يمكن تعريف انتهاك الدستور بأنه قيام رئيس الدولة بعملٍ يخالف نصاً من نصوصه، أو يوقف العمل به كلياً أو جزئياً، أو يعدل أحكامه دون الالتزام بالآليات الدستورية الصحيحة -1-.
وانتهاك الدستور، وفقاً لدستور جمهورية العراق لسنة 2005 (النافذ)، يُنسب إلى رئيس الجمهورية، ويترتب على ارتكابه مساءلته وإعفاؤه من منصبه بقرار من مجلس النواب يصدر بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه، وذلك بعد إدانته من المحكمة الاتحادية العليا بهذا الفعل -2-.
ويمكن توضيح الافعال المكونة لانتهاك الدستور على النحو الآتي:
أولاً: مخالفة الدستور
وهو الفعل الذي يرتكبه رئيس الدولة، مخالفاً لنصوص الدستور سواء من الناحية الشكلية أو الموضوعية، وذلك في الحالات الآتية:
الحالة الأولى: مخالفة قواعد الاختصاص
وهي قيام رئيس الدولة بممارسة صلاحية لم ينص عليها الدستور، سواء من خلال تجاوز حدود صلاحياته الدستورية أو التعدي على صلاحيات واختصاصات السلطات الأخرى.
فعلى سبيل المثال: نصّت المادة (60/ أولاً) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 (النافذ) على الآتي: “مشروعات القوانين تقدم من رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء”.
وبحسب تفسيرات المحكمة الاتحادية العليا للنص المتقدم، فإن مشروعات القوانين تُقدَّم من جهتين، هما رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء، مما يعني أن لرئيس الجمهورية حق تقديم مشروعات القوانين بشكل مستقل عن مجلس الوزراء -3-.
لكن المادة (62/ ثانياً) نصت على الآتي: “يقدم مجلس الوزراء مشروع قانون الموازنة العامة والحساب الختامي إلى مجلس النواب لإقراره”، كما أن المادة (80) تنص على الآتي “يمارس مجلس الوزراء الصلاحيات الاتية… رابعاً: إعداد مشروع الموازنة العامة والحساب الختامي وخطط التنمية”.
وهذا يعني أن تقديم مشروع قانون الموازنة العامة والحساب الختامي هو صلاحية حصرية لمجلس الوزراء، ولا يملك رئيس الجمهورية تقديم أي من هذين المشروعين. ويعد ذلك استثناءً من صلاحياته في تقديم مشروعات القوانين، فإذا قام بتقديم أي منهما، فسيكون فعله مخالفاً لقواعد الاختصاص.
وهو ما ذهبت إليه المحكمة الاتحادية العليا حيث جاء في قرار لها، أن “لأي من رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء تقديم مشروعات القوانين باستثناء قانون الموازنة العامة والحساب الختامي الذي لا يجوز لرئيس الجمهورية تقديمه، وإنما يقدم حصراً من مجلس الوزراء استناداً لأحكام المادة (80/ رابعاً) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005” -4-.
وإلى جانب ذلك، يُعد امتناع رئيس الدولة عن ممارسة صلاحياته الدستورية مخالفةً للدستور أيضاً، وهو ما أشارت إليه المحكمة الاتحادية العليا بشأن رئيس الجمهورية، الذي أسند إليه الدستور، بموجب المادة (73/ ثالثاً)، صلاحية المصادقة على القوانين التي يسنها مجلس النواب وإصدارها، وتُعد مُصادقاً عليها بعد مضي خمسة عشر يوماً من تاريخ تسلمها.
إلّا أن المحكمة قضت بعدم جواز امتناع رئيس الجمهورية عن المصادقة وإصدار القوانين التي يسنها مجلس النواب، إذ يُعد ذلك خرقاً للدستور -5-.
الحالة الثانية: مخالفة قواعد الإجراءات
ويتمثل ذلك في عدم التزام رئيس الدولة بالشكليات والإجراءات التي حددتها نصوص الدستور لممارسة صلاحياته.
والمثال على ذلك، المادة (54) من الدستور على الآتي “يدعو رئيس الجمهورية مجلس النواب للانعقاد بمرسوم جمهوري، خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ المصادقة على نتائج الانتخابات العامة…”.
وبموجب النص، يوجه رئيس الجمهورية الدعوة إلى مجلس النواب الجديد للانعقاد خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ مصادقة المحكمة الاتحادية العليا على نتائج الانتخابات العامة لعضوية المجلس. ولكن المشرع الدستوري اشترط شكلية معينة في توجيه الدعوة، وهي إصدار مرسوم جمهوري. فإذا لم يلتزم رئيس الجمهورية بهذه الشكلية، كأن يوجه الدعوة شفوياً، فإن فعله سيعد مخالفة دستورية.
الحالة الثالثة: مخالفة القواعد الموضوعية
وهي أن يقوم رئيس الدولة بارتكاب فعل يخالف أحد الأحكام الموضوعية التي ينص عليها الدستور. وهذا يعني أن يصدر عن رئيس الدولة فعل ضمن صلاحياته ووفقاً للإجراءات المقررة له، إلا أنه يتعارض مع حكم في الدستور.
ويعطي الفقه مثالاً عن انتهاك رئيس الجمهورية للدستور وذلك في الدورة الانتخابية الرابعة، من خلال مخالفة المادة (76) من دستور جمهورية العراق برفض تكليف مرشح الكتلة الأكثر عدداً بتشكيل الحكومة خلافاً لواجبه الدستوري بموجب المادة المذكورة إذ أن الكتلة الأكثر عدداً رشحت إلى رئيس الجمهورية مرشحها لمنصب رئيس مجلس الوزراء استناداً إلى المادة (76) من الدستور وقد أكد مجلس النواب أن هذه الكتلة هي الأكثر عدداً بموجب الرسائل المرقمة (م.ر2494) في (16/ 9/ 2018) و (م. ر1360) في (23/ 12/ 2019)، فيما أقر رئيس الجمهورية بهذه المخالفة بموجب رسالته المؤرخة (26/ 12/ 2019) المرسلة إلى مجلس النواب حيث أورد فيها: “… وبما أن هذا الموقف المتحفظ من الترشيح الحالي يعد إخلالاً بنص دستوري لذلك أضع استعدادي للاستقالة من منصب رئيس الجمهورية أمام أعضاء مجلس النواب)، ويرى أصحاب هذا الاتجاه أن مخالفة رئيس الجمهورية لواجبه الدستوري تعد كافية لإدانته من المحكمة الاتحادية العليا ومن ثم اعفائه من منصبه بالأغلبية المطلقة لعدد أعضاء مجلس النواب باعتباره ارتكاب الحالتين المنصوص عليهما في المادة (61/ ب/ 1و2) والمقصود بذلك الحنث باليمين الدستورية وانتهاك الدستور -6-.
الحالة الرابعة: مخالفة الغاية
وهو ما يُعرف أيضاً بالانتهاك المستتر للدستور، ويتحقق ذلك عندما يمارس رئيس الدولة صلاحية منصوص عليها في الدستور، ولكن لأغراض غير مشروعة. في مثل هذه الحالات، يُظهر رئيس الدولة الأسباب التي تبرر أفعاله على أنها مرتبطة بالمصلحة العامة، مما يضفي على عمله طابع الشرعية الظاهر، فيبدو صحيحاً في الظاهر. ومع ذلك، عند البحث في النية الحقيقية وراء الفعل، تتكشف الغاية التي كان يسعى لتحقيقها. وعلى ذلك، تكمن خطورة عيب الغاية في كونه عيباً خفياً، حيث يحرص رئيس الدولة عادة على تجنب مخالفة الدستور بشكل صريح. فالعمل المخالف لروح الدستور قد يتستر وراء أسباب زائفة لخدمة غايات معينة -7-.
والمثال على ذلك، إذا أصدر رئيس الجمهورية عفواً خاصاً وفقاً لمتطلبات المادة (73/ أولاً) من دستور جمهورية العراق لعام 2005 (النافذ)، ولكن تبين أن الغرض من هذا العفو هو تحقيق غايات شخصية أو بدوافع انتقامية -8-.
نحن نتفق مع الرأي القائل بأن مجرد ارتكاب رئيس الجمهورية لفعل مخالف للدستور لا يُعد انتهاكاً للدستور، إلا إذا أصر على المخالفة التي ثبتت المحكمة الاتحادية العليا بموجب قرار لها -9-.
ثانياً: تعطيل الدستور
يقصد بتعطيل الدستور إيقاف تطبيق القواعد الواردة في الوثيقة الدستورية بشكل كلي أو جزئي ولفترة مؤقتة -10-.
التعطيل الفعلي أو الواقعي هو الذي يثير مسؤولية رئيس الدولة ويعرضه للعقاب في الدساتير التي تجرم هذا الفعل صراحة، لأنه لا يستند إلى الدستور ولا يسعى لتحقيق مصلحة عامة وطنية، بل يستند إلى إرادة الرئيس وأغراضه الخاصة. وبالتالي، فهو ليس التعطيل الرسمي الذي يجيزه الدستور في حالات معينة -11.
التعطيل الفعلي هو أن يتغاضى رئيس الدولة عن تطبيق نص موجود في الدستور، أو يتعمد إهماله -12-،ويحدث ذلك في حالة عدم الإعلان عنه، حيث يقوم رئيس الدولة، من الناحية الفعلية، باتباع منهج بعيد عن القواعد الدستورية -13-.
قد يلجأ رئيس الدولة إلى تعطيل الدستور إذا كان يشكل عقبة قانونية أو سياسية أمام تحقيق أغراضه الشخصية -14-( ).
ويقدم الفقه أمثلة على حالات تم فيها تعطيل فعلي للدستور في العراق، ومنها أن القانون الأساسي العراقي لعام 1925 (الملغى) نص على أن شكل الحكومة نيابي، أي اعتمد أسس النظام البرلماني. إلا أن قراءة الواقع السياسي تظهر أن النظام لم يكن برلمانياً حقيقياً، حيث بالغت الحكومات العراقية في حل مجلس النواب، وفي المقابل، لم يجرؤ المجلس طوال ثلث قرن على سحب الثقة من أي حكومة. كما أن تعيين رئيس الوزراء في ظل النظام البرلماني يجب أن يكون مرتبطاً بالأغلبية في المجلس النيابي، لكن التعيين في تلك المرحلة كان مرتبطاً بموافقة الملك -15-.
والمثال الثاني يتعلق بحكم المادة (76/ أولاً) من دستور جمهورية العراق لعام 2005 (النافذ)، التي قضت بأن يكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً في مجلس النواب بتشكيل مجلس الوزراء، أي أن هذا المرشح سيكون حراً في اختيار الوزراء. إلا أن الواقع السياسي أفرز حالة من فرض الوزراء من الكتلة النيابية الأخرى استناداً إلى مسميات لا سند لها في الدستور، مما يعني أن بعض حالات التعطيل الفعلي تمثل مخالفة صريحة للدستور -16-.
لكن ما يهمنا هو حالة تعطيل رئيس الدولة للدستور، ويمكن تصور ذلك من خلال امتناع رئيس الجمهورية عن إصدار مرسوم جمهوري بموجب المادة (54) من الدستور لدعوة مجلس النواب الجديد للانعقاد، بهدف تعطيل أعمال المجلس.
ثالثاً: تعديل الدستور
يقصد بتعديل الدستور أي تغيير في الدستور، سواء كان أثره يتعلق بإضافة حكم جديد لموضوع لم يسبق للدستور تنظيمه، أو بتعديل الأحكام الدستورية المتعلقة بموضوع معين من خلال الإضافة أو الحذف -17.
ويقدم الفقه بعض الأمثلة التي يمكن من خلالها أن يؤدي تعديل الدستور إلى انتهاك أحكامه، وهي على النحو الآتي:
الحالة الأولى: تغيير إجراءات التعديل
وهو أن يتفرد رئيس الدولة بمبادرة طلب التعديل، رغم أن الدستور ينص على أن هذا الطلب يجب أن يكون مشتركاً مع سلطة أخرى، أو أن يرغم تلك السلطة على تقديم هذا الطلب من دون مسوغ فعلي أو دستوري يستدعي التعديل. حيث نصت المادة (126/ أولاً) على أن صلاحية اقتراح التعديل تكون لرئيس الجمهورية ومجلس الوزراء مجتمعين. فإذا تفرد الرئيس بهذه الصلاحية دون العودة إلى مجلس الوزراء، فإن ذلك قد يؤدي إلى إبطال إجراءات التعديل ويعرضه للمسائلة عن انتهاك الدستور -18-.
الحالة الثانية: انتهاك الحظر الموضوعي
ويعرف الحظر الموضوعي بأنه عدم جواز تعديل بعض أحكام الدستور، نظراً لسموها وارتباطها بالخصائص الأساسية للدولة ونظام الحكم -19-، ويُقرَّر هذا الحظر عادةً بشأن الأحكام الجوهرية في الدستور، لا سيما تلك المتعلقة بنظام الحكم المقرَّر -20-.
والحظر الموضوعي قد يكون مؤبداً، بحيث لا يجوز تعديل النصوص التي أُسبِغت عليها الحماية في أي وقت من الأوقات. ومن ذلك دستور البرازيل لعام 1934، الذي يحول دون إمكان اقتراح تعديل الشكل الجمهوري الفيدرالي للدولة، ودستور البرتغال لعام 1911، الذي يحرّم تعديل المواد المتعلقة بالشكل الجمهوري للحكم. كما قد يكون القيد الموضوعي مؤقتاً لمدة معينة، ومن ذلك النص على عدم جواز تعديل الأحكام المتعلقة بحقوق الوريث الشرعي للعرش أثناء مدة الوصاية، وهو ما قرّره الدستور المصري الصادر عام 1923 وعام 1930 -21-.
فإذا استخدم رئيس الدولة سلطاته في تعديل أحد النصوص التي حرم المشرع تعديلها، فإن إجراء التعديل سيكون معيباً، ويعد انتهاكاً لأحكام الدستور -22-.
الحالة الثالثة: انتهاك الحظر الزمني
ويعرف الحظر الزمني بأنه عدم جواز اقتراح تعديل الدستور إلا بعد مضي مدة معينة، حيث يهدف واضعو الدستور من ذلك إلى ضمان نفاذ أحكامه مدة تكفي لتثبيتها قبل السماح بتعديلها. ويكون ذلك عادة بمناسبة إقامة نظام سياسي جديد، يراد عدم المساس به إلا بعد تجربته مدة معقولة، أملاً في أن يسهم عامل الزمن في تخفيف حدة المعارضة لهذا النظام -23-.
تنص بعض الدساتير على حظر إجراء أي تعديل في أحكامها خلال الفترات التي تتعرض فيها الدولة لظروف استثنائية أو لأوضاع خطيرة. ويحدث ذلك عند وقوع جزء من إقليم الدولة تحت سيطرة الاحتلال الأجنبي، أو عند تعرض أمن الدولة وسلامتها للخطر -24-.
فإذا عمل رئيس الدولة على تعديل نص أو أكثر في وثيقة الدستور خلال الفترة الزمنية التي حظرت فيها السلطة المؤسِّسة إجراء أي تعديل، فإن التعديل يكون غير مشروع وخرقاً لأحكام الدستور -25-.
الحالة الرابعة: مخالفة فلسفة الدستور
تقوم الدساتير على فلسفة معينة يرسمها واضعوها، وفي ضوء هذه الفلسفة يتم تحديد الأسس السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للدولة، كما يتم تحديد معالم نظام الحكم. وتتأثر هذه الفلسفة بعوامل عدة مثل الإرث الدستوري، وعراقة التجربة الديمقراطية، وأسلوب بناء الدولة، والخلفية الدينية أو العرقية أو القومية التي تقوم عليها الدولة، وظروف نشأتها وتطورها. وقد تتأثر أيضاً بالمتغيرات المحلية أو الإقليمية أو الدولية. وأياً كانت هذه الفلسفة، فعلى رئيس الدولة الالتزام بها أثناء ممارسة صلاحياته الدستورية، وإذا خالفها سيكون نشاطه مشوباً بعدم الشرعية، مما يبرر مساءلته عن انتهاك الدستور. إلا أن ما يميز هذه المخالفة هو طابعها المستتر، حيث إن إثباتها يشوبه نوع من الصعوبة مقارنةً بالمخالفات الصريحة لنصوص الدستور -26-.
ورغم محاولات الفقه الإحاطة بانتهاك الدستور بوصفه من الأفعال الخطيرة التي يترتب عليها في العراق إعفاء رئيس الجمهورية من منصبه، إلا أنه يتعين أن يتم التدخل التشريعي سواء على صعيد تعديل الدستور أو سن قانون خاص بمحاكمة رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء وفقاً للمادة (93/ سادساً) من الدستور، بحيث يتضمن تعريفاً واضحاً لمضمون حالة انتهاك الدستور ومكوناتها، وتحديد التكييف القانوني لطبيعتها والأفعال المكونة لها، والتي تشمل مخالفة الدستور نصاً وروحاً، أو تعليق الدستور، أو تعديله دون اتباع الآليات المحددة فيه -27-.
يكتسب تنظيم انتهاك رئيس الجمهورية للدستور أهميته من الصلاحيات المناطة به، والتي لا تقتصر على الجوانب البروتوكولية. فهو، بموجب الدستور العراقي، يمارس صلاحيات مهمة سواء بنحو منفرد مثل تقديم مشروعات القوانين وفقاً للمادة (60/ أولاً)، أو طلب سحب الثقة عن رئيس مجلس الوزراء من مجلس النواب بموجب المادة (61/ ثامناً/ ب/ 1)، أو على صعيد الصلاحيات ذات الطابع المشترك مع مجلس الوزراء، مثل طلب إعلان حالة الحرب والطوارئ وفقاً للمادة (61/ تاسعاً/ أ)، وطلب حل مجلس النواب وفقاً للمادة (64/ أولاً)، واقتراح تعديل الدستور وفقاً للمادة (126/ أولاً).
وتثير مسألة الأثر المترتب على إدانة رئيس الجمهورية بانتهاك الدستور، إضافة إلى الحنث في اليمين الدستورية والخيانة العظمى، جدلاً فقهياً واسعاً، خاصة أن الدستور العراقي يشترط في إعفاء الرئيس بعد إدانته بأحد هذه الأفعال موافقة الأغلبية المطلقة لعدد أعضاء مجلس النواب أمام المحكمة الاتحادية العليا. وتعد هذه الآلية بمثابة خرق لمبدئي الفصل بين السلطات واستقلال القضاء، حيث قد تؤدي إلى تداخل السلطة التشريعية مع القضاء، مما يثير تساؤلات حول مدى واحترام المبادئ الدستورية الأساسية.
على اعتبار أن مجلس النواب قد يرفض إعفاء رئيس الجمهورية أو يصوت لذلك ولكن ليس بالأغلبية المطلوبة في الدستور -28-، رغم إدانته من المحكمة الاتحادية العليا التي تتمتع قراراتها بالقوة الباتة والملزمة للسلطات وفقاً للمادة (94) من الدستور، ما يستدعي إعادة النظر في المادة (61/ سادساً) منه.
هناك اتجاه يدعو إلى تضمين التعديل إحدى هاتين الآليتين: الأولى أن يختص مجلس النواب العراقي بمهمة الاتهام والمحاكمة وإعفاء رئيس الجمهورية من منصبه، كما هو معمول به في دستور الولايات المتحدة الأمريكية لعام 1787. والثانية أن يُحصر ذلك في اختصاص المحكمة الاتحادية العليا، حيث تقوم هي بمحاكمة الرئيس وتقرر إعفاءه دون أن يتوقف قرارها على موافقة أي جهة أخرى -29-.
نرى أن تكون الآلية بحيث يتيح لمجلس النواب تحريك الاتهام وتقديم الأدلة إلى المحكمة الاتحادية العليا، التي تتمتع بالولاية الحصرية في محاكمة رئيس الجمهورية وإدانته. وفي حال ثبوت إدانته، يتضمن قرارها إعفاءه من منصبه.

إياس الساموك
باحث دكتوراه في القانون العام
……………………………….

الهوامش

1- حنظل شريف، انتصار حسن عبد الله، اتهام ومحاكمة رئيس وأعضاء السلطة التنفيذية، بحث منشور مجلة العلوم القانونية، جامعة بغداد، كلية القانون، العراق، العدد 31، كانون الأول/ 2017، ص 250- 254.
2- نضت المادة (61) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 (النافذ) على الآتي: “يختص مجلس النواب بما يأتي:… سادساً: أ- مساءلة رئيس الجمهورية بناءً على طلبٍ مسبب، بالأغلبية المطلقة لعدد اعضاء مجلس النواب. ب – اعفاء رئيس الجمهورية، بالأغلبية المطلقة لعدد اعضاء مجلس النواب، بعد ادانته من المحكمة الاتحادية العليا، في احدى الحالات الاتية: 1. الحنث في اليمين الدستورية. انتهاك الدستور. الخيانة العظمى”.
3-قرارات المحكمة الاتحادية العليا رقم (43/ اتحادية/ 2010) و(44/ اتحادية/ 2010) و(64/ اتحادية/ 2013).
4- قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم (88/ اتحادية/ 2024).
5- قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم (237/ اتحادية/ 2022).
6- د. فائق زيدان، رقابة القضاء الدستوري على الحدود الدستورية بين السلطات، دار الوارث، العراق، 2021، ص133- 134.
7- د. رافع خضر صالح شبر، دراسات في مسؤولية رئيس الدولة، الطبعة الأولى، مطبعة البينة، العراق، 2009، ص174- 175.
8- نصّت المادة (73) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 (النافذ) على الآتي: “يتولى رئيس الجمهورية الصلاحيات الاتية: أولاً: اصدار العفو الخاص بتوصية من رئيس مجلس الوزراء، باستثناء ما يتعلق بالحق الخاص، والمحكومين بارتكاب الجرائم الدولية والارهاب والفساد المالي والاداري…”.
9- د. علي يوسف الشكري، انتهاء ولاية الرئيس، مؤسسة الصادق الثقافية، العراق، 2011، ص175.
10- د. محمد فوزي لطيف نويجي، تعطيل العمل بأحكام الدستور، مجلة البحوث القانونية والاقتصادية، جامعة المنوفية، كلية الحقوق، مصر، المجلد: 23، العدد: 39، ايار/ 2014، ص914.
11- د. علي يوسف الشكري، التناسب بين سلطة رئيس الدولة ومسؤوليته في الدساتير العربية، منشورات الحلبي الحقوقية، لبنان، 2010، ص154.
12- د. حميد حنون خالد، مبادئ القانون الدستوري وتطور النظام السياسي في العراق، مكتبة السنهوري، العراق، 2013، ص189.
13- د. خليل حميد عبد الحميد، القانون الدستوري، دار العاتك، مصر، 2018، ص157.
14- د. صالح جواد الكاظم، د. علي غالب العاني، الأنظمة السياسية، دار الحكمة، العراق، 1991، ص192.
15- د. خليل حميد عبد الحميد، مصدر سابق، ص157.
16- د. عدنان عاجل عبيد، القانون الدستوري، الطبعة الثالثة، مكتبة دار السلام القانونية، العراق، 2021، ص156.
17- شامل حافظ شنان الموسوي، تعديل الدستور وأثره على نظام الحكم في الدولة، طـ 1، المركز العربي، مصر، 2018، دار نيبور للطباعة والنشر، العراق، 2014، ص39.
18- د. علي يوسف الشكري، انتهاء ولاية الرئيس، مصدر سابق، ص182.
19- بوكرا إدريس، المبادئ العامة للقانون الدستوري والنظم السياسية، دار المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2016، ص182.
20- د. محمد عبد العال السناري، النظرية العامة للقانون الدستوري والنظم السياسية المعاصرة، مطبعة الاسراء، مصر، 2001، ص140.
21- د. رمزي طه الشاعر، النظرية العامة للقانون الدستوري، الطبعة السادسة، دار النهضة العربية، مصر، 2020، ص1254- 1255.
22- د. رافع خضر صالح شبر، انتهاك الدستور، الطبعة الأولى، مكتبة السنهوري، العراق، 2016، ص99.
23- د. رمزي طه الشاعر، مصدر سابق، ص1250.
24- د. عبد الغني بسيوني عبد الله، الوسيط في النظم السياسية والقانون الدستوري، مطابع السعدني، مصر، 20004، ص520.
25- د. رافع خضر صالح شبر، انتهاك الدستور، مصدر سابق، ص99.
26- د. علي يوسف الشكري، انتهاء ولاية الرئيس، مصدر سابق، ص184- 185.
27- د. رافع خضر صالح شبر، انتهاك الدستور، مصدر سابق، ص101.
28- تتطلب المادة (61/ سادساً/ ب) من دستور جمهورية العراق موافقة الأغلبية المطلقة لعدد أعضاء مجلس النواب، والتي عرفتها المحكمة الاتحادية العليا بموجب قرارها بالرقم (90/ اتحادية/ 2019) بأنها “أكثر من نصف العدد الكلي لعدد أعضاء مجلس النواب”.
29- د. فائق زيدان، مصدر سابق، ص133.

أحدث المقالات

أحدث المقالات