19 ديسمبر، 2024 2:14 ص

انخفاض أسعار النفط. وعقيدة الصدمة الاقتصادية …

انخفاض أسعار النفط. وعقيدة الصدمة الاقتصادية …

السعر النهائي شهدت أسعار النفط هبوطا كبيرا في الآونة الأخيرة، مما أثر على الجميع، سواء في ذلك البلدان المنتجة أو البلدان المصدرة أو الحكومات أو المستهلكين. وعلى وجه العموم، نرى أن هذا التطور بث في الاقتصاد العالمي جرعة من النشاط وتلفت عناية الحكومات الى الإبداع في خلق إيرادات جديدة مبتدعة لحماية الموقف المالي للمجتمع والبلد.
ونود الإشارة إلى أن أي  بلدين لن يتعرضا  لهبوط الأسعار بنفس الطريقة، لكن هناك خصائص مشتركة تجمع بين البِلدان. فالمجموعة المستوردة للنفط ضمن الاقتصاديات المتقدمة، وحتى الأسواق الصاعدة بدرجة أكبر، ستستفيد من ارتفاع الدخل في قطاع الأُسر، وانخفاض تكاليف المدخلات، وتحسن أوضاعها الخارجية. وستحقق البلدان المصدرة للنفط عائدا أقل، كما أن موازناتها العامة وأرصدتها الخارجية ستتعرض لضغوط وهذا بدوره يؤدي إلى زيادة المخاطر على الإنفاق المالي من حيث تدهور العملات النقدية وتأثيراتها على البورصة العالمية للسوق وموقف الحكومات المتأثرة  وفلسفتها في المعالجة الاقتصادية.
إنّ إستراتيجية الصدمة وهي تعني بشكل آخر، فلسفة القوة أو التكتيك الذي يهدف إلى فرض النظريات الليبرالية المتطرفة التي طورها الاقتصاديون المؤيدون لنظرية السوق الحر بهدف التغلب على الحواجز الديمقراطية وكسرها.
تقوم هذه العقيدة الاقتصادية على إلغاء القطاع العام، منح الحرية الكاملة للشركات، الحد الكبير للإنفاق الاجتماعي، عبر وسائل كارثية تعتمد الاضطرابات السياسية والكوارث الطبيعية والذرائع القسرية لتمرير “إصلاحات” السوق الحرة المرفوضة شعبيًا و اجتماعيا وذلك باستغلال حالة الخوف والصدمة والفراغ التي يعيشها النّاس في تلك اللحظة. ونجاح هذه الإستراتيجية يعتمد على عمق الأزمة، وكلما كانت أكثر خطورة، فإن التحولات تكون جذرية أكثر، وهي لا تلتفت إلا إلى المكاسب التي تجنيها الشركات الخاصة من الأزمات، ومدى امتثال البلد المستهدف لتعليمات البنك الدوليّ ولوائح العولمة.
وقد عرف التاريخ أمثلة كثيرة طُبّقت خلالها هذه التقنية كانقلاب بين وشيه في تشيلي(1973) وحرب جزر فوكلا ند(1982) التي انتهت بهزيمة الأرجنتين أو كما حدث خلال أزمة الاقتصاد الأسيوي سنة 1997، والتّي مهدت الطريق لصندوق النقد الدولي لفرض مجموعة من البرامج الاقتصادية في المنطقة و التي بموجبها تمت عملية خصخصة عدد من الشركات المملوكة للدولة من خلال بيعها إلى بنوك غربية و شركات متعددة الجنسيات كما مكن “التسونامي” الذي ضرب سيريلانكا سنة 2004 الحكومة السيريلانكية من التخلص من الصيادين الذي كانوا يشتغلون في الواجهات البحرية و قامت ببيع تلك الواجهات إلى المستثمرين في قطاع الفنادق، كما مكنت أحداث 11 سبتمبر الرئيس جورج بوش من شن هجوم على العراق بهدف خلق عراق خاضع لنظام السوق الحر.
فارتفاع وانخفاض أسعار النفط ليس له علاقة بالعرض والطلب وان كان هذا  التصور ظاهريا , وبالذات أن استهلاك الطاقة يزادا في فصل الشتاء وهذا بدروه يؤدي إلى زيادة الطلب على النفط عالميا إلا أن العكس هو ما يدور في الفلك الاقتصادي مقارنة بأسعار السنوات السابقة بمثل هذا الوقت .
في العراق ، ودون أن نغرق في نظريّة المؤامرة وأنّ كانت تدبيرا خارجيّا، اختلف السيناريو واختلفت الأساليب. في الواقع لم يتعرّض العراق  إلى أزمة بذلك العنف  الاقتصادي والعسكري الذي عرفه ألان إضافة لسلسلة من الضغوطات والإغراءات المتواصلة التي تهدف إلى إغراق البلاد أكثر فأكثر في مستنقع العجز والمديونيّة حتّى لا تجد ملاذا سوى هيئات النقد الدوليّة التي لا تقرض ولا تساعد إلاّ وفقا لشروطها الخاصّة وبعد إعادة هيكلة الاقتصاد المحليّ وفقا لمتطّلبات النظام العالميّ الجديد القائم على الانفتاح التّام والتسليم بالارتباط العضويّ الكامل مع الخارج.
ومع هذا وإضافة للمؤامرة  فان الحروب  والحركات العسكرية للجيوش لاتخلوا من هزّات اقتصادية كبرى، وتعطيل للإنتاج وتقلصّ الاستثمارات نتيجة الاضطرابات الأمنية والسياسيّة، ولكن ما تعرّض له العراق  هو عمليّة عقاب جماعيّ انخرطت فيه مختلف المكوّنات السياسيّة والنقابيّة والدوليّة بقصد أو دون قصد. إذ تعرّض المواطن العراقي إلى كمّ هائل خلال السنوات العشر الماضية  من الترهيب الاقتصادي تركّزت على الارتدادات السلبيّة لقرارات السفير الأمريكي بريمر وما تبعه من تخريب للبنية المؤسسية لدولة من خلال منظومة فساد عالية المستوى  وهروب للمستثمرين وتعطّل الإنتاج في أكثر من قطاع حيويّ وتسبّب الإضرابات والحراك الاجتماعي في تدهور الوضع الاقتصادي، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة التضخّم وغلاء المعيشة. ولم تكن البلاد لتصل إلى هذه الوضعيّة لو لم تضع الوزارة السابقة  خلال تولّيها زمام الأمور حساباتها السياسيّة والانتخابية فوق الاعتبارات والضرورات الاقتصادية الملحّة، . واليوم يبدو أنّ حكومة السيد حيدر ألعبادي  تجد نفسها في وضعيّة مريحة على الأقلّ من الناحية النفسيّة للشعب العراقي ، الذّي صار يعيش بين خيار التجويع والتشريد والإبادة أو التسليم بالانضمام للدولة والقانون .
إذ، يبدو أنّ البلاد تسير في النهاية نحو التسليم المطلق لاملاءات الحكومة الأمريكية الداعية  لأقلمة  البلاد وإبعاد  الدولة عن إدارة الاقتصاد وتغييب الدور الاجتماعي لها في صنع المخرجات الجيدة للواقع الاجتماعي .
ان وضعية المالية العمومية سيئة للغاية. وضعية الدينار سيئة. أغلب محركات الاقتصاد متوقفة (تراجع التصدير في الصناعات التحويلية مثلا). العجز يتفاقم في البنوك العمومية والصناديق الاجتماعية. أغلب المؤسّسات العمومية في وضعية عجز وفقدت حصتها في السوق ولم تعد بعد إلى مستواها العادي في النشاط(شركات الصناعة والمعادن). حجم الأجور زاد 100% خلال ست سنوات السابقة . حجم الدعم تضائل عدة  مرات، وحجم الدين الخارجي ارتفع خلال السنوات السابقة ، إلخ، إلخ. هذه “الإنجازات” العملاقة ليست نتيجة مؤامرات خارجية فقط وإنما هي من “إنجازات” حكومة السيد نوري المالكي!

أحدث المقالات

أحدث المقالات