23 ديسمبر، 2024 1:46 م

انتخابات وطنية ام حاضنات طائفية!

انتخابات وطنية ام حاضنات طائفية!

يبدو ان انتخابات نيسان لن تختلف عن سابقاتها باستثناء أن الحديث عن سرقة الأصوات قد بدا مبكرا، وهو ما حذر منه رئيس المفوضية مقداد الشريفي، بينما يلهث المتنافسون وراء أصوات الزاحفين على البطون في العشوائيات و المناطق المنسية للحصول على ما يعينهم على “بلوى الشعبية المفقودة”، بينما يجتهد آخرون بكل ما يساعدهم على اعادة تلميع صور لا تختزنهات ذاكرة المواطن بسبب انعدام التأثير و العطاء معا.

يعرف المختصون ان الانتخابات ستجري في موعدها ، فهناك توقيتات أمريكية لا يجوز الأقتراب منها، وهناك مصالح مشتركة تزيد الحاجة الى مرور قارب الانتخابات بين كل الألغام، فهناك من المستفيدين ما يدفع دم قلبه ثمنا لذلك ، بدليل أن سياسيا ” عتيدا” لم يعلن انسحابه من العملية السياسية أو مقاطعة الانتخابات، بعد أن تعودوا الترف و نسوا البطون الجائعة!!
ان الحديث عن ديمقراطية تتوجها الانتخابات هو استنساخ ممل للفشل السياسي و تزاحم الأخطاء الكارثية، لأن نفس الوجوه ستملأ الشوارع و وسائل الاعلام، أمام عزوف شعبي غير مسبوق، بعد ان فشل الجميع في الامتحان الوطني و المسؤولية التاريخية بدليل انهيار الأوضاع الأمنية من الانبار الى ديالى و من بابل الى كركوك و البقية تأتي، طالما تتخذ القرارات في غرف مظلمة و تتسع لعدد قليل جدا من أصحاب القرار، لتبقى في دائرة السوء ما يزيد الطين بلة، و المحصلة أن شعب العراق سيواصل انتظار الفرج من المريخ!!

و لأن الكتاب” باين من عنوانه” مثلما يقول الأخوة المصريون، فان برلمانيات نيسان ستخرج من رحم سابقاتها، اصطفاف طائفي و تسقيط سياسي و لا حلول حقيقية، فسيكون هم المواطن هو بوابة ” الأمل” السياسي ، فستكون المروحيات بديلا عن البطانيات و الوقود لتخفيف وطأة الكهرباء و الماء، في بلد لا تحل فيه المشاكل ويتم التستر على الخروقات بعناوين فضفاضة هي اقرب الى السفسطة، والا كيف يتوقع المرء حلا و السلاح يتقدم على الحوار و المستقبل تحول الى ماضي بعيد، و الحديث عن الوطنية يفسر وكأنه ضحك على الذقون، بعد أن حرق اصحاب الدكاكين السياسية في العراق شعارات الأخوة و الولاء وعلّقوا على انقاضها يافطات للتناحر و الفتن، ، فثنائية الجوع والخوف وسيلة السياسيين لعبور الأزمات،  و من بينها انتخابات أو ربما ” فياضانات ” نيسان.
واستباقا للطوفان الشعبي الرافض للوجوه التي ” لا تبعث على الأطمئنان” فقد بدأ بازار شراء الأصوات مبكرا، انطلاقا من فلسفة أن كل شيء معروض للبيع في العراق، و استغلال كل الوسائل للفوز بملذات اللعبة الانتخابية، التي تحولت الى تنافس على المكاسب و فتح حساب مفتوح من داخل قبة البرلمان لعقد الصفقات و تمرير العقود بنسب عالية، و الا كيف يصبح النائب مليونيرا في 4 سنوات و المواطن ينحني ظهره مبكرا من الفقر و العازة!!

وما يزيد الطين بلة مرة أخرى ان الحاضنات الطائفية و العشائرية ستكون ملاذ المرشحين من شمال الوطن حتى جنوبه، بعد ان غرسوا في النفوس التخندقات خارج مصلحة الوطن ، رغم أن التجربة الماضية اثبتت بشكل واضح انفصام العلاقة بين المسؤول و المواطن ، رغم ما يدعونه من تمثيل ” مخلص جدا” للطائفية، ومع ذلك لم يرتوي أهلنا في البصرة بماء عذب و لم تعد ديالى مدينة البرتقال بينما أنطوت كردستان على نفسها و تحولت بغداد الى حواجز فصل سياسي و طائفي و عشوائيات تؤكد الحرمان و سوء الادارة.

وضمن هذه الحقائق غير المؤدلجة فان الانتخابات المقبلة لن تقدم للعراقيين غير المزيد من الفرقة و التناحر و القتل على الهوية، طالما أمتهن المتنفذون فيها تجارة الفوز بكل الصفقات و رفض فكرة الخسارة، لذلك يبحرون باتجاه واحد منذ 10 سنوات .. الثراء على حساب الوطن و المواطن، و الكرسي مقابل حرق المستقبل و انهيار أركان الدولة العراقية، بالطريقة المعتمدة على تخريب النفوس و تكميم الأفواه و تناسل البطون الجائعة، الانتخابات ليست حلا بل تغيير القناعات و المشاريع و تغيير الوجوه هو أقصر طرق النجاة من كارثة الاحتلال و أخواته، بغض النظر عن ملامحها الطائفية و الحزبية و العشائرية، و من هنا تزداد الحاجة لدولة العراق المدنية، التي نعرف أنها ستغيب عن الحملات الانتخابية، رغم أنها الأقرب الى مزاج العراقي!!

وعلى هذا الأساس يجب اصدار فتوى بتحريم أي شعارات انتخابية طائفية، مقابل تشكيل لجان شعبية لتمزيق الدعايات التي تشم منها رائحة الفتنة،  لأن المحافظة على وحدة العراق و أهله أهم بكثير من فوز هذا السياسي أو ذاك، فالبلدان تبنيها سواعد المواطنين و تهدمها تناحرات السياسيين، و القائمة على ذلك تطول يوما بعد أخر، ولن يكون الرئيس الأوكراني الشاهد الأخير فيها، و على السياسيين في العراق العبرة بتجارب غيرهم ، بدلا من التفنن في التغطية على أخطائهم، سيما و أن المواطن استوعب الدرس و لن يمنح درجة اضافية للباحثين عن الجاه وسط الحطام و أشلاء الضحايا من الأبرياء، ما يستدعي نخوة عراقية من خارج رحم الأحزاب المتئسلمة سياسيا!!

رئيس تحرير ” الفرات اليوم”
[email protected]