لم تكن القضية الفلسطينية محوراً ثانوياً يوماً ما، سواء في قلوب الشرفاء، أو في السنة المتاجرين بها، او حتى في عقول اصحاب الصفقات الخاصة، نظراً لمحوريتها واهميتها لدى اصدقاءها واعداءها.
منذ وعد بلفور وأحتلال الصهاينة لفلسطين عام ١٩٤٨، وفلسطين تتسلل إلى حديث كل شخصين تملكتهما شهوة تقطيع الجثة، ليس لأنها ماتت، وأنما لأيمانها بأن موتى الضمير فقط.. من بات يشتهي الحديث بها.
مبادئ المدافعين عن القدس، رمالٌ متحركة، أبتلعت حقوق الشعب المكسور، بدعايات كاذبة، وجهود بعيدة عن الصدق، فكانت قدسية القدس وعروبيتها، ورقة التفاوض الرابحة لمدعي الدفاع عنهما، يغنون بها سمفونية الذل والعار، فقط للحفاظ على كرسي تمكنت منه الإرضة، وبات خشباً لصلب إرادة الشعوب الراغبة بالسيادة.
من بين الموت والموتى، ولد اليوم العالمي للقدس، إيمائة الإمام الخميني (قدس)، التي حركت الأحرار، صلاةً وصوماً ودعاء، وتخطيط وتحضير وجهاد، ميزة أخر جمعة من كل رمضان، دعوة صدقت لأنها صادقة، وتميزت كونها مميزة، وكل يومٍ تقترب مِن تحقيق الغاية، أنها بلا شك ثقافة الإنتظار، تلك هي ثقافة الدعوة لليوم العالمي للقدس، هنا حيث نادى الإمام بضرورة ولادة الضمير.
يتملكنا الشعور بالضياع، حين نفكر ببقاء الإحتلال ونمو أطرافه، خصوصاً ونحن نعيش عامه السابع والستون، فظاهراً.. نرى إن كل العرب والمسلمين، مستعدين للموت من أجل أولى القبلتين، إذن ما الذي يؤخر قلة قليلة منهم، من القصاص من إسرائيل، وكف المسلمون قتالاً، هم أبعد من رؤية قفا الرأس عنه؟!
الأدلة الكثيرة للحالة العربية، أثبتت أن أمن أسرائيل يحظى بأهمية أكبر، من تحرير فلسطين، وجوهر الأسباب يكمن بالتالي:
١: إن أمن إسرائيل والتسالم مع ذباحيها، هو الطريق الأمثل لبقاء الحكام العرب في سدة الحكم.
٢: غياب الوحدة العربية والإسلامية، على حساب وحدة الصف اليهودي، من شرق الأرض ومغاربها.
٣: اعتبار اليهود القدس، بلد داوود وموسى وإسرائيل، وهم بنوه بأفتراضهم، فهم أحق بوراثة أرض الأنبياء الأجداد، في حين وجد العربي بالقدس، هماً أثقل كاهله، حروب خاسرة بالجملة، إذا لم يخسرها ميدانياً، فهم متيقنون أنهم سيخسروها، في اول جولة مفاوضات قادمة.
٤: لأن فلسطين أرض اليهود الموعودة وفق معتقداتهم، جندوا النساء لمحاولة ضم شبر أخر لوطنهم، في حين مات الرجال العرب لنعطي الجولان وسيناء للصهاينة، كبادرة حسن نية من حكامنا العرب.
٥: التطور الهائل للمنظومة الأمنية والمعلوماتية والعسكرية لأسرائيل، والتراجع الكبير في وطنية الشارع العربي، فهم يبنون لوطنهم، ونحن هدمنا قرفاً من وطننا.
لاسبيل للأعتذار من القدس، أو من ربها الذي وضع أسرارهُ فيها، أن ينتحر المرء بحبل الشجاعة، خير له من أن يشنق بخيط الذل والهوان، وكلا الحالتين يؤديان به للموت، يموت تاركاً مقدساته عرضة للتدنيس المستمر.
ما يجدر بنا فعله، هو فهم دعوة السيد الخميني (قدس)، تفكيكها وتفسيرها والإنطلاق منها، ولأنها عالمية المحتوى وصادقة بعالميتها، علينا أن لا نرميها بالمذهبية والدينية والقومية، فقط أن نخرجها من هذه الأغلال، ونبقيها كما هي ترفرف في سماء الشرفاء والثائرين.
حينها فقط.. سنستأصل الورم الذي ساعدت عاداتنا السيئة بأنتشاره، ونرمي أخر سيكارة خجل، مع أول قطرة دم، قد ننزفها بمصداقية.