المُحالِّ}
لنْ أَعرِفَ قائِلها
لكنني حَفِظتها عَلَى ظَهرِ قَلب
ورحتُ أرددها كُلما ألَمَ بيّ خَطَب.
بَيْنَ الصِدقِ وَالكذبِ
كُرَةُ الثلجِ تَنقلُ الأَخبارَ عَنْ نَهضةٍ وَشيكةٍ
الإعدادُ لَها جارٍ عَلَى قَدمٍ وَسَاقٍ
(مَشروع مارشال)
ابشري أيتها الجموع الصابرة
بِوَقتٍ قَصير
مَشروع الخَلاص
سَينقذنا مِنْ الضَّياع
بإنعاشِ الاِقتصادِ وَ اعِّمار البِلاد
كَما تمَ إنقاذ (أوربا) به
مِنْ دَمارِ الحَربِ الكَونِيَّةِ الثانية
الشارع يسأل:
– هل هذا الحديث حقيقة أم تخيلات؟
– من يمول مشروع المارشال؟
لا جواب يشفي الغليل
ويريح البال العليل
لكن جموعاً كثيرةً
فرحتْ وهللتْ للخبر
وراحتْ تحلقُ بعيداً بالأخيلة
وَباتَ كالحلم يطوف علَى الناسِ فِي صيفِ قيظ تموز
يخففُ مِنْ لهيبِ الحرِ ومآسي دمارِ الحرب
وَيبعثُ فِي النفوسِ بصيصً مِن الأَمل.
لَمْ يُكمِلْ المقاتلِونَ عامَهم الثانِي مِنْ الإستراحَةِ القلقة
فِي تَموز/ يوليو مِن عام 1990
بدأ اللَّغط ُبالشارعِ يَدور
إنَّ الحَربَ قادِمة ٌعَلَى الأبوابِ
مع جارٍ صديقٍ لصيقٍ أخر
نناصبهُ العداء وَيناصبنا البغضاء
خطابُ رئيس جمهورية العراق
(بذكرى 17 تموز )
جدَدَ فيه اتهام الكويت بالضلوع
بـ (مؤامرة نفطية) عَلَى العراق
بخطابهِ المَزيد مِنْ التَهدِيد وَالوَعِيد،
الكويت تَنفي ذلك، وَتطالب حكومة بغداد
بتسديدِ ديونٍ هائلةٍ مستحقة
بملياراتِ الدولارات
دُفِعت لمساعدة حكومةِ بغداد
بحربِ السنوات الثمان.
فِي (24 من تموز 1990) الرئيس المصري
يزور(بغداد) ويلتقى (صدام)
لتهدئةِ الوَضعِ ورأب الصَّدع
وَتنقية الأَجواء بَيْنَ الشَّقيقين الجاريين
بما شابها مِنْ شوائب
داعياً لاجتماع عاجل (بجدة)
تتواتر الأنباء أن اجتماع وَساطة الإجماع العربي
فِي (جدة) أنتهى بالفشل،
مصر وَالسعودية تعيد الكرة لاجتماع
لاجتماعٍ سريعٍ آخر
فِي يومِ الثاني من آب/ أغسطس ببغداد
العالم يترقب بحذر ما سيفضي إليه
لمْ يَطلْ الحَديث والتكهن كثيراً
حَتى جاءَ النَبأُ الصّاعِقة
فِي صباحِ الثاني مِنْ (آب/ أغسطس)
أُعلن مِنْ مِذياعِ جمهورية العراق
(بَيان رَقم واحد)
الله أكبر الله أكبر الله أكبر
بَعْدَ الاتكال عَلَى الله
فتيَّةٌ عاهدُوا الله
أَنْ يُعيدُوا الفَرعَ إلى الأَصلِ
(السُّلطانُ) بابتسامةٍ مُحيرة موناليزية
غامضة واجمة ظافرة ساخرة
وهو يُثني بكَلِمةِ (عَفيه)عَلَى شَجاعةِ الفِتيان
كان سعيداً مختالاً منتشياً
مُرحباً بلَهفةٍ بهذهِ العَودةِ المَيمونَةِ
لحضنِ الأَمِ الدافيء
محققاً الخطوةُ الأولى مِن أَهداف الحِزبِ القائدِ الإستراتيجية
بمشروعيَّةِ اجتياحِ دَولةٍ شَقيقةٍ
بالقُوةِ أو بالحيلةِ وَالدَهاءِ
وَضمَّها تحتَ سطوةِ جناحيه
لِلمِ شملِ (أُمَّة الضَّاد) مِنْ التشرذمِ وَالضياع.
مَحطاتِ وَإذاعاتِ العالم
ضُجت بهذا الحدثِ المُفاجئ الصادم المُذهل
وَهي ترددُ بضربةٍ خاطفةٍ ساحقةٍ
العراق يغزو ويحتل الكويت.
أَمِيرُ البلاد والأسرة الحاكمة
بتوجيهٍ وإلحاحٍ شديدٍ مِنْ ولي العهد
تحت جنح الظلام
وقبل أن ينبلجَ فجرُ الصباح
بسيارتهِ المحصنةِ السَّوداء
يغادر مذهولاً قصر (دسمان)
بدون ارتال سيارات الحماية الحمراء
الى مركز (نويصيب) الحدودي
يغادرها على عجل الى مركز الخفجي المتخام لحدودها مع العربية السعودية
بإيعازٍ مِنْ خادم الحَرمين
يَستقرُ(الأمير) وعائلتهُ بقصرِ الضيافةِ (بالدمام)
خلال يومين الغزو يبسط سيطرته
على كاملِ أرض دولة الكويت
مستبيحاً مُمتلكاتها وَثَرواتها
بنوكها، متاجر أسّواقها، دَوائرها، مَتاحفها وَناسها.
بفُرمانٍ مفاجئ فِي الرابع مِنْ آب منحَ السُّلطان
العقيد الكويتي (علاء) (2)
منصب رئيس جمهورية الكويت الجديدة الفتية
باسماً متبختراً ظهر الرئيس(عَلاء) بالتلفاز
بالزيّ العَربي الكوفيَّة والعقال
بجانبِ الرئيس صَدام وهما يَتهامسان
عَلَى أريكةٍ واحدةٍ.
كما الحلم، لم يدمْ طويلاً
أربعة أيام فقط
بفرمانٍ آخر مفاجئ عاجل
يُقصى الرئيس (عَلاء) وَتُلغى الجمهورية الوليدة
وبذات الفرمان
يأمر السُّلطان
بمنحِ الفرعِ أسماً جديداً رَفيع المَقام
( الدُّرة التاِسعة عَشر)
كمحافظة عراقية، وَيهبها إلى (أبن عمه/ علي حَسن المَجيد)
لإدارةِ حكمها.
وَببَيانٍ لاحقٍ أعلن فيه رفع بيارق النصر
وإقامة الأَفراح وَالليالي المِلاح لِمُدَّةِ سَبعةِ أَيام
وَمُنبهاً عَلَى اليَقظةِ وَالحَذرِ مِنْ غَدرِ الغادرين.
الكويت تشكل (حكومة منفى) وتديرها من الأراضي السعودية.
بذات اليوم الثاني من آب / أغسطس
مجلس الأمن الدولي (بِيان اُمَّميّ)
يدين الغزو ويطالب بالانسحاب الفوري
(في القاهرة رئيس الوفد العراقي (طه ياسين رمضان)
يؤكد للرئيس ( حسني مبارك) بعد نقاش عقيم ممل طويل:
(أن ضم الكويت للعراق هو إجراء نهائي لا رجعة فيه)
في العاشر من آب /اغسطس،
اجتماع رئاسي عاجل لجامعة الدول العربية
بحضور الخَصمين- الأَخوة الأعداء-
يصدر بياناً
بموافقةِ أكثر مِنْ النصف
يدين فيه الغزو والعدوان
ويطالب حكومة بغداد بالانسحاب.
القائد الأوحد مِنْ عًرينهُ فِي بغداد
بمشاعرِ قاتلٍ غازٍ سفاح
بوجهٍ صارمٍ
ينهال بسليطِ اللسان
بأقذعِ الكلام
عَلَى قادةِ العرب لإدانتهم الاِجتياح
غير مبالٍ أو مهتم
لأعداد الضَحايا التي ستلتهم
بِمطاحن الحَربِ مِنْ الأرواح.

بِقرارٍ دوليٍّ لاحق
تمَّ وضعُ البلادِ وَالعِبادِ عَلَى رأسِ
القائِمةِ السَّوداء للإرهاب
عادَتْ الحَربُ ثانيةً
لكنْ بعصفٍ جَديدٍ
وَبطَوقِ نارٍ مِنْ حَديد،
بقراراتٍ (لحصارٍ) مرعبٍ شديد.
حَرب الخليجِ الثانية- هكذا أسماها الإعلام الغربي ـ (3)
منذ أول يَومٍ لعودة الفرعِ للأصل
انهالت الدعوات للمواليد
للالتحاق بالخدمةِ العَسكريَّة الاحتياط
للمرةِ الثانية، دفعة مواليدي 1953
أول وجبة مواليد لخدمة الاحتياط تُساق.
عند سماعي لنبأ أحتلال العراق للكويت
للمرةٍ الأولى وأنا أفتح قفل محل عملي (متجر للصياغة)
لمْ أصدقْ اذناي، كنتُ اتصور إنَّ مثل هذا الشيء لا يحدثْ أبداً
شاهدتُ الناس فِي هرجٍ وَمَرجٍ
وهي تردد نبأ احتلال العراق للكويت
بضربةٍ خاطفةٍ صاعقةٍ
أعدتُ دورة المفتاح فِي القفل
ورحتُ انصت لحديثِ الأخبار
من أفواهِ الأصدقاءِ وَالناس
كانتْ موجةً مِنْ الخوفِ واضحةٍ
تضربُ وجوهَ الناس
انتابني الذهول وَالدهشة والحيرة والهلع
على خط التلفون الأرضي
اخبرتُ زوجتي بالنازلةِ التي حَلت
ذهلتْ هي الأخرى للحدث
بَعْدَ جولة فِي السّوق بَيْنَ الناسِ وَالأصدقاء
عدتُ لداري
مُحملاً بقنينةِ (ببطلٍ) مِنْ (عَرق العَصريَّة)
وَمجموعة كبيرة مِنْ تصورات وآراء الناس
فِي المَساء قررت أن اشربَ مِنْ (بطلِ) عَرق العَصريَّة
عَلَى راحتي هذه الليلة
بهذهِ المصيبة العصيبة
التي هبطتْ كالصاعقة
عَلَى رؤوسنا
طوالَ جلسة السّكر
كنتُ أدور مذعوراً بمؤشر المذياع بلا انقطاع
بَينَ محطاتِ اخبار العالم
وَهي تنقل أخبار زلزال الاحتلال
وعندما أكملتُ كرع الكأس الثالثة
بدفعةٍ واحدةٍ
مَفعول (الصهباء) راح يدور بالرأس
وَهو يثير الأَخيلة وَالتساؤلات
سَحبتُ ورقة وَقلم و بخطٍ أنيقٍ كتبت :
(لِماذا هَذهِ الصَّفعةِ العَنيفَةِ الجديدةِ للشَّعبِ مَرةً أُخرى؟)
زوجتي تنظر للورقةِ وأليَّ
وأنا أمعن النظر بقصاصة الورق
سريعاً وبفزعٍ
مزقت الورقة إلى أجزاءٍ متناهية بالصغر
وأبدلتها بورقة أخرى وكتبتُ فيها:
(صفعة عنيفة كبيرة جديدة )
مِنْ شدة خوفِي
أخرجتُ الشَّعبَ مِنْ الموضوع
رغم أنه هو المقصود
وأضفت بعد تمهل بذات الورقة :
النفط ُهو المقصود
منابع الذهب الأسود أثمن شيء فِي ربوعِ منطقتنا
فهو بيت الداء، وَمصدر الشقاء
وَمع هذيانِ نشوة السكر كنتُ أسألُ نفسي:
هل النفط نقمة أم نعمة، لشعوب منطقتنا؟

فِي اليومِ التالي
كنتُ أقف مبكراً في طابورِ بابِ التجنيد
لتأشير اِلتحاقي للخدمةِ العسكريَّة
بَعْدَ أن أغلقتُ – متجري مَحل لصياغة الذهب وَالفضة – الذي أفتتحته قبل عام
بعدَ تسريحي مِنْ الخدمة العسكريَّة الاحتياط والتي أمضيتُ فِيها ثمانيَّة سنوات متواصلة فِي جبهات قتال قادسية صدام.
خلالها كانَ (ملاك الموت) رقيباً لصيقاً ليَّ يحصي أنفاسي.
ـ أَيُّها السّادَة:
إِلى اليومِ وأنا أَحملُ عَلَى كاهلي فِي الحلِّ وَالترحالِ أنين مزمن
من هَولِ وَجَعٍ وَألَمِ لا يطاق لمأساةِ ثمانيةِ سنوات ثقيلة الوقع
إِنها سنِين الحَرب المُتخمة بالرعبِ والقسوةِ وَالعَسفِ
وَجَورِ قوانينِ الذلِ وَالعبوديَّةِ العسكريَّةِ الصارمة
مَع ملاحقةِ عُيون عَسَسِ أَمن السّلطان السريَّة والعلنيَّة
وَمشاهِدٍ حيةٍ من المَوت الجَماعِي المَجاني
مع كل شهيق وزفير لمْ يزلْ يرافقني رعب كلّ هذه السنين
وَكلما أتحسسها، أَبثُ إلى الله آهات وَجعي وشكواي مِنْ منفاي!

مَكرمَة مِنْ رأسِ القيادةِ العَسكريَّة تَشملُ موالدي
مِن المساقين لخدمةِ الاِحتياط
أَنْ يكونَ مكانُ تَواجدهم فِي مَقراتِ الوحدات العسكريَّة
وليس عَلَى خطِ التَماس مع العَدو
لكونِهم أَصبحوا كباراً في السّنِّ!
تَوالَتْ فِي النَشَّراتِ السِّريَّةِ وَالعلنيَّةِ
الأَوامِّرِ وَالتَّوجيهات وَالأَحكام
مِنْ (الأَخ الأَكبر)
الحاكِمُ المُطلقُ اليَدِ فِي إدارةِ الدولة
وَالحزب الوحيد في السَّاحةِ وَالبلاد
مهتدياً بنَهجِ ونصائح ما خَطهُ قلم العبقري
(مكيافيلي) بكتابهِ الشَّهير (الأَمير)
بِمَسكِ رأسِ السُّلطةِ وَمقالِيدِ الحُكم
مقتدياً بسيرة قادة حروب الدم الطويلة
بالعصر الحديث كـ (بينيتو موسوليني)
وَ(أودلف هتلر) و(جوزيف ستالين)
اختارَ (القائِد) أسماً يَليقُ بهذهِ المُنازلة
فِيه مِنْ التَحدي والإبهار الكَثير
(أُم المَعارك)
مُتوعداً الأَعداء بالموتِ وَالفَناء
قرعتْ طُبولُ الاِستعدادِ للحَرب
وَعَادَ الشِّعارُ العَتيد
(نَمُوتُ نَمُوتُ وَيَحيا الوَطَن)
حُصِّنتْ الحُدود بمزيدٍ مِنْ السَواتر وَالقيود
وَبُثت عَلَى الثغُور المَراصدِ وَأفواج الجنود
التَّعليماتُ صَدرتْ
مَمنُوع السَّفرِ لخارجِ البلاد
إلا بفرمان وَلِسببٍ قاهر
وَأَن حَصلت عَلَى فرمانِ السَّفرِ
فَعليكَ رُسومٌ باهِظَةٌ القيمة
واجبةُ الدَّفع
مَع رشوةٍ لا تَقلُّ عَنها للعَسَس
وَعِندَ المَنفذِ الوحِيدِ للحدودِ (طرَبيل)
سَتخضعُ لِلرشوةِ والاِبتزاز مِنْ جَديد
ولتفتيشٍ دَقيقٍ حَتى تَحتَ السّراويل
فممنوعٌ منعاً باتاً أَن تخرجَ مَعك
أَكثرَ مِنْ مبلغِ (خَمسون دُولارٍ) أمريكي
وَخَمسةُ غراماتٍ مِنْ الذَّهبِ
سَريعاً صدرَ قراراً أَخر شَديد التحذير:
يمنعُ بَث محطاتِ الأَخبار
وتوزيعِ المَجلاتِ وَالصُّحفِ الصَّفراء
غير مسموحٍ بتناقُلِ الشائِعاتِ وتَداولِ الأنباء
فَعقوبتُها الحَتفُ بَينَ المَقاصلِ
أَو الطَمرِ فِي المَقابرِ الجَماعيَّة
أو المكوثِ فِي أقبيَّةِ المَنون
تَوالَتْ تَصدُرُ كُلَّ يَومٍ
المَزيدَ مِنْ التَّوجِيهاتِ والتَّعلِيمات
للتوعِيةِ وَالاِنتباه وَمنها
الاعتماد عَلَى السُعاة
بنقلِ الرسائلِ الأمنيةِ والأسرارِ العسكريَّة
وَعَلَى الحَمامِ الزاجل عند اشتداد النزال.
فِي اللَّيلِ كُلما مَرَّ فِي السَّماءِ
شَبحٌ طائر أو قِطارٌ سريع أو نَجمٌ سَيار
أو تَسمعُ صَوتَ صفارةِ إنذار
عَليك أَنْ تَحكمَ غَلقَ السَّتائرِ
للنَّوافذ والأَبواب
وَتَتَمَوضع أَنت وَالعيال
بِرُكنٍ حَصينٍ أَمَين مِنْ الدار
تَحتَ السَّلالمِ أَو فِي الحمام
أَو تَنزلَ لأقربِ قَبوٍ أَو سِرداب
وَلا تَنسى أَنْ تُطفيء قَناديل الضِّياء.
فِي السِّرِّ يُشاع إِنَّ (السُّلطانَ) لا يَنام
فِي عيونهِ ملحٌ
يَصولُ وَيَجولُ مُحتدماً عَلَى مَدارِ السّاعةِ
يتطايرُ منها الشرر
وَباتت تقاطيع وجهه تثير الرعب بالنفوس
بتَوجيهاتهِ المتلاحقة المُشددة الشَّديدةِ الحدةِ
أَعادَ (العَسكرة) عَلَى جَميع فئات الشعب
مُشدداً عَلَى شِعار
(التَّدريب ثُمَّ التَّدريب ثُمَّ التَّدريب)
ومعه عاد سوط العبودية والعَسفِ أكثر فتكاً وبطشاً
ثَبتت لائحةُ تَوزيعِ المناصب والمُهمات وَعُدد القِتالِ
قِيادةُ مَفاصلِ الدَّولةِ المُهمَّةِ بَيد عائلة (المَجيد) وَالمُوالين لَها مِنْ المُخلصِين المُجربين
البَنادق الأُوتوماتيكيَّة للجُندِ وَالأَعوان
السّيوفُ وَالقاماتُ وَالراياتُ للمهووسِينَ وَالفِدائيين وَأَشباه المَجانيين
وَالسياطُ للثقاةِ مِنْ الجَلادين
وَفِي كُلِّ مُنعطفٍ زُرعتْ لِلحجاج عَينٍ
تُحصي الأَنفاس
وَتَرصدُ أَبوابَ بيوتِ الله وحركة الناس
فِي مَداخلِ وَمَخارجِ المُدن والأَزِقَّةِ وَالحاراتِ.
أَعادَ (السُّلطانُ) الحَياةَ
لعجلةِ خُطوطِ مَصانعِ مَعاركِ العِزَّةِ والكَرامة
للتَّهيؤِ للنزالِ وَلمراسِيم وَداعِ الشهداء
سَريعاً أعادَتْ هَيئةُ التَصنيع العَسكريّ
اِنتاجها مِنْ ذخائرِ العتادِ والأَسلحةِ الخَفيفةِ وَالمُتوسِّطة
وَالصَّواريخِ وَالمَدافعِ والقنابلِ وَالألغام
والعَرباتِ المُدرعةِ وَغاز الموتِ الجماعيَ الغَازَ المُزدوج…
وَبِذاتِ الوَقتِ انتجتْ ألاف مِنْ النياشينِ وَالأَوسِمةِ
وَالتَّوابيتِ وَالأَعلام وَشَواهد القبور.

بِالقُربِ مِنْ مَداخلِ المُدنِ
وَفِي ساحاتِ الشَّوارعِ الرئيسيَّةِ
وبمباركة الآلاف مِنْ وعاظ السلاطين وشيوخ الدجل والإفتاء
نُصِبتْ النصبُ والتَماثيلُ وَجدارياتُ الصورِ العِملاقة
زينتها عدسات وَ ريش عباقرة المُصورينَ وَالفَنانين
صورٌ ورسومٌ تَلِيقُ (بـالأَخِ الأَكبر)
القائِدُ الأَوحَدُ الفَذّ الوَسِيم
وَهوَ بالبدلةِ العَسكريَّةِ أَو بِكاملِ قيافَته المَدنيَّة
حاصر الرأسَ أَو بالعقالِ وَالكوفيَّة والعَباءة العَربيَّة
بالمِنجَلِ أَو بالمُسدَّسِ أَو البُندقيَّة
أُعيدَ اِفتتاحُ مهرجاناتِ الشِّعر والخَطابة والأَغاني
فتحت لها محطات الإذاعة والتلفزة
وَزينتْ لها أَفخرُ القاعاتِ وأَرفعُ المَنابر
واغذقتْ عَليهم الهِباتُ والعَطايا السَّخيَّة
فَصَدحتْ بأَعذبِ الأَلحان
آلافٌ من القَصائدِ والخطابات وَالأَغانِي
وَهيَ تحدو بالقطيع وتَتَغنى بِحبِ وَمَآثرِ
بانِي الوَطَن
وَحارسُ بوابتهِ الشَّرقيَّة
ساعةُ الصِّفر للهجومِ عَلَى العراق حددتْ وأُعلنتْ

أنتهى الجزء الأول / إلى اللقاء مع الجزء الثاني
كتبت في مالمو/ مملكة السويد
هوامش متعلقة بالموضوع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) حرب الثمانية سنوات : هي الحرب العراقية الإيرانية والتي تسمى حرب الخليج الأولى من (سبتمر/أيلول 1980 لغاية 08-08- 1988) أطلقت عليها الحكومة العراقية اسم (قادسية صدام ) فيما أطلقت عليها جمهورية إيران الإسلامية (الدفاع المقدس)
(2)الرئيس الكويتي علاء: هو رئيس (حكومة الكويت الحرة المؤقتة ) والتي شكلتها الحكومة العراقية في 4 اب / اغسطس 1990 أي بعد ثلاثة أيام من غزو الكويت، وقد كانت حكومة صورية تابعة للعراق، تشكلت من تسعة أعضاء بقيادة (علاء حسين الخفاجي) وجميعهم يحملون رتب متوسطة بالجيش الكويتي، وحُلَّت في الثامن من الشهر نفسه بعد عن إعلان بغداد ضم الكويت واعتبارها محافظة عراقية.
(3) حرب الخليج الثانية أو أم المعارك أو حرب تحرير الكويت وأطلق عليها عسكرياً أسم (عملية درع الصحراء للمرحلة من 7 أيلول / أغسطس 1990 وحتى 17 كانون الثاني / يناير1991)
وثم عملية عاصفة الصحراء للمرحلة من 17 كانون الثاني /يناير حتى 28 شباط / فبراير 1991)
هي حرب شنتها قوات التحالف المكونة من 34 دولة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ضد العراق.
بعد أن منح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تفويضاً لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي.
رافق حرب الخليج الثانية عدة قرارات دولية وعربية تطالب العراق بالانسحاب ثم جاءت عقوبات (الحصار) الدولي على العراق : بعد ساعات من الاجتياح العراقي للكويت طالبت الكويت والولايات المتحدة بعقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن وتم تمرير قرار لمجلس الأمن الدولي (رقم 660 ) والتي شجبت فيها الاجتياح وطالبت بانسحاب العراق من الكويت، وفي( 3 آب / أغسطس) عقدت جامعة الدول العربية اجتماعاً طارئاً وقامت بنفس الإجراء.
هو الحصار الذي نتج عن قرار الأمم المتحدة رقم(661) و الذي صدر يوم 6 / آب / أغسطسس 1990 نتيجة إلى الغزو العراقي للكويت وَنص عَلَى اقرار عقوبات اقتصادية خانقة على العراق ،لتجبر قيادته انذاك على الانسحاب الفوري من الكويت.
وقد تلى ذلك عشر قرارات متتالية تقريباً ،تحذره من عواقب بقائه بالكويت وتحديه المجتمع الدولي.

أحدث المقالات

أحدث المقالات