عام يتلو عاما ومصائب العراقيين في تجدد مستمر ، فعاشوراء العراق لا تنتهي مواجعها ، لان قتلة اهله معلومون لدى الجميع ، بشخوصهم وبعلاماتهم الفارقة التي يتميزون بها عن بقية الخلق ، ان ورثة قتلة الحسين مازالوا احياء فينا ، من حيث القتل والمكر والدجل الذي يمارسونه كل يوم، بل ان هؤلاء الورثة اشد قهرا وظلما وسفكا للدماء من ابائهم واجدادهم ، واذا كانت موقعة الطف شهدت مقتل سبط اشرف خلق الله ، فان أبناء واحفاد قاتليه ، جعلوا من ارض العراق كلها مواقع ” طف ” وكربلاء .
في كل مرة تمزقنا اختلافات السياسيين وتوحدنا صرخات المظلومين . فنسمو فوق التعصب والمذهب والطائفة والقومية والكراهية والتناقضات ، اما الاصطفافات الطائفية والعنصرية السائدة، فهي دستور هؤلاء الذين يتباكون على الحسين في ذكرى استشهاده ولم يكن هؤلاء يمثلون مكونات العراق، لانهم لا ينتمون إلى هذه الأرض المسماة “عراق” ، ولا حتى يستحقوا ان يتنفسوا هواءه او يشربوا من ماء فراته ، بل لا يستحقون ان تحتضن ارضه جثامين أجسادهم التي سوف يزحزحها الله يوم الحساب ليحرقوا في نار جهنم خالدين فيها ابدا .
في كل عام من شهر محرم الحرام ، يستذكر العراقيون بشكل خاص والمسلمون واحرار العالم بشكل عام، ذكرى موقعة الطف التي حدثت مواجعها قبل اكثر من 1600 سنة ولعل الجديد في احيائها هذا العام هو ما يعيشه العراقيون من مواجع القتل والألم والنزوح والتهجير والظلم والفاقة والوباء ، بفضل أناس تربعوا على صدورنا طيلة اكثر من عقد من الزمن ، يدعون انهم ساسة العراق الجدد ، يتشدقون باسم الدين ، والدين منهم براء ، فهم من قتلوا فلذات اكبادنا وسرقوا خيرات بلادنا وسلبوا واغتصبوا حرمات اعراضنا وباعوا ارضنا لمن لا رحمة في قلوبهم ولا ذمة في ضمائرهم .
فالحسين لا يريد منكم ان تلبسوا سواد الثياب عليه ولا يريد منكم ان تسيروا الى كربلاء تلطمون وتطبرون وتقدمون لزائريه ما لذ وطاب من موائد الطعام ، بل يريد منكم ان تشفقوا على احفاده الذين يستصرخون من ظلمكم لهم كلما رفعوا اكفهم الى السماء ، وهم يبتهلون الى الله ان ينقذهم من قسوتكم ومن غدركم الذي لا ينقطع ، فمطالبهم التي يرفعونها هي ليست منةً منكم عليهم وانما هي حقهم في الحياة التي خرج من اجلها من تحيون ذكراه اليوم ، وهي استذكارٌ للمظلوميةِ التي شَهدَها سبطُ رسول الله ( ص ) ، لانهم تعلموا منه كيف يظلمون فينتصروا .
فالإمام الحسين الذي خرجَ ثائراً بوجه الظلم ، عرف بانه مدرسة الحياة الكريمة، ورمز المسلم القرآنيْ وقدوة الأخلاق الإنسانية وقيمها ومقياس الحق فيها ، فكفاكم كذبا وتزلفا عليه ، فما حل به يوم استشهاده بالأمس ، يتجدد على احفاده بأيديكم اليوم ، فأنتم من سمحتم لليهود والكفار والمجوس ان تطأ اقدامهم تراب كربلاء وغيرها التي امتزجت بدمائه ودماء صحبه وال بيته الاطهار ، فتصنعون منها تربة سجودكم في الصلاة وكذلك شركائكم في الاثم ، ممن باعوا ضمائرهم ووجدانهم ، في المحافظات الغربية والشمالية ، بحفنة من الدولارات المسروقة من خزائن العراق وخيراته .
هذه هي نصيحة العبد الفقير وكاتب الكلمات لكم ، أيها السياسيون الطائفيون ، اجعلوا من احياء ذكرى استشهاد سيد شباب اهل الجنة سيدنا الحسين عليه وعلى ابيه وجده افضل الصلاة والسلام ، مناسبة لترطيب الانفس ووأد الفتنة والانتقام والانقسام الطائفي ، وحرروا أنفسكم من العبودية التي لازمتكم طيلة سنوات الظلم العجاف ، وتوبوا الى الله ، توبة مودع وغادروا عروشكم التي بنيتموها من أموال السحت الحرام ، وقبل كل شيء اغسلوا وجوهم بدموع الذل في مقامي حضرة أبي عبدالله واخيه العباس ، عندها لا ينفع الندم ولا المال و لا الجاه ولا المنصب ولا الطائفة ولا المذهب وينجو منكم من اتى الله بقلب سليم .